مع أن رحيل الرئيس الموريتاني الأسبق علي ولد محمد فال المفاجئ لا يزال يربك المشهد السياسي الموريتاني، فقد قرر شيوخ الموالاة المتمردون، أمس تصعيد المعركة السياسية التي يخوضونها من أجل البقاء، بتنفيذ ضغوطات إضافية على الرئيس لحمله على التراجع عن الاستفتاء المقرر منتصف يوليو / تموز القادم لتمرير التعديلات الدستورية المثيرة.
ويأتي هذا التصعيد فيما توقع عضو بارز في مجلس الشيوخ تراجع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز عن تنظيم الاستفتاء وعن مراجعة الدستور، وهو أمر يستبعده مقربون من الرئيس.
وأكد مصدر مقرب من لجنة المتابعة التي تضم الشيوخ الغاضبين «أن الشيوخ قرروا مساءلة مؤسستي التلفزة والإذاعة العموميتين اللتين يسيرهما صهر رئيس الحزب الحاكم وزوجته، عما ينتاب تسيير المؤسستين من فساد وانحراف عن مسار الخدمة العمومية».
وذكرت مصادر صحافية «أن هدف المساءلة هو محاسبة المدراء على الحملة التي خاضتها المؤسستان وبخاصة مؤسسة الإذاعة ضد موقف الشيوخ من التعديلات الدستورية».
وأوضحت صحيفة «تقدمي» الموريتانية المستقلة «أن الملفات التي سيتم نبشها تتعلق بالتسيير، وستشمل مزاعم فساد في إدارة المؤسستين، كما ستتناول الخلل في الأطر القانونية والإدارية للمؤسستين التي تخالف نظام الشغل، وبعض التظلمات التي أثارها عمال محرومون من حقوقهم القانونية».
ومن بين هذه التظلمات وضعية الصحافيين الشباب الناجحين في المسابقة التي نظمتها قناة «الموريتانية» والذين طرد معظمهم وأبقي على عدد منهم من دون ترسيمهم. وفيما يجري التحضير لهذه المساءلة المحرجة، أعلنت الفنانة الموريتانية وعضو مجلس الشيوخ المعلومة بنت الميداح، «أنها متفائلة بأن يتراجع الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن الاستفتاء حول التعديلات الدستورية»، مؤكدة في تصريحات لوكالة «مورينيوز» الإخبارية المستقلة «أن الشيوخ متضامنون في ما بينهم وماضون في رفض الاستفتاء وسيمارسون المتاح من الضغوط في هذا السبيل». وأكدت الشيخة الفنانة «أن الشيوخ سيطلبون بشكل جماعي من الرئيس أن يتراجع عن الاستفتاء»، مشيرة إلى أن ذلك «سيرفع من شعبية الرئيس ويعزز الثقة فيه، وهو تراجع طبيعي من الرئيس لبرلمانيين من غالبيته».
وقالت: «نحن من الغالبية ولسنا معارضين»، مضيفة: «مشكل الآخرين أنهم تعودوا على استسلام البرلمانيين للقرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية، وهذا سبب الاستغراب.. ونحن رغم كل شيء مجموعة برلمانية من الغالبية». ورفضت المعلومة «الاستباق» في تصريحاتها قائلة: «في حال تحقق لنا ما نريد فسيكون الأمر أننا نحن والرئيس التقينا حول مصالح البلد، وإذا لم يحدث ذلك فلن أستبق الأحداث، وسأكتفي بالقول إنه لكل مقام مقال، وهذا ما بين أيدينا الآن».
واعتبرت بنت الميداح «أن الاستفتاء المقرر هدر للمال والطاقة وفيه إجحاف بالشعب إضافة إلى ما قد يحدث من خلل وضرر في حال تنظيمه».
ورفضت توقع ما قد يحدث قائلة: «قبل أن أتصور ما قد يحدث بعد الاستفتاء، أقول بأنني متفائلة وواثقة من حكمة الرئيس، ومن أنه سيتراجع عن هذه التعديلات».
وأعادت المعلومة جذور الأزمة بين النظام والشيوخ المتمردين إلى «وجود نوع من عدم الانسجام بين الحزب والغرفة»، مضيفة قولها: «هناك أكثر من سبب. نحن لم نشرك من حزبنا في مجريات الحوار، رغم أن نتيجته تلغي الغرفة، وتغير العلم، وتمس الدستور».
وقالت: «هناك نوع من عدم الانسجام بين الغرفة والحزب.. ولأن حزبنا لا يعتبرنا شركاء، لسنا ملزمين إلا بغرفتنا، والمهمة الموكلة إلينا، وهي تختلف عن مهمة السلطة التنفيذية، ولأنك لست شريكا ستعمل ما يمليه عليك الواجب فقط».
وأكدت المعلومة «أن أمسيتها السياسية الأخيرة التي دافعت فيها عن الشيوخ ورفضت التعديلات جهرا، ليست عصياناً على الحزب»، قائلة « أنا في تلك الأمسية تحدثت تحت قبعة فنانة حملت معاناة هذا البلد، ولها رصيدها النضالي، ومشاعرها نحو هذا البلد، وطموحها للمجتمع بأسره…هذا دوري كفنانة.. قد يعتبر الحزب ذلك خروجا عليه».
وأضافت «وجهت الدعوة إلى رئيس الحزب ومكتبه التنفيذي وكان أفضل وأجمل أن يحضروا.. كان ذلك سيكون مؤشر انفتاح.. فالنشاط من تنظيم برلمانية في الحزب.. كان عليهم الحضور.. وأنا ما كنت أعتبر الأمسية عصيانا على الحزب كنت أعتبرها على العكس خدمة له».
