أكدت هيئات سياسية وحقوقية موريتانية أمس أن التصريحات التي أدلى بها الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة حول حقوق السجناء السلفيين المحكوم عليهم بالإعدام تصريحات «همجية وصادمة».
وكان الوزير قد أكد في تصريحات الإثنين الماضي ردًا على بيان طالب فيه السجناء بتحسين ظروف حبسهم «أن هؤلاء السجناء محكوم عليهم بالإعدام، والحياة هي أبسط الحقوق التي يجب أن ينالها الشخص، وما دامت العدالة قد سلبتهم حق الحياة فمطالبتهم بحقوق أخرى غير واردة».
وندد السجناء المذكورون بتصريحات الوزير مؤكدين في بيان وزعوه أمس «أن التصريحات المرتجلة قلما يوفق فيها من لا يتقيد بضوابط تحدد علاقته بغيره، وقد بدا ذلك جلياً في تصريح الناطق الرسمي الذي جعل حكم القضاء بالإعدام موتا بأي طريقة كانت، مع أن القضاء الذي أصدر الحكم حدد كيفية الإعدام بل نسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة».
وطرح السجناء في بيانهم جملة من التساؤلات على الوزير بينها « هل الإعدام الذي حكم به القضاء هو القتل جوعاً؟، وهل الإعدام الذي حكمت به المحكمة يمنع ذوي المحكوم عليهم من حق زيارته وصلة رحمه قبل أن ينفذ فيه الحكم؟، وهل الحكم بالإعدام يمنع أبناء وزوجات المعدوم من حقهم في استصدار أوراق مدنية كفلها لهم القانون وأعطاهم حقهم في المواطنة؟، وهل الحكم بالإعدام يعني عدم علاج المحكوم عليه قبل إصدار الحكم وتعذيبه بالأمراض المزمنة؟، وهل الحكم بالإعدام هو إهانة ذوي المحكوم عليه بإجراءات تعسفية طابعها الإذلال والاحتقار؟».
هذا وندد حزب اتحاد قوى التقدم المعارض بتصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية حول السجناء السلفيين المحكوم عليهم بالإعدام؛ واعتبر الحزب في بيان أصدره حول هذه القضية أن «تصريحات الوزير تعني عملياً أن الحكومة قررت إعدام هؤلاء وفق المنطق الفاشستي، المنافي لكل الشرائع والقيم والأخلاق». وأضاف الحزب «لقد تجاهلت هذه التصريحات الصادمة، التي تعتبر مطعناً في أهلية صاحبها، أن المحكوم بالإعدام يظل يتمتع بكافة حقوق السجين كالأكل والشرب والعلاج والزيارة وغير ذلك، حتى ينفذ فيه حكم الإعدام وفق الإجراءات والمساطر القانونية المعروفة».
وأكد الحزب «أنه يستهجن تصريحات الوزير الهمجية وغير المسؤولة، كما يدين بشدة إدارة الحكومة لملف السجناء السلفيين وحرمانهم من حقوقهم المشروعة وتعمد إهانة ذويهم»، مطالباً «باحترام القانون وعدم الانتقائية في تطبيق أحكامه، وبتمكين السجناء كافة من حقوقهم بمن فيهم السلفيون رغم استنكار الحزب للجرائم التي ارتكبوها أو كانوا ينوون ارتكابها بحق الشعب والجيش الموريتانيين أو غيرهما من الأبرياء».
واستنكر حزب اتحاد قوى التقدم «صمت المنظمات الحقوقية إزاء تصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة»، وطالبها «بتحمل مسؤولياتها في الدفاع عن حقوق الإنسان»، محملاً «النظام كامل المسؤولية عن حياة هؤلاء السجناء، إن تم إعدامهم بهذه الطريقة الوحشية المخالفة للقانون».
وفي بيان آخر، ندد المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان بتصريحات وزير الثقافة الناطق باسم الحكومة التي ذكر فيها أن «السجناء المحكوم عليهم بالإعدام لا حقوق لهم»، معتبرا هذه التصريحات «مخالفة صريحة للقوانين الموريتانية والدولية المتعلقة بحق السجين»، ومذكراً «السلطات بأن تطبيق عقوبة الإعدام عن طريق تجويع السجناء ومنعهم من الدواء جريمة إنسانية».
وأكد «أنه يتابع تطورات قضية السجناء السلفيين، وما يعانونه من ظروف صعبة، بينها تعقيد إجراءات زيارة الأمهات والزوجات والأبناء، والمنع من تلقي العلاجات الضرورية، على الرغم من إصابة بعضهم بأمراض مزمنة تستدعي رعاية صحية مستمرة، ناهيك عن الوضعية المزرية للسكن والإعاشة داخل السجن، هذا بالإضافة إلى منع هؤلاء النزلاء من التسجيل للإحصاء المدني، الأمر الذي أدى حتى الآن لحرمان أبنائهم من الحقوق القانونية، المتعلقة بالملكية والدراسة والتنقّل».
وأوضح الرصد «أن الوضع ازداد سوءاً بدخول عدد من هؤلاء السجناء في إضراب عن الطعام، أطلقوا خلاله نداءات استغاثة لتدارك وضعهم السيئ وهو ما أدى حتى الآن إلى مضاعفات صحية عديدة، نقل بعضهم إثرها إلى المستشفى في حالات حرجة، كما تزداد وضعية المضربين الآخرين سوءاً بشكل يومي».
«وقد مثل رد الحكومة الموريتانية على هذا الواقع البائس، يضيف المرصد، خروجاً على كل الأخلاق والأعراف والقوانين، حين أكدت على لسان الناطق باسمها بأن «السجناء المحكوم عليهم بالإعدام لا حقوق لهم، وهو التصريح الذي يمكن اعتباره نهجاً وسياسة رسمية، إذا تذكرنا أنه توفي خلال العام الماضي خمسة من محكومي الإعدام في سجن بير أم اغرين وحده، السجن الذي أطلق نزلاؤه سابقاً نداءات عديدة لإنقاذ حياتهم، دون جدوى».
ورداً على هذه الاتهامات، أعلنت الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب (حكومية)، «أن موريتانيا تعتبر رائدة بخصوص ضمان حقوق السجناء عموماً، بما فيها السجناء الخاضعون لمحكوميات مؤبدة أو لأحكام بالإعدام لم تنفذ»، مؤكدة «أن موريتانيا كانت من أوائل الدول التي صادقت على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من أنواع العقوبات الأخرى والمعاملات القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة».
وأوضحت في بيان وزعته أمس أنها «تتابع منذ أيام وباهتمام بالغ، وضعية عدد من السجناء المضربين عن الطعام في أحد قواطع السجن المركزي بالعاصمة نواكشوط، وقد نظمت لهم زيارة ميدانية للتعرف عن قرب على وضعيتهم والوقوف على طبيعة مطالبهم»، مشيرة إلى أنها «في اتصال دائم مع الجهات المختصة في هذا الموضوع».
وأكدت الآلية «أن حقوق جميع السجناء وعلى كافة التراب الوطني مصانة بمقتضى التشريعات الوطنية والدولية، ولعل هذا ما تبرزه الصورة الجيدة التي تحظى بها موريتانيا على المستويين الدولي والإقليمي في هذا المجال الحيوي من مجالات حقوق الإنسان، والتي عبرت عنها بوضوح العديد من الهيئات الدولية العاملة في مجال حماية حقوق السجناء، وبخاصة لجنة الأمم المتحدة الفرعية للوقاية من التعذيب في تقريرها الأخير عن موريتانيا، والجمعية الدولية للوقاية من التعذيب بجنيف».
القدس العربي