أدى ظهور أحمد ولد سيدي أحمد وزير الخارجية الموريتاني الأسبق الذي وقع عام 1999 مع دافيد ليفي اتفاق رفع مستوى العلاقات مع إسرائيل، أدى ظهور اسم هذا الوزير السابق في القيادة الدورية لمنتدى المعارضة التي أعلن عنها أمس، لاحتجاجات واسعة أمس داخل عدد من أحزاب منتدى المعارضة وعلى مستوى المدونين الذين باتوا يشكلون مجموعة ضغط سياسية قوية.
وكان الاحتجاج الأبرز الذي شغل الناس أمس هو احتجاج واستقالة محمد غلام ولد الحاج الشيخ نائب رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (محسوب على الإخوان)، حيث أكد في تدوينة الاستقالة أنه «لا يمكن أن يجلس كنائب لرئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، إلى جانب منسق العلاقات مع إسرائيل داخل منتدى المعارضة».
وأعلن المختار ولد بكار نائب رئيس حزب الاتحاد والتغيير الموريتاني، هو الآخر عن تجميد أنشطته في منصبه الحزبي، وأعلن مقاطعته لأنشطة أحزاب منتدى المعارضة إلى «حين انتهاء مأمورية المكتب الحالي الذي يضم منسق العلاقات مع العدو الصهيوني».
وأكد المدونون الذين أشعلوا نار الاحتجاج على المعارضة مباشرة بعد إعلانها عن قيادتها الجديدة التي تضم الوزير الأسبق ولد سيدي أحمد، «أن جريمة التطبيع مع إسرائيل لا تسقط بالتقادم».
وأكد محمد غلام ولد الحاج الشيخ الذي يرأس الرباط الوطني لمقاومة التطبيع مع إسرائيل «أن سبب استقالته من منصب نائب رئيس حزب التجمع، هو الاعتراض على بعض الأسماء التي نالت من رمزية التطبيع ما لم ينل غيرها وأضحى الوسم التطبيعي عنوانا محفورا عنها في الذاكرة ولم تبذل أي جهد في الاعتذار للشعب وتصحيح ما لحق بها».
وأكد محمد جميل منصور رئيس حزب التجمع معلقاً على استقالة نائبه احتجاجاً على ظهور الوزير المطبع في قيادة المعارضة التي ينتمي إليها الحزب «أن أي أمر له صلة بقضية فلسطين أو العلاقات المنكرة مع الكيان الصهيوني يستحق أن يهتم به وتوقف عنده خصوصاً بالنسبة لحزب أو تيار يعتبر فلسطين آية من آيات الكتاب وله سبق معلوم في مناهضة العلاقات مع الصهاينة على أن يكون ذلك دون تهويل ولا مبالغة ولا تناقض».
وعلق على التهم التي وجهها مدونون لحزبه حزب التجمع (محسوب على الإخوان)، بالمشاركة في حكومة مطبعة بقوله «حزبنا لم يشارك في حكومة مطبعة، فقد شارك في حكومة كان على أجندتها أنها ستنهي هذه العلاقات وذلك بعد اتفاق الأحزاب آنذاك، بما فيها حزب «عادل» الحاكم على قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني ورفع مذكرة في هذا الشأن الى رئيس الجمهورية».
وبخصوص قبول حزب التجمع دخول الوزير المطبع في قيادة المنتدى المعارضة لفت ولد منصور النظر إلى أنه على الجميع يجب أن يدرك أن «المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة مكون من أربعة أقطاب وعدد من الأحزاب والمنظمات وتتناوب هيئاته على المسؤوليات فيه ولكل قطب وكل حزب وكل جهة أن تحدد الأسماء التي تمثلها ولا يسوغ أن يحدد طرف لطرف من يمثله ولا جهة تقبل بذلك وليس من الوارد أن تطلبه جهة، وكل يتحمل مسؤوليته و العمل المشترك يقوم بناء على ما يشترك فيه أصحابه وهو هنا المنتدى الوطني بهدفيه الكبيرين حول الديمقراطية و الوحدة».
