تمر موريتانيا هذه الأيام بحالة انسداد غير مسبوقة فقد أغلق الرئيس محمد ولد عبد العزيز الباب أمام أي حوار مع المعارضة قد يفضي لحل الإشكالات السياسية القائمة، وقرر مواصلة أجندته القائمة على تنظيم استفتاء شعبي حول الدستور، مع أن أنصاره في مجلس الشيوخ الذين تمردوا عليه، يرفضون هذا الاستفتاء الذي سينظم اعتماداً على تفعيل «متعسف» منه، حسب مختصين كثيرين، للمادة (38) من الدستور.
ويزداد هذا الانسداد حدة في غياب أي وسيط في الداخل يمكن أن يقنع الرئيس بالتراجع والعودة للحوار الجامع حيث أن الوسيط الداخلي هو في العادة مؤسسة الجيش التي يصطف كبار ضباطها خلف الرئيس في هذا المسار؛ كما يزداد هذا الانسداد خطورة في غياب الوسطاء الخارجيين المعتادين في مثل هذه الحالات، كالأمم المتحدة وكفرنسا القوة الاستعمارية السابقة وكالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الذين حذرهم الرئيس في مؤتمره الصحافي الأخير من أي اقتراب من المشهد السياسي الوطني.
وقد بدأت كبريات الصحف المحلية تتوقع في افتتاحياتها وتحليلاتها انفجاراً للوضع، حيث أكدت صحيفة «السفير» الآنية، «أن الإجماع يكاد ينعقد اليوم على أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز فقد الكثير من بريقه وانسحب شيئاً فشيئاً من المشهدين الوطني والإقليمي لدرجة أن موريتانيين كثراً لم يعودوا يتعرفون على الرئيس الذي انتخبوه في دورتين والذي أثار لدى الكثيرين من بينهم آمالاً واسعة بإمكانية قيادة فعل تغييري من شأنه الرفع من مستوى إدارة الشأن العام».
«في بداية مأموريته الأولى، ونتيجة لما كشف عنه من حيوية وجسارة، لقبته إحدى الصحف الإقليمية الواسعة الانتشار بـ «نابليون الساحل»، واليوم تنقلب الصورة تماماً ليس على المستوى الإقليمي فقط وإنما على المستوى الداخلي ليبدو الرئيس أمام الرأي العام وكأنه لم يعد له من الأمر شيء، بل الأسوأ من ذلك أن الصورة التي يتلقاها الرأي العام تظهر الرئيس كما لو كان قد قرر بكامل إرادته التفرج على تدمير صورته السابقة وتحطيم كل المكتسبات التي تحققت في عهده».
وأضافت «خارجياً يبدو الرئيس محاصراً بخصوم مصممين على هدم كل ما بناه من علاقات ومن تصورات ورؤى، لدرجة أنه برحيل يحيى جامي مرغماً من السلطة يكون ولد عبد العزيز قد فقد آخر حلفائه في شبه المنطقة، وداخلياً يشتد الحصار شيئاً فشيئاً على الرئيس من طرف ما يعرف بـ «فريق الحكم» لدرجة أن الحضور القوي و«ردات الفعل» التي ميزت مأمورية الرئيس الأولى قد تلاشت بقدرة قادر، بعد أن أصبحت مختلف الملفات تدار من طرف «الفريق الحاكم» واقتصر دور الرئيس على توقيع المراسيم أو الإعلان عن قرارات أعدت له سلفاً».
وتحدثت الصحيفة عما سمته «أوزار فريق الحكم»، حيث أضافت «تصوروا أن أول قرار يتخذه الرئيس بعد «ثورة الشيوخ» هو القيام بخرجة إعلامية! وما أدراكم ما هو المغزى السياسي للخرجة الإعلامية؟
فبدل أن تتحمل جهة أخرى المسؤولية عن فشل تسيير العلاقة مع الأغلبية، ظهر الرئيس ليتحمل هذه المسؤولية بنفسه والأسوأ من ذلك ليدخل بصفة شخصية في مواجهة مع الشيوخ من خلال اتهامهم بهذه الصفة أو تلك، وهو ما يعني بلغة السياسة أن الرئيس الذي كان ينظر إليه داخل الأغلبية على أنه حكم بين الأجنحة المتصارعة قد تحول إلى طرف، بل قد انحاز إلى «الطرف» المسؤول في أعين الكثيرين عن وصول الأوضاع إلى ما آلت إليه!».
وزادت الصحيفة «كما أن هذا يعني أيضاً، باللغة نفسها، أن باب الحوار قد سد ليس في وجه المعارضة فقط وإنما في وجه جميع قوى الأغلبية المستاءة بما في ذلك الشيوخ الذين سيكون عليهم بعد «الخرجة الإعلامية الاختيار بين أمرين: فإما أن يعودوا مستسلمين حتى لا نقول «صاغرين» إلى أحضان سلطتهم لتفعل بهم ما تشاء وإما أن يتحملوا تبعات تصنيفهم في خانة المتمردين والمغضوب عليهم».
