اصبت بالصدمة، والغضب الشديد في آن، وانا اتابع السيدة منى عبد الناصر، ابنة الزعيم العربي الذي احتل قلوب مئات الملايين من العرب والمسلمين بسبب مواقفه المشرفة في دعم حركات التحرير والتصدي للاستعمارين الغربي والصهيوني، اتابعها في شريط فيديو بالصوت والصورة، وهي ترقص بفستان احمر قصير في حفل زواج ابنها احمد، في حضور السفير الإسرائيلي في القاهرة ديفيد جوفرين.
الصدمة ناجمة لاني، والكثيرون غيري، كانوا يعتقدون انها ربما لم تكن تعلم بخيانة زوجها الجاسوس الإسرائيلي اشرف مروان، والدور الكبير الذي لعبه في اجهاض الانتصار العربي في حرب السادس من أكتوبر عام 1973، والغضب لانها دنست تاريخ والدها واسرتها المشرف، بل مصر والأمة العربية كلها أيضا، ولكن استضافتها للسفير الإسرائيلي في بيتها، ولحضور عرس ابنها الذي نأمل لن لا يكون يسير على طريق والده أيضا، اكد لنا انها ربما كانت تعرف الكثير، والا لنأت بنفسها عن خيانة زوجها، ولم توجه الدعوة لممثل مشغليه “الموساد” في تل ابيب لحضور عرس ابنها.
***
قبل ثلاثة اشهر حرصت على قراءة كتاب “الملاك” او “The Angel”، الذي كتبه يوري بار جوزيف، عميل المخابرات الإسرائيلي المتقاعد عن اشرف مروان الذي عمل مع “الموساد” لاكثر من ثلاثين عاما، وقدم له خطط حرب عام 1973، وساعة الصفر، مما انقذ حياة الآلاف من الإسرائيليين وادى الى استشهاد عشرات الآلاف من المصريين والسوريين، و”الملاك” كان الاسم السري الذي اطلقه عليه جهاز “الموساد”.
الكتاب اكد ان مروان هو الذي بادر الاتصال بالسفارة الإسرائيلية في لندن طالبا الحديث مع الملحق الأمني، الذي هو رجل “الموساد” عارضا خدماته التجسسية، وكاشفا هويته وزواجه من ابنة الرئيس الراحل، عملية التجنيد تمت بعد تلكؤ، للشكوك في خطوته هذه، وللاطمئنان على صدق نواياه.
هناك سببان رئيسيان اديا الى اقدام اشرف مروان على هذا العمل الخياني ضد بلده وامته، حسب تحليل خبراء “الموساد”، ومثلما ورد في الكتاب:
- الأول: كراهية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر له منذ ان تقدم طالبا يد ابنته، ورفضه مشروع الزواج هذا بناء على ذلك، ولكن الست منى، التي انغرمت بالعريس، وغرقت في قصة حب معه، علاوة لكونه جميل المنظر والشكل، أصرت على الزواج، وقبل الوالد بناء على الحاحها مكرها، ورفض ان يعطيه أي منصب، ووظفه في أرشيف الرئاسة تحت الارض وبراتب لا يزيد عن 17 جنيها شهريا، كما كشف المؤلف ان الرئيس عبد الناصر شك في سلوك صهره وحبه للمال، واستدعاه من لندن، حيث كان يدرس للحصول على درجة الماجستير بعد معرفته من خلال تقارير السفارة لسلوكه السيء، وحياته الباذخة، وعلاقته مع احد الشيوخ الخليجيين، (رحل عن دنيانا)، واعفونا من ذكر الاسم، وقام عبد الناصر بتسديد جميع الأموال التي اخذها من هذا الشيخ وزوجته (شخصية ثقافية معروفة)، واصر على طلاقه من ابنته، ولكن الأخيرة عارضت هذه الخطوة بشدة، وبكت وهددت بالانتحار.
- الثاني: جشع مروان وحبه للمال، والحياة الباذخة التي لا تتناسب مع طريقة حياة حماه عبد الناصر المتقشفة جدا، وكشف مؤلف الكتاب ان مروان كان “مدمنا” على القمار، وكان يتردد على انديته الفخمة في لندن، وينفق أموالا طائلة على موائدها، ومن المؤسف ان زوجته، ابنة الزعيم عبد الناصر كانت تجاريه في حبه للبذخ والملابس الفخمة، والتردد على مطاعم واندية الطبقة البرجوازية.
ويؤكد الكتاب ان “الموساد” دفع له اول مرة 50 الف دولار، ثم رفع المبلغ الى 100 الف دولار، وكان يدفع المبلغ الأخير مرتين في الشهر كمكافأة على كل دفعة معلومات يقدمها لمشغليه، واكد ان هؤلاء قدموا له دفعة إضافية مقدارها 100 الف دولار كمكافأة على تقديمه خطط حرب أكتوبر وموعدها التي انقذت إسرائيل من الهزيمة المحققة،
اشرف مروان كان “ملاكا” بالنسبة الى إسرائيل و”عارا” على العرب والمسلمين، وانخرط في واحدة من اكبر عمليات التجسس في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
***
زوجته منى عبد الناصر، كانت تقول في مجالسها ان “الموساد” هو المتهم بقتله بدفعه من شرفة شقته وسط لندن الى حتفه عام 2007، لانه كان عميلا مزدوجا، ولكن الكتاب يثبت بالوثائق انه كان عميلا إسرائيليا بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وخان بلده وعقيدته (لا نعتقد انه كان له عقيدة غير الخيانة)، وامته، واخلص لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
الرئيس المصري حسني مبارك رفض حضور جنازته، ولم يعز في مقتله، وكذلك أعضاء المجلس العسكري المصري، وقال لي الصديق الراحل محمد حسنين هيكل انه قاطع الجنازة ومراسيم العزاء أيضا، ولكنه ذهب الى منزل ارملته منى معزيا، بصفتها ابنة عبد الناصر، وليس كزوجة اشرف مروان، بسبب علاقته العائلية مع الرئيس الراحل واسرته، وكان يعرف أولاده وبناته وهم في سن الطفولة، واكد لي الراحل هيكل انه لم يرتح له، وكان ينظر اليه بريبة وشك، ولكنه لم يقل لي، أي هيكل، ما اذا كان يعلم انه جاسوس ام لا.
من قتل اشرف مروان؟ او بالأحرى من نفذ فيه حكما بالاعدام؟ هذا هو السؤال الأهم الذي ما زال يبحث عن جواب، وان كنت لا استبعد ان تكون الجهة المنفذة هي المخابرات المصرية، لان أسلوب القذف بالضحية من عمارات عالية، وفي لندن بالذات، يتردد انه اسلوبها و”حقوق طبعها” الذي استخدمته في تصفية كل من تمردوا عليها، او خانوها، ابتداء من اللواء علي شفيق، ومرورا بسعاد حسني، وانتهاء بأشرف مروان، والله اعلم.