تخلى ساسة موريتانيا موالين ومعارضين وفقاً لاستقراءات المشهد السياسي أمس، عن شؤونهم واهتماماتهم ليتفرغوا، كل على شاكلته، لمعركة الاستفتاء حول التعديلات الدستورية التي أصبحت الشغل الشاغل للجميع منذ أن أعلن الرئيس ولد عبد العزيز عن تفعيله المثير للمادة (38) من الدستور التي تسمح له باستشارة الشعب في القضايا ذات الأهمية الوطنية.
وقد بدأت الحكومة وأحزاب الأغلبية الاستعداد لحملات سياسية وإعلامية ستنطلق آخر الأسبوع الجاري للدفاع عن تفعيل الرئيس للمادة الثامنة بعد الثلاثين من الدستور، ولإقناع المواطنين بالتصويت الإيجابي خلال الاستفتاء، للتعديلات المقترحة.
وتواصل أحزاب المعارضة هي الأخرى، على مستوى العاصمة حملات مناهضة للاستفتاء ولتعديلات الدستور خارج الإجماع، بينما يستعد منتدى المعارضة بأحزابه ونقاباته وشخصياته المرجعية لإطلاق حملات سياسية على مستوى العاصمة وداخل البلاد لإفشال الأجندة الحكومية.
وقد انضم أمس الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله لمعارضي الاستفتاء، حيث أكد في بيان توصلت «القدس العربي» بنسخة منه «أنه إذ يستشعر المخاطر التي تتهدد مستقبل الديمقراطية في موريتانيا، ليدعو رئيس الدولة إلى أن يغلب المصلحة العليا للوطن، ويعدل عن قراره القاضي بتجاهل نتائج مناقشة التعديلات الدستورية في غرفتي البرلمان وفقاً للمواد 99-100-101 المتعلقة حصراً بمسطرة تعديل الدستور».
«وفي حال إصرار رئيس الدولة على انتهاك الدستور، يضيف ولد الشيخ عبد الله، فإنني أعتقد أنه من واجب كل الوطنيين الأحرار المتشبعين بالقيم الديمقراطية الغيارى على مستقبل بلدهم أياً تكن مواقعهم على الخريطة السياسية، وأنا فرد منهم، أن يبذلوا ما في وسعهم من أجل مقاومة هذا الانقلاب الدستوري وإفشاله».
وقال «منذ استقالتي في حزيران/يونيو 2009، قرابة عام بعد الانقلاب الذي منعني من ممارسة مهامي الدستورية، حرصت على أن أكتفي بمراقبة سير الأوضاع في البلاد، ملتزماً الكف عن الإدلاء بأي تصريحات عمومية، متمنياً التوفيق لكل أطراف الطيف السياسي في خدمة الشعب، وقد قررت حينها بوعي أن أعتصم بالصمت ما لم تتعرض البلاد لمخاطر تهدد السلم الاجتماعي وتعصف بمستقبل الوطن، ويؤسفني أن ألاحظ أن تواتر نذر الانزلاق وارتفاع مؤشرات تدهور الأوضاع قد وصلت اليوم، حسب اعتقادي، إلى المستوى الذي كنت أخشاه، بعد إعلان رئيس الدولة عزمه على اللجوء للمادة 38 من أجل تعديل الدستور بعد أن فشلت المحاولات التي بذلت لتمرير التعديلات من خلال البرلمان طبقاً لمقتضيات الفصل الخاص بذلك في الدستور».
وتابع الرئيس ولد الشيخ عبد الله يقول «إن دستورنا الذي يعبر عن إرادة شعبنا يمنح كلا من رئيس الجمهورية (السلطة التنفيذية) والبرلمان (السلطة التشريعية)، وعلى حد التساوي، حق المبادرة باقتراح مراجعة الدستور ويضبط شروط هذه المراجعة، وهو يمنح هذين الطرفين بانتخابهما من قبل الشعب وممثليه درجات متكافئة في ميزان الشرعية، ويحدد لكل منهما صلاحيات واضحة، ويمنع أياً منهما أن يجور على صلاحيات الآخر، وبناء على ذلك فإن أي تعديل دستوري انطلاقاً من المادة 38 من شأنه أن يفتح الباب واسعاً أمام تعديلات لاحقة قد تمس ثوابت الأمة ومكتسباتها الديمقراطية كطبيعة النظام الجمهوري والتناوب على السلطة والحوزة الترابية».