ورفضت المعلومة «أن تكون تلك الأمسية قد شكلت طلاقا بينها مع الحزب الحاكم»، وقالت» لم تصلني ردة فعل رسمية لا من الحزب ولا السلطة». هذا واهتمت المواقع المحلية بتحليل أسباب ومئالات التوتر المستمر بين النظام وشيوخ الموالاة الرافضين لتعديل الدستور.
وأكد موقع «زهرة شنقيط» الإخباري المستقل «أن التوتر بين الرئيس محمد ولد عبد العزيز وأعضاء المجلس المحسوبين عليه قد ازداد خلال الأشهر الأخيرة بشكل لافت، رغم حرص مجمل المتحدين من شيوخ الغالبية والمستقلين على التمسك بدعم الرئيس، مع تسفيه أحلامه وقراراته في مشهد غير مألوف في الحياة السياسية منذ عقود». وأضاف:»تعتبر خرجات الشيوخ المنتظمة تصعيداً مستمراً، فمن الرفض الخجول للتعديل الدستوري إلى اتهام الرئيس وبعض رموز الغالبية الداعمة له بالتخطيط لقتل الحياة السياسية وتعطيل الدور الرقابي للبرلمان، وتوسيع الفجوة بين أبناء الشعب الواحد، والدفع باتجاه تعديلات دستورية لا تخدم المصلحة العليا للبلد».
وأضاف الموقع «غير أن الأمور تطورت خلال الأيام الأخيرة، حيث انتقل الشيوخ من رفض قرارات الرئيس والدعوة للحوار، إلى التحرك من أجل وقف تلك القرارات واستهداف معاونيه، في محاولة لإرباك الرجل قبل التعديلات الدستورية، وتأزيم الموقف والدفع باتجاه «حوار إذعان» جديد داخل البلد، يقوي من مكانة الغرفة في الحياة السياسية وينهي صورة الرئيس في عيون معاونيه ومعارضيه».
وتابع: «مع بداية الدورة البرلمانية كشفت الغرفة عن تصعيدها المعلن ضد الرئيس ومعاونيه، حيث أعلن أحد أعضاء المجلس البارزين عزم الغرفة تقديم طعن في قرار الحكومة الداعي للاستفتاء فور التوصل به، وعرض الأمر على الجهة ذات الاختصاص من أجل وقفه والضغط باتجاه حوار جديد».
وأضاف: «لم تقطع الغرفة الصلة بالرئيس مباشرة، فقد تمسك أعضاؤها بتقديم رسالة نصح وتنبيه للرئيس من أجل حمله على الإذعان لمطالبهم، ووقف الإجراءات الحالية والدعوة لحوار جديد لا تكون قضية حل المجلس أبرز القضايا المطروحة فيه. لكن الملفت أن مسار الشيوخ لم يتوقف عند رفض القرار والطعن فيه ونصح الرئيس، بل إن الغرفة تحضر لجرجرة بعض معاونيه أمام مكاتب الغرفة، في مشهد يذكر بما آل إليه وضع زوجة الرئيس الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله إبان الانقلاب العسكري سنة 2008، حينما تم توظيف ملفي الفساد والزبونية في صراع العسكر والنخبة المدنية المناوئة له». وجزم الموقع الإخباري في تحليله «بأن استمرار المواجهة واقتراب التوتير من الفاعلين في القصر أو محيطه ينذر بمواجهة مبكرة، قد لا ينتظر الرئيس فيها إلى ما بعد إعلان نتائج الاستفتاء الدستوري المرفوض من قبل معارضيه وبعض الداعمين له، وربما ترفض الأجهزة التنفيذية في هذه الفترة التعاون مع الغرفة أو تأجيل أي ملف إلى نهاية الدورة من أجل تقليل الخسائر في انتظار الإجهاز على أكبر تجمع معارض للرئيس داخل البرلمان الموريتاني».
يذكر أن علاقات الغرفة العليا بالبرلمان الموريتاني ساءت بالرئيس محمد ولد عبد العزيز والحزب الحاكم بعد رفض الغرفة تعديلات دستورية تقدم بها الرئيس وعبأ لها.
وجاء قرار رفض التعديلات مفاجئا للرأي العام وللسلطة بالنظر إلى أن الحزب الحاكم يتمتع بغالبية في مجلس الشيوخ.
وجاءت ردة فعل الرئيس الموريتاني غاضبة وصارمة حيث أعلن في مؤتمر صحافي «أنه لن يترك 33 شيخاً يختطفون البلد». وذهب الرئيس إلى حد التشكيك في شرعية المجلس حيث قارن عدد أصوات الرافضين بعدد المصوتين لصالح التعديلات في الجمعية الوطنية التي اعتبرها شرعية في حين قال إن مجلس الشيوخ منتهي الصلاحية. وأمر الرئيس بالتحضير لاستفتاء شعبي يريد من خلاله تمرير التعديلات، ولا يتفق فقهاء القانون الدستوري على مشروعية هذا الاستفتاء. وتسمح التعديلات المقترحة بتغيير ألوان علم البلاد، وإلغاء محكمة العدل السامية، وإلغاء مجلس الشيوخ، وإنشاء مجالس إقليمية لم تتحدد طبيعتها بعد، لكن يبدي البعض قلقا من أنها قد تشجع صراع القبائل والجماعات، فيما يقول أنصار السلطة إنها ستكون أداة تنمية.
وواجه مشروع التعديلات الرفض في أوساط المعارضة، ولا ينال أيضا رضا قطاع واسع من النخبة المثقفة، لكن يعتقد متابعون أنه في مقدور السلطة تمرير التعديلات بغالبية أصوات المقترعين في حال عرضها في استفتاء وهو أمر متوقع نظراً لتحكم السلطة في آليات تنظيم الاستفتاء ولاحتمال أن تقاطعه المعارضة.
القدس العربي