تابع الموريتانيون سياسيين ومدونين باستغراب، مجريات زيارة ينهيها اليوم رئيسهم محمد ولد عبد العزيز لباريس التقى خلالها أمس بالرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند وحظي ببيان من قصر الإليزيه منوهاً بسياساته. وكان الإشكال الأول الذي طرحته هذه الزيارة هو الخلاف في طبيعتها، فقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي خلال زيارته الأخيرة لنواكشوط أنها زيارة رسمية وأنه سلم دعوة رسمية بخصوصها من الرئيس الفرنسي للرئيس ولد عبد العزيز، ثم نشرت وكالة الأنباء الموريتانية (حكومية) أن الرئيس يسافر إلى باريس للمشاركة في تدشين معرض مخزون الإسلام في أفريقيا من تمبكتو إلى زنجبار، المنظم من طرف معهد العالم العربي»، وأن الرئيس «سيجري خلال وجوده في باريس محادثات عمل مع الرئيس الفرنسي».
وأكدت صحيفة «تقدمي» الاستقصائية الموريتانية المستقلة، هي الأخرى، نقلاً عن مصادر في عائلة الرئيس «أن زيارة ولد عبد العزيز لفرنسا هدفها إجراء فحوص طبية لمتابعة الاستشفاء من الرصاصات الغامضة التي أصابته في وقت سابق»، ويدل على هذه المعلومة، وجود وزير الصحة الدكتور كان بوبكر ضمن الوفد المرافق للرئيس.
وكانت الطامة الكبرى في مسلسل هذه الزيارة، هي غياب المسؤولين الفرنسيين والبروتوكول الفرنسي، عن استقبال الرئيس الموريتاني في مطار بورجي حيث لم يستقبله سوى طاقم السفارة الموريتانية في باريس.
فقد انشغل مدونو الموالاة والمعارضة بنقاش هذا الغياب حيث اعتبره المعارضون احتقاراً فرنسياً للرئيس بينما أكد الموالون أنه أمر عادي حسب مجريات البروتوكول الفرنسي.
وهكذا لم تكن زيارة الرئيس الموريتاني لفرنسا التي تمت بدعوة رسمية سلمها إليه قبل أيام في نواكشوط وزير الخارجية الفرنسي في جانبها البروتوكولي على الأقل، دالة على تحسن العلاقات الموريتانية الفرنسية الذي تتالت فجأة قبل أسبوع، مؤشراته ممثلة في زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ماري آيرولت لنواكشوط قبل أيام، وتأكيده في تصريحات للصحافة «أن موريتانيا بلد صديق وشريك مهم لفرنسا ليس فقط على الصعيدين الدبلوماسي والأمني وإنما على الصعيد الاقتصادي أيضاً».
غير أن قصر الإليزيه عوض عن برودة الاستقبال الرسمي للرئيس الموريتاني ببيان نشره أمس هنأ فيه فرانسوا أولاند بالمناسبة، «موريتانيا على النتائج التي تحققت في مجال محاربة الإرهاب والجهود الوقائية المبذولة لمواجهة الراديكالية».
كما حيا البيان «التدخل الحاسم للرئيس الموريتاني لإيجاد حل سياسي للأزمة الأخيرة في غامبيا»، مشيراً إلى «أن الرئيس الفرنسي أكد على استعداد فرنسا دعم المشاريع الاقليمية التي تنفذها مجموعة دول الساحل الخمس في مجال التنمية والأمن». وذكر «باستعداد فرنسا، عبر عملية بارخان في مالي، لتقديم الدعم العملي الميداني لقوة مجموعة دول الساحل الخمس الموجودة طور الإعداد، إضافة إلى تلبية الاحتياجات المطلوبة في مجالي التكوين والتجهيز». وأشار بيان الإليزيه «إلى أن الرئيس الفرنسي عبر عن رغبته في أن يزيد الاتحاد الأوروبي من دعمه ومساندته لمجموعة دول الساحل الخمس». وعبر أولاند في بيان الرئاسة الفرنسية عن «سعادته بالدعم الثنائي الذي تقدمه فرنسا لموريتانيا والالتزام الأوروبي في هذا البلد، وهو ما يسمح بزيادة جوهرية للمشاريع المقررة لصالح التكوين والتشغيل للموريتانيين، كما حيا «اكتمال الأعمال المتوقعة خلال السنة الجارية 2017، للمحطة الحرارية الهجينة للطاقة الشمسية المقامة في مدينة كيفه (وسط موريتانيا)، بدعم مالي من فرنسا وهو ما يجسد مثالاً حياً لتنفيذ اتفاق باريس حول المناخ وتنمية الطاقات المتجددة في القارة الإفريقية»، حسب البيان.
