كلف منتدى المعارضة الموريتانية في التشكيل الأخير لهيئته التنفيذية لجنة فنية برئاسة الوزير الأول الأسبق يحيى ولد أحمد الوقف، بمهمة دراسة واقتراح مرشح موحد للمعارضة في انتخابات 2019 التي لن يترشح لها الرئيس الحالي لانتهاء ولايتيه، كما لن يتمكن زعماء المعارضة التقليديون مثل أحمد ولد داداه ومسعود ولد بلخير من الترشح فيها لتجاوزهما الخامسة والسبعين السن القصوى للترشح.
ومع أن غياب الرئيس الأسبق علي ولد محمد فال سيجعل مهمة هذه اللجنة بالغة الصعوبة، فإن المعارضة الموريتانية مصممة على التوحد خلف مرشح واحد يدفعها لذلك فشل تجارب تشتت المترشحين في العقود الثلاثة الماضية ويشجعها عليه ما حققته المعارضات في جمهوريتي غامبيا وغانا اللتين نجح مرشح المعارضة الموحد فيهما بسهولة كبيرة.
ويتمتع الوزير الأول الأسبق يحي ولد الوقف بمؤهلات تجعله، حسب المراقبين، قادرا على تحديد معايير اختيار المرشح الموحد واقتراح برنامج عمل حكومي مشترك.
لكن المشكل الكبير هو تعدد الأطراف المشكلة لمنتدى المعارضة الذي يضم هيئات وشخصيات من آفاق مختلفة بينها الأحزاب السياسية التي لن ترتاح لمرشح خارج رؤسائها، ومن بينها النقابات ومنظمات المجتمع المدني كما أن من بينها الشخصيات المرجعية التي يرى كل واحد منها في نفسه ألا مرشح للمعارضة أفضل منه.
فهل سيتخلى رؤساء الأحزاب وكبار الشخصيات المرجعية عن طابع الأنانية في هذا الموقف ليتحقق الإجماع خلف مرشح موحد؟
ليس هناك خيار أمام المعارضة في فرض التجمع في انتخابات 20199، لأن الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز أكد بوضوح في آخر مؤتمراته الصحافية «أنه سيدعم مرشحا محددا فيها يخلفه على كرسي الرئاسة»، وهذا يعني أن النظام الحالي وجميع داعميه من شخصيات سياسية ومن زعماء للقبائل بل ومن كبار الضباط حسب تأكيدات سابقة للمعارضة، سيتجمعون خلف مرشح واحد يحفظ لكل جهة في هذا الكشكول الكبير، مصالحها التي تتمتع بها في النظام الحالي.
ويرى المحلل السياسي اسماعيل يعقوب الشيخ سيديا «أن الوضع السياسي في انتخابات 2019 مقلق لأن الشخصيات المعارضة التقليدية لم تعد السن القانونية تسمح بترشحها، كما أن تجربة المرشح شبه الأوحد للمعارضة آتت أكلها مؤخراً في غامبيا وغانا».
وقال «إن مرشح الغالبية سيكون ضعيفا أو مغمورا سياسيا في أسوأ الأحوال، وبذلك تكون المعارضة والغالبية في موريتانيا غداة رئاسيات 2019، تعانيان من أزمة رؤوس».
أما صحيفة «لوكلام» أعرق الصحف الموريتانية فتؤكد في تحليل لها عن الموضوع «أن قرار التوجه نحو التوحد خلف مرشح واحد يؤكد أن منتدى المعارضة أصبح مقتنعا بضرورة تغيير استراتيجية تعامله مع الانتخابات باقتراح شخص بديل عن مرشح السلطة على الشعب الموريتاني، لكنه في هذا التوجه يعرض نفسه لخطر الانقسام والتفكك».
وأضافت الصحيفة «يجب على أطراف المعارضة أن يناقشوا بصورة مدققة خلافاتهم وطموحاتهم ليتفقوا حول مرشح واحد وحول برنامج عمل حكومي موحد».
وتساءلت عن «إمكانية تحقيق ذلك بينما يضم المنتدى إسلاميي حزب «تواصل» الذين يدعون لنظام المرجعية الإسلامية إلى جانب الليبراليين الذين لهم رؤى أخرى».
وأضافت «إن عملية المرشح الموحد، تتطلب أولا تحديد المعايير التي يجب توفرها في المرشح، ثم اقتراح أسماء لشخصيات توفر فيها المعايير، ليتم بعد ذلك الاتفاق على هذا الشخص أو ذاك».
ولا يغيب عن المراقبين ما قام به حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (إخوان موريتانيا)، في الانتخابات النيابية لعام 2013، حيث أنه خرج عن إجماع المعارضة التي قررت مقاطعة الانتخابات ذلك التاريخ.
ومن الأمور التي تعيق اتفاق المعارضة الموريتانية حول مرشح واحد حساسية الشخصيات المرجعية المستقلة من الشخصيات الحزبية، حيث يتهم كبار المستقلين القيادات الحزبية بالتغطية عليهم وبجعلهم عناصر مكملة لتشكيلة وديكور المنتدى المعارض دون أن يكون لهم أفق في أن يحظوا بشيء.
ويرى مراقبون عديدون أن الحل يكمن في اختيار مرشح كامل الأهلية والحياد من خارج الأطراف المشكلة للمنتدى.
وشكل رحيل الرئيس الأسبق العقيد علي ولد محمد فال المفاجئ يوم الجمعة الماضي عائقا أمام المعارضة في اختيار شخصية مقنعة من خارجها.
فهل سيكون رحيل ولد محمد فال رافعا لحظ رجل الأعمال المعارض محمد ولد بوعماتو الذي يسعى للوصول للرئاسة، بحيث تتجه المعارضة نحو اختياره على أساس معاداته لنظام ولد عبد العزيز وتوفره على المال وعلى أساس ما يتمتع به من علاقات دولية قوية؟
وخلاصة القول أن موريتانيا التي تتقاذفها الانقلابات العسكرية منذ 1978، بحاجة للاستقرار السياسي وللتناوب السلمي على السلطة، فهي لا تتحمل الفوضى، كما أنها لا تتحمل انقلابا عسكريا جديدا يقود صاحبه، كما تكرر أكثر من مرة، فترة انتقالية قبل أن يغير زيه ويرشح نفسه ليحتفظ بالسلطة سنوات وسنوات.
نواكشوط ـ «القدس العربي» من عبد الله مولود: