إلى أين تسير موريتانيا؟ ذاكم هو السؤال المطروح اليوم على كل لسان في الموالاة التي لم تتضح لها معالم أجندة الرئيس بعد الاستفتاء، ولدى المعارضة التي تمكن الرئيس من تهميشها واستغلال خلافاتها لتحقيق ما يريد.
وتتركز الأنظار شيئا فشيئا وسط هذه الحيرة العامة، على التحضير المبكر لانتخابات 2019 الرئاسية التي تشكل أول امتحان للتناوب على السلطة بعد اكتمال دورتي ولاية الرئيس الحالي.
وفي خضم هذا التماوج، يسعى الرئيس محمد ولد عبد العزيز وأنصاره للتحكم في انتخابات 2019، إما باستحداث صيغة لولاية رئاسية أخرى للرئيس أو بانتخاب خليفة مؤتمن له، بينما تختلط الأوراق على المعارضة ذات الرؤوس المختلفة والطموحات المشتتة.
وتعمل المعارضة حاليا بعد خروجها من معركة الاستفتاء، على تنشيط لجانها المكلفة بدراسة قضية المرشح الموحد للمعارضة لانتخابات 2019، وهو أمر أصبح بالغ الصعوبة بعد رحيل الرئيس الأسبق علي ولد محمد فال أبرز من كان مرشحا لذلك إن لم يكن الشخص الوحيد.
وقد بدأ أمس العقيد المتقاعد الشيخ سيدي أحمد ولد بابامين وهو وزير سابق في عدة حكومات وسفير في عواصم عدة وأحد أبرز وجوه المعارضة الموريتانية اليوم، خطواته الأولى لأخذ مكانة الرئيس ولد فال حيث قدم نفسه ضمنيا مرشحا موحدا محتملا للمعارضة في بيان نشره أمس ودق فيه ناقوس الخطر، وحذر فيه من مخاطر تتهدد موريتانيا إذا لم تتوحد المعارضة.
ودعا ولد بابامين وهو شخص له حظوظه الكبيرة في المرحلة المقبلة حسب تحليلات الكثيرين، أمس «المعارضة الموريتانية لتنقيح العريضة السياسية لملاءمتها مع الوضعية السياسية الحالية ولجعلها خريطة طريق لهذه المرحلة الحرجة».
وقال «بهذه الطريقة وحدها سيمكنكم رفع التحدي، وستكونون قد فهمتم الرسالة التي وجهها مواطنونا عبر مقاطعتهم الشجاعة والواسعة للاستفتاء الأخير».
وأضاف: «إن خريطة الطريق هذه يجب بالطبع أن تشفع بخطة تنفيذية، تتضمن حشد القوى الضرورية لانتصار شعبنا في نضاله ضد الاضطهاد ومن أجل الديمقراطية والعدالة والوحدة الوطنية والازدهار الشامل، وبعبارة أوضح، وحتى لا نبقى لعبة في يد النظام، وأمام الوضع الخطير الذي نجم عن الاختراق الأخير الذي حققه ولد عبد العزيز، بعدما استطاع أن يوطد طغيانه على خلافاتكم طوال التسع سنوات الماضية، عليكم، بدل انشغال كل واحد منكم في تحقيق أجندته الخاصة، أن تعملوا بصورة أساسية، إن لم أقل كلية، وأن تنخرطوا في العمل الجماعي الذي سيمكن من تحقيق التغيير الذي سيخلص البلاد.»
وقال: « إن هذا التوجه يتطلب كذلك، ليكون ذا مصداقية، قبول الجميع مسبقا بأن يتخلوا مؤقتا عن نقاط الخلاف جميعها في أجندات التشكيلات السياسية والحركات المختلفة التي تشكل منسقيتكم الحالية.»
«وعندما يتم تخليص البلاد من خطر القبضة التي تحكمها عليها السلطة الخارجة عن القانون، يقول العقيد بابامين، يمكن أن يعود كل واحد منكم لبرامجه ومطالبه واهتـماماته الخاصـة به، وبـكلمة واحدة، فإن البلـاد لا تحـتاج اليوم إلى معـارضة ديمقـراطية، لم يحتـرمها ولد عـبد العـزيز يـوما، بـل همشها واحتقرها، أكثر مما تحتاج إلى مقاومة وطنية حقيقية ضد الاضطهاد، تقف بشموخ في وجه طغيان السلطة وأجندتها الماكيافيلـية».
