وإذا بالثورات التي قامت على الظلم والطغيان وغياب العدالة الإجتماعية والفساد وتوريث الأبناء الحكم، تكتسحها وبقدرة عظيمة للدول العميقة ثوراتها المضادة، وتولى شؤون العرب سفهاء القوم وهم أبناء الحكام أو إمتداد لهم.
لا شيء يصور المنطقة التي كانت يوما صاحبة حضارة أغنت الإنسانية، بأكثر من مزرعة دواب يعلفهم الحاكم بأمره بل يجوعهم ليبقون يدينون له. هي نفسها المزرعة السعودية التي قامت على بحور الزيت لكنها توسعت متكاتفة مع المزرعة الإماراتية حديثة التأسيس والتي قاتلت الثورات تحت راية: صهينة الأقطار العربية ولكم في دبي أنموذجا.
محمد بن سلمان الذي خاض أول معاركه لتولي العرش فأحرق اليمن حجراً وبشراً ودفع نصف تريليون دولار جزية إلى ترامب قبل أن يفرض مزيداً من الضرائب على مواطنيه، وحاصر جارته قطر، هو النسخة التي يراها أبوه الملك للمؤسس عبدالعزيز الذي خاض عقدين من الحروب ليقيم مملكته، وحفيده اليوم يضع يده بيد عراب صفقة التصهين الكبرى ليؤسس المملكة السعودية المتصهينة الثانية.
لكن لحظة! أولم تكن الأولى أيضا متصهينة؟ هي كذلك منذ ملكهم الأول عبدالعزيز الذي أخمد ثورة عبدالعزيز القسام إلى عهد ابن سلمان الذي ستكون غزوته القادمة للقضاء على حماس، وكل المقاومة الفلسطينية.
عشرات السنين والشعوب العربية تدفع دمها وعرقها وقهرها وذلها من أجل عروش الملوك والرؤساء. ونصف تريليون دولار تمنح لسيدهم ترامب كي يطور البنية التحتية الأمريكية والمدن السعودية تغرق مع كل رشة أمطار بسبب مقاولات الفساد.
وليس مطلوب من الدواب سوى المبايعة. لا تختار الدواب ولا تسأل مثلا عن سمسرة تقاضاها عدد من الأمراء تبلغ قيمتها 3 مليارات دولار قبل أكثر من عشر سنوات كرشوة لشراء سلاح في صفقة “اليمامة” الشهيرة! ولا عن الحروب التي تشنها مزرعة أل سعود ضد جاراتها ولا عن التقرب والتطبيع مع دولة الإحتلال التي تغتصب ثالث الحرمين. الشعوب الدواب هي ملك حكامها أصلاُ وتفديها بأرواحها وعليها الطاعة والولاء كما علمهم رجال الدين الذين منحوا الشرعية لملكهم عبدالعزيز ومنذاك وهم يمنحون كل شر اصابت سهامه الأمة الشرعية حتى منحوها للشاب الطائش والأهوج.
أما عراب الصهاينة، الذي يستحق ان يقبل ابن سلمان قدميه، فهو محمد بن زايد. لولاه لما استطاع أن يقنع سيدة الأمر والنهي واشنطن بتوليه العرش، وقد كانت معجبة بابن نايف الذي خدمهم وعرفته جيداً بعكس الشاب المتهور. وهنا أصبح ابن سلمان دابة ابن زايد. حتى الملوك يصيرون دواب كشعوبهم! ولأن لكل شيء ثمن فقد دفع اليمنيون والليبيون والمصريون والسوريون والآن القطريون الثمن غالياً.
نحن الآن نعيش فصول معركة الإنتقام وتجريم كل من شارك بالثورات أو شجععها وايدها. اليوم يمتطي فارس العرب الجديد المغوار ابن زايد صهوة الصهيونية ليقطع رأس كل تلك الثورات والمطالب التي لا تليق بنا نحن الشعوب الدواب الجائعة والمقهورة والضائعة!