وعلق المفكر الإسلامي المحسوب على الإخوان الدكتور محمد المختار الشنقيطي على استقالة محمد غلام بسبب التطبيع قائلاً «لا يليق بمن ركب ثبج البحر في أسطول الحرية أن ينزل إلى قاع التطبيع مجالساً لـ»الديش» (لقب الوزير المطبع).
وأكد المدون والقيادي المعارض محمد الأمين الفاظل في تعليق له على الحادثة «أنه على المنتدى أن يصحح هذا الخطأ الذي وقع فيه في أسرع وقت ممكن، ولن يتم ذلك إلا باستبدال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بشخصية مستقلة أخرى، أما إذا كان معالي الوزير مصراً على البقاء رئيساً للجنة العلاقات الخارجية، أو إذا كان القطب السياسي الذي اقترحه على الشخصيات المستقلة مصراً على بقائه، فإن على الوزير في هذه الحالة أن ينظم مؤتمرا صحافيا يعتذر فيه للشعب الموريتاني عن مشاركته في التطبيع».
وأوضح «أنه إذا كانت هذه التشكيلة الجديدة قد ضمت رمزاً من رموز التطبيع إلا أنها في الوقت نفسه قد ضمت عدة أسماء من رموز رافضي التطبيع، ويمكن أن أتحدث هنا عن رئيس التشكيلة جميل منصور، وعن رئيس اللجنة السياسية محمد ولد مولود، وعن رئيس لجنة الإعلام السيد صالح ولد حننا؛ فظهور مثل هذه الأسماء وغيرها يؤكد بأننا أمام تشكيلة تضم أسماءً لا يمكن المزايدة عليها، لا في النضال بصفة عامة، ولا في مقاومة التطبيع بصفة خاصة».
«هذا الجدل الذي أثاره تعيين أحد وزراء خارجية ولد الطايع على رأس لجنة الخارجية للمنتدى، يضيف المدون، يطرح مسألة في غاية الأهمية تتعلق بظاهرة انخراط بعض كبار الموظفين في الأنظمة السابقة في صفوف المعارضة، وهنا علينا أن نميز بين نوعين من كبار الموظفين، فهناك وزير أو موظف كبير لم يرتبط اسمه بالفساد أو بالتطبيع أو بغير ذلك من الملفات المرفوضة شعبياً، وهذه الطائفة من كبار الموظفين يجب أن يرحب بها في أي وقت، الأمر الثاني وزير أو موظف كبير ارتبط اسمه بملفات مرفوضة شعبيا كالفساد أو التطبيع، هذا النوع من الموظفين يمكن أن يقبل في صفوف المعارضة، ولكن ليس من المقبول أبداً أن يدفع به إلى الواجهة الأمامية لأكبر تجمع معارض».
يذكر أن العلاقات بين موريتانيا وإسرائيل التي أثارتها هذه الحادثة والتي قطعها الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز عام 2009، بدأت في سنة 1996، وأعلن في واشنطن يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر 1999، عن رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى مستوى السفراء، وأشرفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت على التوقيع على الإعلان بين وزيري خارجية الدولتين أحمد ولد سيد أحمد الذي سبب الأزمة الحالية للمعارضة، وديفد ليفي.
وفي إطار هذه العلاقات زار وزير الخارجية الإسرائيلي السابق سيلفان شالوم موريتانيا في 3 أيار/مايو 2005 ، وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على الطلبة في العاصمة نواكشوط خلال مظاهرة احتجاج على تلك الزيارة.
واجتمع وزير الخارجية الموريتاني السابق أحمد ولد سيدي أحمد مع نظيره الإسرائيلي شالوم بعد أسابيع قليلة من الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس ولد الطايع وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول/سبتمبر 2005. ويعتبر الشعب الموريتاني من أكثر الشعوب العربية حساسية إزاء إقامة أي نوع من العلاقة مع إسرائيل.
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»