تتنوع وتتعدد العادات داخل المجتمع الموريتانى , تبعا لطبيعة التنوع العرقي والثقافي في هذا المجتمع المؤلف من أربع عرقيات هي : العرب { أو البيظان} ، والفولان { البولار} ، والسوننكى ، والوولف.
وبالرغم من ربط الإسلام لخيط ناظم بين المكونات العربية والزنجية في موريتانيا , إلا أن لكل منها تقاليده وأعرافه الاجتماعية الخاصة فى شتى مناحى الحياة , ومن بينها بالطبع الزواج ، فلكل مجموعة طقوسها وممارساتها التي تصاحب هذا الحدث
المكونة العربية { البيظان } : عادات زواج ، منها الغريب .. ومنها الطريف
السهرات الغنائية تحرص على ذكر مآثر القبائل التي تنتمي لها عائلات الزوجين
الزواج أو "لمشد" أو "الخيمة " ، مرحلة مفصلية هامة ومنتظرة فى حياة الفتاة البيظانية , يتمناه لها الأهل والأقارب – خاصة من محيطها النسائى –، تبدأ أولى خطوات الحدث المنتظر بالخطبة والتى تتولاها أم الخاطب ومن تختاره من الأخوات والصديقات ، وذلك بزيارة أسرة المخطوبة ، ويغيب عن هذه المرحلة الرجال والعروسان ، يحين دور الرجال –ككل المجتمعات العربية وحتى الإسلامية - عند إبرام العقد والذى يتم فى الغالب على مائدة يقيمها أهل الزوجة , وأحيانا فى المسجد وبعد إتمامها يعلن عن ذلك بزغردة لسبع مرات من طرف متخصصة , لتبدأ بصفة رسمية المراسم المعلنة للإرتباط :
المروح : وهو زف العروس لزوجها على أنغام الموسيقى وفى أجواء يغلب عليها المرح والصخب بمشاركة أصدقاء العروسين وأهلهما ممن يصغرونهما سنا نظرا لعادات احترام صاحب السن الأكبر المتفشية فى هذا المجتمع ، تلك العادة والتى تسمى فى هذا المقام " السحوة " تمنع العروسة من إظهار وجهها طيلة أيام العرس وتفرض عليها لبس الأسود حتى لا تًظهر زينتها وكتعبير رمزي عن عدم المبالغة فى الفرح والغبطة .
أكَيلوع : أو النزاع ، وهو عبارة عن صراع رمزى بين صديقات العروس ورفاق العريس { العصر} لحظة تسلم الأخير يد زوجته للانتقال بها إلى " المروح" ومن ثم إلى بيتها الجديد , وهنا عليها أن تظهر بعض التمنع وعدم الرغبة فى مغادرة بيت أبيها وفى ذلك تساعدها صديقاتها ، وعلى رفاق العريس حمايته حتى يقنع زوجته الجديدة بالمغادرة معه .
الترواغ : أو الإخفاء ، وهى عادة تترصدها صديقات العروس ومن ترغب فى مساعدتهن من النساء و حتى من الفتيان الأصغر سنا من العريس ، ويحاول هذا الكشكول طيلة أيام العرس إخفاء العروس عن زوجها ، وهنا تفرض عليها العادة المساعدة فى ذلك والاستجابة لكل الخطط والمؤامرات المحاكة لذاك الغرض ، وعلى رفاق العريس أن يمنعوا " الترواغ " وإن وقع عليهم العثور على عروسهم ، وكل الوسائل مشروعة لهم ، بما في ذلك التخابر ومحاولة شراء ذمم النساء من الطرف الآخر ، وفى حال الفشل تقيم رفيقات العروسة حفلا خاصا لإعلان النصر ووضع شروط إعادة الزوجة وقد يكون ذلك مقابل مبلغ مادي أو تعهد من العريس بإقامة وليمة لهن أوالتعهد بالرقص أمام العامة .
امروكَ اسبوع : أو خروج الأسبوع الذى هو كناية عن أيام العرس حيث كانت فى السابق أسبوعا كاملا إلا أنها اليوم تقلصت إلى يومين أو ثلاثة ، بعده يرسل الزوج هدية مادية لأهل العروسة كتعبير عن علاقة احترام ومودة جديدة معهم .
عادات الزواج عند الفولان: الارتباط من يوم الولادة .. والتعدد مقبول
عند الزنوج الفولان الأم تحرص على اختيار زوج لأبنتها يوم ولادتها
يبدأ الارتباط عند مجتمع الفولان مبكرا ، فمنذ يوم ولادة البنت أو يوم عقيقتها تقوم أم الفتى أو خالته أو عمته بربط خيط فى يدها – وهي فى الغالب من محيطه الاسري- معلنة اختيارها زوجة المستقبل لفلان ، وإذا كبرت الفتاة تبقى منتظرة زوجها أو إعلان أهله عن العدول عن ارتباط ابنهم بها , وذلك بعد أن يرسلوا أحد أصحاب الخبرة من العائلة فى زيارة عادية وغير معلنة ، يختبر فيها قدرات البنت ويتحسس قابليتها لبناء أسرة .
بعد تجاوز الامتحان يتم تحديد أجل للزواج { جيوكَال} والذى يتولى تمثيل الزوج فيه أصغر أعمامه بمباركة والده ، وبعده تقيم النسوة وليمة خاصة بتزيين العروسة ، لتبدأ طقوس الزواج :
" تايكَل " : وهى عادة آخذة فى الاندثار حيث أصبحت مقتصرة على بعض القرى الريفية ، وهى أن يرسل الزوج رفقاءه لاختطاف العروسة بعد عقد الزواج الشرعى وقبل أن تزف إليه وذلك حرصا منه على عدم تكلف والدها فى إقامة وليمة ، وتبقى العروس فى بيت أم العريس حتى يحين وقت الزفة .