وحده زعيم الأمة الجديد ابن زايد ضرب بالقاضية على الثورة المصرية وصادر قرارها. عاقبها بمن هو اسوأ من حسني مبارك، السيسي الذي يتبع ثوب ابن زايد لئلا يتهاوى عرشه. اطلق الكلاب تنبح: -الثورة مؤامرة! -الإخوان الإرهابيون. -لكن الدولة ظالمة.. -والإخوان ظالمون ومتآمرون ومفسدون. -الإخوان -والإخوان -والإخوان، حتى نسي الدواب لماذا أصلا أشعلوا ثوراتهم واقتنعوا فعلا ان لا مطالب لهم سوى القضاء على الإخوان وان يبقوا أحياء.
ومثلما فعل ابن زايد في مصر فعل في المملكة أو المزرعة السعودية! الإنقلاب ذاته الذي يصب في جيب عراب صفقة القرن لصهينة العرب، صفقة تجرف كل من يقف في طريقها أفراد وحركات مقاومة وإسلاميون وحتى دول مثل قطر.
وإذا بالثورات التي ابهرت العالم يسميها البعض بالمؤامرات والبعض بالنقمات ويطلق علماء النفس على هذه الظاهرة بعقدة “ستوكهولم” وفيها يصير الضحية متعلقاً بجلاده ويدافع عنه وحتى يرفض تغييره.
وتجد لسان حالهم يسأل: أما كانت الأمور أفضل قبل الثورة؟ اقتنع الكثيرون ان مطالباتهم الإنسانية لا تليق بهم لأنهم لم يرتقوا بعد لمستوى الإنسان في الدول المتقدمة. إنهم دواب والدابة التي تثور تذبح فوراً من الوريد.
ومن قدرات الدول العميقة التي اضافها ابن زايد عبر مساعده ويده اليمنى محمد دحلان، إنها قادرة ان توقف سنة التغيير وهي من سنن الحياة أو على الأقل تغيير اتجاه التغيير حتى أنها تستطيع أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء.
مثلاً: عما قريب ستعود عائلة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح إلى حكم اليمن. ولا تسأل طيب وماذا بشأن الحوثيين ولا تصدق ابداً حروب آل سعود انها تتوجه لغير المسلمين وبالأخص طائفتها السنية.
وعما قريب سيعود سيف الإسلام القذافي مع خليفة حفتر لحكم ليبيا. فلا تسأل ولماذا قامت الثورة؟. عليك أن تردد ما تنبح به الكلاب: كل شرور الأمة من الإخوان والثورات مؤامرتهم الكبرى التي دعمتها الجزيرة وقطر الإرهابية.
وان لم تفعل ستقبض محاكم التفتيش أنفاسك وتسجنك 15 سنة.
وعما قريب سيتولى ربيب الصهيونية محمد دحلان ذراع ابن زايد أمور الفلسطينيين لكي يصفي آخر نقطة دم للمقاومة حتى تتجسد حلم الصفقة الكبرى: دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات وعروش لا يرتقي أصحابها إلى مستوى رؤساء البلديات مقابل حماية يوفرها الصهاينة لما نهبوه من أموال ومن مساءلة عن جرائم ومجازر ارتكبوها.
إياك من شعارات العدالة والحرية والديمقراطية. انظر ماذا فعلت في سوريا وليبيا والعراق ومصر.
والحقيقة لم يفعل غير محمد بن زايد وأخوته في حروبهم الشاملة ضد الثورات لكنها اللجان الإلكترونية والمذيعين السحرة والمسعورين ودعاة دين ابن زايد الجديد لم يتركوا بصخبهم وضجيجهم ملامح فكرة تختلف عن ان لا صوت يعلو على صوت معركة الإرهاب. والإرهابي كل من خالفهم. إخواني يساري يميني شيوعي ليبرالي.
أو عن فكرة تخالف اننا شعوب لا تنفع معنا الديمقراطية. ولا ان يحكمنا العدل ولا المساواة ولا يصلح أن لا تهان كرامتنا الإنسانية على يد عريف شرطة جاهل، ولا يعنينا الفساد. نحن دواب الملوك نؤيد خلعها ونبايعها على السمع والطاعة مقابل أن نبقى آمنين مع قليل او فتات من الطعام.