لم يول الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز وأغلبيته أي اهتمام لحد يوم أمس للفتاوى الصادرة عن جهات قانونية وسياسية معارضة والقائلة بعدم شرعية مراجعة الدستور عبر الاستفتاء الذي دعا إليه الرئيس معتمداً على المادة (38) من الدستور.
فقد واصل أنصار الرئيس من حقوقيين وقانونيين وسياسيين وقادة أحزاب حملاتهم المضادة، مؤكدين حق الرئيس في الدعوة للاستفتاء عبر تفعيل المادة الثامنة بعد الثلاثين، داعين لنصرة الاستفتاء المنتظر ولإنجاح التصويت بـ»نعم» التي يرون أنها مصيرية بالنسبة لمستقبل موريتانيا.
ووصف وزير الاقتصاد والمالية المختار ولد اجاي في تجمع سياسي نظمه الأحد معارضي التعديلات الدستورية التي يجري التحضير لعرضها في استفتاء شعبي، بـ»المدلِّسين الذين يمتهنون دعاية مغرضة اعتادوا عليها».
وسخر الوزير من حديث المعارضة عن خوف النظام من المحاكمة، سائلاً بلهجة استنكارية «هل لأننا أزلنا عتاة الفساد من البلاد؟، أم لأننا طردنا سفارة الاحتلال الصهيوني من بلدنا؟
واستغرب «وصف المعارضة للجوء الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى المادة 38 من الدستور بالخطوة الانقلابية، مضيفاً «هذا أمر غريب للغاية»، «أي منطق هذا؟، وأي نوع من الانقلابات هذا؟، إنها استشارة الشعب، إنها الديمقراطية في أبهى تجلياتها».
وحمل ولد اجاي معارضي التعديلات الدستورية المسؤولية عن التكلفة المادية للاستفتاء الشعبي (قدرت بـ20 مليون أورو)، قائلاً «لقد أردنا أن تمر هذه التعديلات بأخف الطرق وأقلها كلفة من خلال مؤتمر برلماني، ولكنهم أرادوا غير ذلك».
وبعد الفتاوى التي أصدرها عدد من كبار أساتذة القانون الدستوري حول استحالة مراجعة الدستور خارج ترتيبات الفصل الحادي عشر، انضم للقائلين باستحالة المراجعة المقررة، أربعة نقباء سابقين للمحامين الموريتانيين هم ديابيرا معروفا (نقيب 1982)، ويعقوب ديالو (نقيب 1987-1989)، ومحفوظ ولد بتاح وزير عدل سابق (نقيب 1991-2005)، وأحمد سالم ولد بوحبيني (نقيب 2008-2014).
وأكد النقباء الأربعة في بيان حصلت «القدس العربي»، على نسخة منه أنهم تابعوا كسائر الموريتانيين مسار التعديلات الدستورية المقدمة من طرف السلطة الحالية، حيث ظهر لهم بعد التدقيق «أن تقديم رئيس الجمهورية لهذه التعديلات أمام غرفتي البرلمان، كلاً على حدة، مطابق للدستور الذي ينص البند الحادي عشر منه المحدد لطريقة مراجعة الدستور، على أن أي تعديل دستوري، سواء عن طريق مؤتمر برلماني أو عن طريق استفتاء، مشروط حصرياً بمصادقة ثلثي الجمعية الوطنية وثلثي مجلس للشيوخ عليه».
«وهكذا، يضيف النقباء، فإن رفض أي من الغرفتين لهذا التعديل، مهما تكن نتيجة التصويت عليه في الأخرى، يجعله لاغياً ويجب سحبه طبقاً للمادة 99 من الدستور التي تنص حرفياً على أنه «لا يصادق على مشروع مراجعة إلا إذا صوت عليه ثلثا (3/2) أعضاء الجمعية الوطنية وثلثا (3/2) أعضاء مجلس الشيوخ ليتسنى تقديمه للاستفتاء».
وأضاف النقباء «أن أي طريقة أخرى لمراجعة الدستور تعتبر انتهاكاً صارخاً لنص وروح الدستور، وقد فوجئنا ولسنا وحدنا، بالتصريح الذي أدلى به رئيس الدولة والذي أعلن فيه أنه سيستخدم المادة 38 ذات الأحكام العامة المقيدة بالأحكام الخاصة الواردة في المواد 99، 100، و101 من الدستور، طبقاً للمبدأ المتعارف عليه في القانون والقائل بأن «الخاص يقيد العام».
«وبناء على ما تقدم، يضيف البيان، فإننا نحن النقباء السابقين للمحامين، نذكر رئيس الجمهورية بالالتزامات والواجبات التي يمليها عليه الدستور وتفرضها عليه اليمين التي أداها، ونعتبر أن انتهاك الدستور من طرف رئيس الجمهورية يعتبر جريمة وخيانة عظمى، ونطالب بالتخلي عن الاستفتاء المزمع تنظيمه لأنه سيفتح الباب أمام كل أنواع العبث بالدستور كما يخل بالمؤسسات الدستورية ويهدد السلم والأمن الاجتماعيين».
وفي بيان آخر معارض للاستفتاء، أعلنت منظمة «جردس موريتانيا» الحقوقية التي تضم أساتذة وشخصيات مرجعية موريتانية واكبت الانتخابات في العديد من بلدان العالم في بيان وزعته أمس «أن أحكام الباب الحادي وعشر تمنع عرض أي مراجعة للدستور على الاستفتاء الشعبي قبل إقرارها من طرف البرلمان، ولذا فإن التعديلات التي عرضها الرئيس بعد الحوار تعتبر لاغية لكونها رفضت من طرف مجلس الشيوخ».
وأوضحت «جردس موريتانيا» أنها «تذكر الرئيس كمسلم وحارس للدستور بالتزاماته التي أقسم عليها لدى توليه الرئاسة».
ووجهت المنظمة في بيانها «نداء ملحاً ووطنياً لرئيس الجمهورية من أجل العودة لأحكام الدستور الذي يعتبر الضامن الأساس للوحدة والانسجام الوطنيين، والكف عن تنظيم الاستفتاء الذي يعتبر غير شرعي حفاظاً على استقرار موريتانيا التي تحيط بها مخاطر جمة».
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»