وكان منتدى المعارضة قد أكد في مؤتمره الصحافي الأخير «أن تفعيل الرئيس ولد عبد العزيز للمادة (38)، تمرد جديد على الشرعية ومحاولة جديدة لفرض إرادة فرد على الأمة ومؤسساتها، وهو استمرار لاختطاف الدولة وتكريسها لخدمة أجندة شخصية».
واعتبر المنتدى وهو أكبر تجمع للمعارضة «أن امتطاء المادة 38 من الدستور المقيدة نصاً وروحاً بالباب الحادي عشر ومواده 99 و100 و101 المحددة بصورة حصرية لطرق تعديل الدستور، يعد انتهاكاً صارخاً للقانون». وأكد محمد جميل ولد منصور رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (إسلامي معارض)، في خطاب له أمام المنظمة النسائية لحزبه «أن الاستفتاء الذي قرر الرئيس ولد عبد العزيز تنظيمه، لا يصح قانوناً ولا شرعاً».وهدد ولد منصور بإصرار المعارضة على «تفعيل وسائل النضال السياسي وتصعيدها مع اعتماد التعقل والحكمة»، مؤكداً «أن المنتدى المعارض سيوسع التشاور والتنسيق مع المعارضة الديمقراطية من أجل أن يتراجع الرئيس عن أجندته المثيرة المتناقضة مع القانون».
وفي برنامج «المشهد الدستوري» الذي تبثه قناة «المرابطون»، أكد محمد ولد غده عضو مجلس الشيوخ الموريتاني والقيادي في المنتدى المعارض، «أنه إذا سمح باستخدام المادة 38 من الدستور بالطريقة التي قررها الرئيس فسيصبح الدستور ألعوبة، وقد يستخدم لأمور غير جمهورية مثل تحويل موريتانيا إلى مملكة، أو التنازل عن السيادة على أجزاء من التراب الوطني».
ولم يتوقف لحد يوم أمس الجدل المحتدم منذ أيام بين الفقهاء الدستوريين حول قانونية تفعيل الرئيس للمادة (38) من الدستور لتنظيم استفتاء حول التعديلات، حيث نشر قانونيو الموالاة تأويلاهم لهذه النازلة مؤكدين أن المادة (38) لا قيود على الرئيس في إعمالها، بينما يؤكد دستوريو المعارضة أن مراجعة الدستور غير ممكنة خارج المواد 99 و100 و101 المنصوص عليها في الباب الحادي عشر من الدستور.
وتشمل التعديلات التي ستقدم للاستفتاء أموراً عدة أبرزها إلغاء محكمة العدل السامية (العليا) المعنية بمحاكمة الرئيس وأعضاء الحكومة وتحويل صلاحياتها إلى المحكمة العليا، وإنشاء مجالس جهوية منتخبة للتنمية، وتوسيع النسبية في الانتخابات العامة، وتغيير العلم الوطني، وإلغاء غرفة مجلس الشيوخ.
وقد انبثقت هذه التعديلات عن حوار نظم في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بين الغالبية المؤيدة للرئيس محمد ولد عبد العزيز وأطراف من المعارضة، وقاطعت هذا الحوار أحزاب ونقابات وشخصيات مرجعية منتظمة في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة.
وبينما أكد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز إغلاقه لباب الحوار بصورة نهائية، ترى أطراف داخل المعارضة بينها حزب تكتل القوى الديمقراطية «أن الخيار الوحيد أمام الرئيس هو الدعوة لحوار سياسي جديد يشارك فيه البرلمان وجميع القوى الموالية والمعارضة، بنيات حسنة هدفها الخروج بإجماع وطني ينهي حالة التجاذب والتأزم».
عبد الله مولود
نواكشوط -«القدس العربي»