وزاد: «إذا لم يتحقق ذلك، فيجب إخلاء المكان لفسح المجال أمام خلف أقل تهيبا كي يحتل الساحة السياسية التي لا تحتمل الفراغ هي الأخرى، وبذلك ستتخلون على الأقل عن لعب الدور غير اللائق والمهين أحيانا، والمتمثل في إعطاء مبرر لنظام يجعل من مجرد وجود معارضيه ومنحهم حق استنشاق الهواء الملوث أحيانا بالغازات المدمعة، ورقة يرفعها في وجه شركائنا دليلا على الطبيعة الديمقراطية الكاملة لحكامته». وتابع ولد بابامين يقول: «برغم الصفعة الانتخابية الباقية التي وجهها مواطنونا للسلطة ولموالاتها وللمعارضة التي تسير في ركبها والتي ساندته خلال الاستفتاء الأخير، فإنني، بكل ما يتطلبه الموقف من جدية، ومع أحر التهاني على هذا النصر الباهر، أحرص على أن أذكركم، وأنتم لا شك أدرى، أن الخطر داهم، وأن أدعوكم إلى رص صفوفكم أكثر من أي وقت مضى، إذا كنتم تريدون حقا رفع هذا التحدي الذي يجعل بلدنا على شفا الانقسام».
«فعلا، يضيف العقيد بابامين، فإن الهزيمة النكراء التي تكبدها النظام على إثر حملة المقاطعة النشطة التي قمتم بها، لم تمنع محمد ولد عبد العزيز، بانحرافه التسلطي، بمساعدة إدارته الإقليمية، ولجنته الانتخابية المزيفة، ومجلسه الدستوري المأمور، من اصطناع النتائج التي يحتاجها للتوجه نحو المرحلة الجديدة من أجندته الشخصية».
وقال «لقد تجاوز حجم مقاطعة مواطنينا لهذه المهزلة الانتخابية التوقعات كلها، بحيث أنها لم تترك لحكامنا وولاتنا وغيرهم من الأعوان من خيار سوى اللجوء إلى ممارسات تعود بنا إلى العهود الغابرة، كحشو الصناديق، ليقدموا لسيدهم نسبة مشاركة بلغت 53 من مئة، وإن كانت هذه النسبة المزورة مدينة إلى حد كبير لتصويت الموتى، الذي لا شك أنه يجد شرعيته في ترتيبات المادة 38 من الدستور، ولم لا؟». وتابع العقيد بابامين «المهم هو أن «رئيسنا» قفز من جديد، وكعادته من دون أن يرف له جفن، على نتائج هذا الشطط في استخدام السلطة، ليحوله إلى قوانين سيتوجب علينا الخضوع لها من الآن فصاعدا، وفي الأسبوع الماضي، طالعنا اثنان من وزرائه ليقولا لنا، بلغة المنتصر، إن مجلس الشيوخ لم يعد موجودا وإن علمنا الوطني الشرعي – الذي أصبح خرقة بالية حسب قول أحدهم، سيزين بخطين أحمرين، يبدو أنهما مستوحيان من الخطين اللذين كانا يزينان، باللون نفسه، وعلى الخلفية الخضراء عينها، وسام المجندين الاستعماريين في شمال إفريقيا».
وأضاف: «مرة أخرى يضعنا محمد ولد عبد العزيز بالقوة أمام الأمر الواقع، عن طريق اختراق دستورنا، والدوس على رموزنا، وامتهان مؤسساتنا، وعليه، فلست بحاجة إلى أن أقول لكم إن الخطر داهم، وبأن وحدتكم التي لا تنفصم في خدمة عمل سياسي توافقي هي وحدها التي يمكنها أن تبعث الأمل في تخليص بلادنا على المدى القريب من قبضة هذا النظام المتسلط».
لكن السؤال الآخر المطروح هو هل ستقبل المعارضة الموريتانية المخترقة بدعوة ولد بابامين للتوحد؟؛ وهل ستتخلى عن أجنداتها للتوحد خلفه مرشحا موحدا لانتخابات 2019؟
يطالب معارضون عديدون باقتباس تجربة غامبيا التي نظمت معارضتها انتخابات أولية لاختيار مرشح موحد وبعد ذلك توحدت خلفه في انتخابات 2016، وتمكنت من هزيمة الديكتاتور يحيى جامي.
القدس العربي