"نافورى" : وهو واجب مادى يدفعه العريس لأصدقاء الزوجة لقاء تزيينها وإظهارها في أبهى حللها ، وحتى لا يقمن بإخفائها وعرقلة إجراءات الزواج ، مع هدايا رمزية أخرى يعطيها لخالاتها مقابل دورهن فى تربيتها .
يحبذ الفولان الزواج الداخلى (العائلة والمحيط الأسرى ) ويعتبر تعدد الزوجات طبيعيا ومألوفا عندهم ، لكنه فى الغالب يقتصر على زوجتين .
المجتمع السوننكى : زواج تلازمه النصائح والإرشادات .. وطقوس هادئة
هدوء قبائل السوننكة ينعكس جليا على حفلات الزواج التي تتم دون صخب
" انياخا " : أو الزواج عند السوننكى (سرغوله )، لا يختلف كثيرا عن الزواج عند شريحتي البيظان والفولان خاصة فى شقه المتعلق بالخطوبة حيث يبعث الرجل أخاه الأكبر إلى أهل الزوجة ، وبعد ذلك يعقد هؤلاء اجتماعا خاصا لإتخاذ القرار وفى حال الموافقة يتم تحديد تاريخ متفق عليه .
قبل الزواج يؤدى الخطيب وأصدقاءه زيارة مجاملة لأسرة خطيبته مع تقديم هدية معنوية كما سيستمع من والدها وذويها ممن يكبرونه سنا إلى نصائح وإرشادات حول الحياة الزوجية وواجباتها ، وبإمكانه خلال تلك الزيارة رؤية وجهها لكن بعد إعطاء ضريبة لصديقاتها مقابل ذلك .
فى الصباح الباكر من يوم عقد القران يتم نحر عدد من الأبقار وتصنع منها الولائم للأهل والأقربين ، وفى المساء يتوجه أصدقاء العريس وأقرباءه صوب منزل أسرة العروس لجلبها ، بعد وصول الموكب القادم على الخيول أو السيارات –فى المدن- يتم عزف الموسيقى والتغنى بأمجاد وخصال العريس وأهله ، وفى هذه الأثناء تستمع العروس إلى نصائح وإرشادات من أمها حول الحياة الجديدة القادمة عليها ، قبل أن تغادر فى لباس أبيض وزينة كاملة مع الجمع إلى بيت زوجها على وقع الموسيقى وأغانى تغنيها صديقاتها منها : افتحوا باب المنزل فقد جاءته سيدته .
بعد الوصول تبدأ بتحية صهرها والد زوجها أو أكبر أفراد عائلته بالجلوس عند قدميه والاستماع إلى توجيهاته وأخذ الإذن منه فى الولوج إلى عالمها الجديد .
طيلة الأسبوع الأول للزواج يتم تكليف شخص يسمى " خسماتا " بلعب دور الوسيط والمسهل بين الزوجين الجديدين حتى يتآلفا ويتعودا على نمط الحياة الجديد بينهما .
الزواج عند مجتمع " وولف " : عادات تبدأ بانحناء .. وكوب ماء
تحرص الفتاة الوولفية على الرقص في حفلات الزواج لجلب انتباه العزاب من أصدقاء العريس
عندما يهم الرجل الوولفى بالزواج أو " سيت " من فتاة عليه أن يبلغ وكيله مباشرة وبدون وسيط بذلك ، فيتوجه الأخير صوب أهل الفتاة ليتحدث معهم بشأن الخطبة ، بعد أن يعطوا موافقتهم يقوم الخطيب بزيارة مجاملة لهم مع من يختاره من أصدقاء وأقارب ، أثناء هذه الزيارة يمتحن الفتاة برغبتها فى الارتباط به من خلال أمرها أن تناوله كوب ماء ، فإن هى أعطته إياه بيديها مع انحناء فذلك إشارة قبول وموافقة على الارتباط و إن ناولته إياه بيد واحدة ودون انحناء فتلك إشارة على عدم الحب وعدم الرغبة فى الارتباط .
بعد أن تتضح الرغبة فى الزواج يتم تحديد موعد لعقد القران بحضور أربعة أشخاص اثنين من كل طرف كشهود مع فتح المجال لمن يرغب فى الحضور .
فى يوم الزواج تقام وليمة كبرى فى منزل أسرة العروسة تحضرها النساء بصفة خاصة وتستمر من ساعات الظهر إلى منتصف الليل على وقع الموسيقى والرقص , وتتولى عمة العروس تزيينها لتسلمها إلى العريس الذى يحضر مع قرنائه وأقربائه ، وعليه أن يقيم حفلا خاصا آخر على شرف صديقات عروسه .
يتضح مما سبق، اشتراك المجتمع الموريتانى – بمكوناته الثقافية المختلفة – في عديد العادات والتقاليد المتعلقة بحدث الزواج رغم اختلافه فى بعضها ، ولعل من أبراز تجليات العامل الأخير الاختلاف فى قبول التعدد حيث يعد من المحظورات عند شريحة العرب {البيظان} ومقبولا بل ومرغوبا فيه أحيانا عند بقية المكونات الزنجية الأخرى .