بينما يقضي الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز حالياً عطلة استجمام شمال البلاد، وفيما يستعد البرلمان لعقد جلسة اليوم الاثنين لإقرار التعديلات الدستورية المثيرة للجدل، تتوجه الساحة السياسية الموريتانية نحو المزيد من التجاذب والاحتقان.
فقد دعت شخصيات سياسية موريتانية في بيانات وتدوينات متعددة، للزحف على البرلمان اليوم الإثنين لمنع إقرار التعديلات، وتابع قادة المعارضة، حسب بيان نشروه السبت «اتصالاتهم بالمواطنين في مختلف مقاطعات العاصمة نواكشوط من أجل شرح موقف المنتدى المعارض من التعديلات الدستورية التي يحاول النظام تمريرها ضد إرادة الشعب ومن أجل تعبئتهم لحضور الوقفة التي سينظمها المنتدى يوم الثلاثاء القادم 7 مارس والمسيرة التي سينظمها يوم السبت 11 آذار/مارس تحت شعار «لا للعبث بالدستور! لا لتشويه العلم!».
وأكدت المعارضة في بيانها «أن المواطنين أبدوا تجاوباً كبيراً مع دعوة المنتدى المعارض، كما أظهروا رفضاً واسعاً للتعديلات العبثية وتعلقاً قوياً بالعلم الوطني، معبرين عن استيائهم من الظروف المعيشية التي لا تطاق بسبب غلاء المعيشة والقمامات التي تجلب الأمراض والروائح الكريهة ومشاكل النقل من أحياء الترحيل البعيدة عن أماكن عملهم ومصادر أرزاقهم وعجز المراكز الصحية وغلاء الأدوية».
وفي خضم هذا التجاذب، انتقد الخبير القانوني الموريتاني الحسن حرمة مواقف كل من الأغلبية والمعارضة المتعلق بتعديلات الدستور، حيث أكد أن المعارضة الموريتانية تتحجج في الوقت الراهن بغياب الإجماع الوطني على التعديلات الدستورية المطروحة حالياً على البرلمان، مع أن المادة 99 من الدستور حصرت في فقرتها الثالثة موانع تعديل الدستور في مضمون التعديلات فقط وهي أنه «لا يجوز الشروع في أي إجراء يرمي إلى مراجعة الدستور، إذا كان يطعن في كيان الدولة أو ينال من حوزة أراضيها أو من الصبغة الجمهورية للمؤسسات أو من الطابع التعددي للديمقراطية الموريتانية أو من مبدأ التناوب الديمقراطي على السلطة والمبدأ الملازم له الذي يحدد مدة ولاية رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة».
«وإذا نظرنا الى نص التعديلات المعروضة على البرلمان حالياً، يضيف الخبير حرمة، لا نجد أياً منها يمكن إدراجه تحت أي من البنود الواردة في النص السابق، ما يعني أن احتجاج المعارضة بغياب إجماع النخبة السياسية على التعديلات لا مبرر له، لأن حصول إجماع النخبة السياسية أو توافقها على تعديل الدستور ليس ضمن القيود الواردة في النص أعلاه».
وانتقد الخبير من جانب آخر، مسار الإجراءات التي سلكتها الحكومة في عرضها للتعديلات الدستورية، حيث أكد أنها «قامت بتقديم مشروع تعديل الدستور الى البرلمان، في صيغة قانون (القانون رقم 117/17) بناء على نتائج الحوار الوطني، وهذا خطأ فادح لأنه كما لا يجوز اقتراح مشروع مراجعة الدستور إلا من طرف رئيس الجمهورية أو البرلمان، فإذا كان التعديل مقدماً من رئيس الجمهورية فهو يتطلب اصدار مرسوم رئاسي واضح ترفق به التعديلات المقترحة ويوجهه الرئيس إما للاستفتاء الشعبي او للبرلمان، وهو ما لم يحدث».
ودعا الخبير حرمة استنادا لنص الدستور «لإيقاف جلسة البرلمان المقررة القادم 7 آذار / مارس 2017، حتى تعيد الحكومة تصحيح الإجراءات بطريقة دستورية».
وتحت عنوان «رهان التعديلات الدستورية»، خصصت صحيفة «أقلام» الآنية افتتاحيتها يوم أمس لتحليل أبعاد التعديلات المثيرة، حيث أكدت «أن هذه التعديلات أدخلت معها موريتانيا في مرحلة استقطاب جديدة ظلت العوامل الفاعلة في تأجيجها تختمر تحت السطح منذ سنوات تعبيرا عن صراع إرادات ما فتئ يستفحل ملقيا بظلاله على مشهد وطني تتغير قواعد اللعبة داخله بتسارع ملحوظ».
