خرج الموريتانيون أمس من أوحال السياسة وسكرات الاستفتاء ليندفع الجميع نحو أسواق الماشية لتأمين أضحية العيد الذي سيصادف غدا الجمعة وذلك في ظرف غير مسبوق من الغلاء.
فقد تضافرت عوامل عدة هذه السنة لرفع أسعار الخِراف في الأسواق الموريتانية أولها تأخر موسم الأمطار، وثانيها طلب الحكومة السنغالية من نظيرتها الموريتانية تصدير 750 ألف خروف إلى أسواقها وهو ما رفع سعر الخروف من 100 دولار إلى 350 دولارا. وأوفدت حكومة داكار وزيرة البيطرة أميناتا انجاي إلى نواكشوط الأسبوع الماضي للتباحث حول عدد الخراف الممكن تصديرها إلى السنغال بمناسبة العيد الكبير واختار باعة المواشي العبور بقطعانهم إلى أسواق السنغال لبيعها رابحة بأضعاف أسعارها في موريتانيا.
وتتفاضل الخراف في الأسواق الموريتانية وأغلاها أكباش «أزواد» التي يصل سعر الواحد منها 500 دولار أمريكي، وأكباش «الطوابير» التي يصل سعر الواحد منها 600 دولار.
ويتنافس باعة المواشي كل حسب مهارته وخبرته، ويصاب الزبناء المشترون بالإرهاق والإجهاد بسبب التجوال من سوق إلى سوق ومن قطيع لقطيع.
ويحرص الموريتانيون وجيرانهم السنغاليون على اقتناء الأكباش في عيد الأضحى والتفاخر بها. وبقدر ما كان كبش الأضحية ضخما طويل القرون وتام الصورة أبيض اللون بقدر ما كان لصاحبه مكانة عظيمة يوم العيد.
وإذا كان الموريتانيون يشترون أضاحيهم قبل العيد بيوم أو يومين فإن من السنغاليين من يشترون خروفا صغيرا ويتولون على مدار السنة تربيته بعناية والسهر على تسمينه وربطه داخل المنزل إلى يوم العيد.
ويسود الاعتقاد بأن الكبش المربوط بالمنزل يحفظ أفراد الأسرة من العين لـأن سموم عيون الزائرين سيمتصها الخروف عند الدخول. ويتولى صاحب الأضحية العناية تربية أضحيته ومنهم من يخصص لها كل أسبوع حماما بالصابون، أما يوم العيد فإن الأضحية تعطر لكونها مقدمة لفداء نبي الله إسماعيل.
ويعتقد الكثيرون نقلا عن آثار نبوية أن الأضاحي التي يتقرب بها إلى الله تعالى هي مطايا أهلها يوم القيامة، ويردد الكثيرون قول الرسول عليه السلام «عظموا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم». ولترسخ عادات الحرص على اقتناء وذبح الأضحية ترتفع أسعار الخراف في أسواق المواشي على مستوى العاصمة نواكشوط التي تنقل إليها آلاف الأكباش من قرى الداخل، أما الأسعار في المدن الداخلية القريبة من مراكز تنمية المواشي فالأسعار معقولة.
ويفضل السنغاليون خراف موريتانيا كونها أضخم من خرفان السنغال الصغيرة وهم يبذلون الغالي والنفيس للحصول عليها.
أما يوم العيد فيذبح المضحون خرافهم وتبدأ أدخنة الشواء تنبعث من المنازل فالكل يسلخ لنفسه ويشوي لنفسه فليس هناك في يوم العيد عمال لتولي هذه المهام إذ أن الجميع في أجواء العيد بعيدا عن مواقع العمل. ومن أغرب عادات الأفارقة في عيد الأضحى أن المضحين لا يأكلون يوم العيد سوى المصارين والكروش أما بقية اللحم فيمنع أكله قبل اليوم الثاني للعيد، ولهؤلاء في هذه العادة تجارب كثيرة منها أن أكل المصارين يوم العيد يورث طول العمر وصحة البدن.
ويصوم المضحون في موريتانيا صباح يوم العيد حتى تذبح الأضاحي فيفطرون وقت الضحى على قطعة من الكبد؛ ويؤكد الفقهاء أن صوم هذه الفترة القليلة من صبيحة يوم العيد يعادل صيام ستة آلاف سنة. هكذا بدت أجواء عيد الأضحى في موريتانيا والسنغال وهكذا يختلط الدين في هذه المناسبة، بالتجارب العجيبة والعادات الغريبة.