«كما تعني الخرجة الإعلامية في أحد أبعادها، تضيف السفير، أن مؤسسة الرئاسة قد دخلت في صراع مع مؤسسة مجلس الشيوخ، أي أن الرئاسة كشفت بشكل علني عن أن المنطق الذي يقود تفكيرها بعد التصويت المناوئ للشيوخ هو معاقبة هذه المؤسسة الدستورية على «الجريمة الأخلاقية» التي ارتكبتها، وهذا المنطق «فوق القانوني»، بالإضافة إلى كونه يضع المؤسسات الدستورية في مواجهة بعضها البعض بدل المحافظة على استمرار التعاون فيما بينها، فإنه يؤسس لمرحلة ما يمكن أن يطلق عليه «الإرهاب المؤسساتي» الذي يتيح للرئاسة فرض وجهة نظرها على المؤسسات التي وجدت أصلاً للحد من سلطاتها».
وأكدت السفير «أن خطورة هذا «الإرهاب المؤسساتي» أنه لم يتوقف فقط عند حدود مجلس الشيوخ بل يتجاوز جدار القصر ليصل إلى المجلس الدستوري من خلال التلويح بأنه غير معني بالنظر في مدى دستورية «مرسوم الاستفتاء» الذي ما كاد يستمد شرعيته من المادة 38 من الدستور حتى تحول فجأة، على أيدي سدنة التأويل، إلى «عمل من أعمال السيادة» لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه!».
أما صحيفة «زهرة شنقيط» الاستقصائية الآنية فقد ذهبت مذهباً آخر، حيث وجهت مسبار تحليلها نحو توقع انقلاب قد يكون للرئيس الأسبق العقيد علي ولد محمد فال دور كبير فيه. فتحت عنوان «ولد محمد فال والعودة للقصر.. بين متاعب الانتخاب ومخاطر الانقلاب»، تساءلت «الزهرة» قائلة: هل أزفت لحظة الانقلاب؟».
ثم أكدت محللةً مخاطر الوضع المتأزم «أن تعقيد الأزمة السياسية في موريتانيا، وفشل القوى السياسية في التوصل إلى مخرج من الوضع الراهن، وانهيار الحوار الجزئي بين الأغلبية والمنتدى قبل فترة، وتفاقم الخلاف الموريتاني المغربي، وخروج الخلاف الدائر بين الرئيس والأوربيين إلى مرحلة التلاسن العلني، وانخراط قوى سياسية جديدة في الحراك المعارض للرئيس (الشيوخ)، وتفاقم الخلافات داخل الأغلبية الداعمة للرئيس محمد ولد عبد العزيز، كلها ملامح أزمة يرى فيها أغلب المعارضين لنظام الحكم أهم فرصة للإطاحة به، وإعادة إنتاج نظام سياسي بآليات جديدة وأوجه قديمة».
وتابعت «زهرة شنقيط» تحليلها مؤكدة «أن التحركات الأخيرة للعقيد اعل ولد محمد فال في عواصم غربية وعربية عدة ( باريس، مالطا، الرباط، دكار)، أظهرت أن حراك المناوئين لمحمد ولد عبد العزيز في تصاعد، وأن العقيد علي ولد محمد فال ربما يكون قاطرة التحول الديمقراطي من جديد في موريتانيا، أو ربما تنتهى به الأمور ومسارات الحدث إلى قيادة انقلاب آخر، ينهي الجدل الدائر منذ 2008 بين النخب السياسية في موريتانيا، ويعيد للرجل مكانته التي فقدها بفعل نفوذ بعض رفاقه داخل المجلس العسكري للديمقراطية والوحدة الحاكم سابقاً (الجنرال محمد ولد عبد العزيز، والجنرال محمد ولد الغزواني).
وأضافت «أن محاولة الانقلاب قد تكون مكلفة للرئيس علي ولد محمد فال في حالة فشلها، لكنها قد تكون عودة مثالية لرجل قدم نفسه للعالم يوم الثالث من آب/أغسطس 2005 كقائد لأول انقلاب عسكري يحظى بمباركة كل القوى الحركية والسياسية داخل البلد، منذ انخراط الجيش في مسار الانقلابات عام 1978».
وأعادت «زهرة شنقيط» للأذهان «أن العقيد ولد محمد فال المدعوم بقوة من دوائر عربية وغربية، مع تحالف عريض داخل الساحة السياسية في موريتانيا (المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة) قرر مؤخراً الانتقال من مهاجمة الرئيس محمد ولد عبد العزيز ونظامه إلى التلويح بوضع حد للنظام الممسك بزمام الأمور داخل البلد أو إنهاء التمرد القائم، حسب وصفه، ولو بالقوة».
نواكشوط ـ «القدس العربي»
العنوان الاصلي
الإعلام الموريتاني يهاجم الرئيس: «السفير» تتحدث عن تصعيد الحصار علىه و«زهرة شنقيط» تتوقع دورا للرئيس الأسبق ولد فال في انقلاب وشيك