وأثارت زيارة الرئيس الموريتاني جدلاً كبيراً على صفحات التواصل حيث انتقد المدونون غياب الاستقبال الرسمي للرئيس في مطار بورجي رغم أن الرئيس وجهت له دعوة رسمية من نظيره الفرنسي. وأكد مدونو الجانب الحكومي في ردودهم على تدوينات المعارضين، أن «زيارة الرئيس الموريتاني لفرنسا، تعتبر تألقاً دبلوماسياً، وأن حكمة فخامة رئيس الجمهورية وحنكته الدبلوماسية مكنت البلاد من لعب دورها المحوري في العالمين العربي والإفريقي، كما باتت المقاربة الموريتانية لمحاربة الإرهاب مرجعية دولية في التعامل مع الجماعات المسلحة وأصحاب فكر التطرف العنيف». وكانت تدوينة السفير والإعلامي البارز باباه سيدي عبد الله عن الزيارة والتي كتبها تحت عنوان «من يهين من؟»، أبرز ما تداوله وتشاركه المبحرون أمس، حيث كتب «ما الذي يمنع وزير خارجية فرنسا من تصنيف الزيارة التي دعا رئيسُه رئيسَنا إلى القيام بها إلى باريس؟ علما بأنها تتزامن مع زيارات أخرى أفصح الإليزيه عن تصنيفاتها (زيارة الرئيس الغيني يوم أمس كانت زيارة دولة مع عشاء تكريمي وبيان مشترك، وقبلها زيارة عمل وغداء مع الرئيس النيجري، وزيارة عمل وعشاء عمل مع الرئيس السنغالي، وزيارة عمل وغداء مع الرئيس الإيفواري).
وأضاف «حتى توقيت «لقاء» رئيسنا مع الرئيس الفرنسي غير مناسب (الرابعة والنصف عصرا، وهذا، من باب اللباقة الدبلوماسية، ليس تعبيراً عن الاهتمام بالضيف، لأن محدثه يكون غالباً منهكاً ومشتت التركيز بعد تسع ساعات من العمل)». وقال «إن زيارة رئيسنا إلى فرنسا ليست زيارة دولة (أعلى مراتب الزيارات بين قادة الدول)، وليست زيارة عمل (لأنه لا برنامج محدداً لها ولا اتفاقيات للتوقيع، ولا استقبال في المطار حتى من طرف عمدة باريس أو مدير معهد العالم العربي)».
ثم تساءل السفير «هل هذه الرحلة الرئاسية مجرد زيارة خاصة تمت فيها إهانة «بطل قومي عربي وزعيم إفريقي وفاتح إسلامي مرغ أنف فرنسا في الوحل»؟ أم أن البطل تم استدعاؤه فجاء هرولة، وبخل عليه المستدعون حتى بعشرة أمتار من السجاد الأحمر، وسيمنحونه صورة في آخر دقائق الدوام الرسمي في الإليزيه؟». ثم أجاب «إذا كان الرئيس الموريتاني يحتقر فرنسا، كما يقول أنصاره، فإنه منحها فرصة الانتقام منه».
عبد الله مولود
نواكشوط – «القدس العربي»