وأضافت الصحيفة «من هذا المنظور لا تحوز التعديلات الدستورية في حد ذاتها، على أهمية كبيرة باعتبار أن الاستقطاب الحاصل حولها قد تحول إلى رهان يدور على مستويين: فعلى مستوى السلطة تبدو وكأنها «التمرين» الجدي الأول للتأكد من مدى سيطرة الرئيس على أغلبيته، في حين تسعى المعارضة، وهي تدفع باتجاه الاستفتاء، لأن تجعل من هذا التمرين فرصة لاختبار ما إذا كانت أغلبية الناخبين قد تحولت لصالحها في نهاية مأموريتي الرئيس».
وعرض «موقع زهرة شنقيط» الإخباري المستقل للسيناريوهات المطروحة أمام الرئيس إذا ما تعرضت التعديلات الدستورية الحالية لعرقلة في الدورة البرلمانية المقررة يوم غد الإثنين فذكرت «أن السيناريو الأول هو قيام الرئيس بحل الجمعية الوطنية والدعوة لانتخابات برلمانية وبلدية جديدة، دون الالتزام بالأجندة المقررة في الاتفاق السياسي مع المعارضة المحاورة له، والعمل من أجل الخروج من المأزق السياسي بتغيير جذري للطبقة السياسية الحالية».
«أما السيناريو الثاني، حسب تحليلات موقع الزهرة، فهو إقالة الحكومة وتكليف حكومة جديدة، والعمل من أجل تمرير التعديلات الدستورية عبر الاستفتاء المباشر دون المرور بالبرلمان، أما السيناريو الثالث المستبعد في المرحلة الحالية، فهو الإعلان عن انتخابات رئاسية لا يتقدم الرئيس لها مع الدفع بمرشح مدعوم من الأغلبية، بينما ستجد المعارضة صعوبة في الدفع بمرشح موحد».
وخلص موقع «زهرة شنقيط» في آخر التحليل لتأكيد «أن خيار تمرير التعديلات الدستورية يظل الأقوى في الوقت الراهن، رغم وجود أكثر من طرف يعارض ما ذهب إليه الرئيس، وخصوصاً أعضاء مجلس الشيوخ، ممن يدركون أن حياتهم السياسية، والمكانة التي يحتلونها في الوقت الراهن لدى الرئيس والمجتمع ستنتهي بمجرد إعلان نتائج التصويت على الدستور داخل البرلمان».
وتتالت تدوينات وبيانات الشخصيات السياسية الداعية لرفض التعديلات حيث كتبت المدونة الموريتانية النشطة خديجة بنت سيدينا تؤكد «أنّ التعديلات الدّستورية ستكرّس إذا ما أجيزت، سلطة الفرد وتمنع محاسبة الرئيس وحكومته وتلغي المؤسساتية ومبدأ فصل السلطات؛ فهي تعديلات لنظام شمولي أحادي لا ديمقراطي!!، فارفضوا من فضلكم التعديلات الدستورية التي ستنتج وتكرّس دكتاتورية هوجاء».
أما المدون والقيادي المعارض محمد الأمين ولد الفاضل فقد أكد في مقال له تحت عنوان «لنزحف إلى البرلمان، «أنه على الغالبية العظمى من الشعب الموريتاني، وهي الغالبية الرافضة للعبث بالدستور أن تزحف صبيحة يوم السابع من مارس في اتجاه الجمعية الوطنية لإفشال التعديلات الدستورية، وعليها من بعد ذلك أن تزحف إلى مجلس الشيوخ في اليوم الذي سيتقرر فيه أن تعرض تلك التعديلات على مجلس الشيوخ».
وقال «إذا ما قررت الجماهير أن تزحف إلى الجمعية الوطنية في يوم السابع من مارس، فإننا سنكون أمام واحد من احتمالين، أولهما أن تقوم السلطة باستنفار أمني كبير، وأن تقرر تطويق الجمعية الوطنية برجال الأمن، وأن تمنع الجماهير من الاحتجاج السلمي أمام الجمعية الوطنية، وستكون السلطة في هذه الحالة، قد أثبتت للجميع بأن التعديلات الدستورية لم يكن بالإمكان تمريرها إلا من بعد تطويق البرلمان بقوات الأمن، وهنا تكون التعديلات الدستورية قد فقدت آخر ذرة من المشروعية ومن المصداقية، أما الاحتمال الثاني فهو أن تسمح السلطة بالاحتجاج الشعبي أمام الجمعية الوطنية، وهنا يكون على رافضي التعديلات الدستورية أن يستخدموا كل وسائل الضغط المشروعة لإيقاف الجلسة ولإفشال التعديلات الدستورية المقدمة للبرلمان».
يبقى أن أقول بأن قضية العبث بالدستور هي من أخطر القضايا السياسية التي عرفتها البلاد في السنوات الأخيرة، ولذلك فإنه على كل واحد منا أن يتحمل مسؤوليته كاملة غير منقوصة في التصدي لهذا العبث بالدستور.
عبد الله مولود
نواكشوط – «القدس العربي»