يواجهن إكراهات التقاليد وسيطرة الرجال على قاعات التحرير
دخلت المرأة الموريتانية عالم الصحافة والإعلام مبكرا بخطوات متثاقلة متحدية تقاليد المجتمع الذي يعتبر ظهور المرأة في الشاشات سفورا وسماع صوتها عورة، بل يحكم على المرأة بأنها «كلها عورة» وأنها «من بيتها إلى قبرها».
وازداد هذا الدخول قوة بعد التطورات الهائلة التي شهدها الإعلام وبعد أن حررت الحكومة الموريتانية الفضاء السمعي البصري سنة 2010 وظهرت فرص جديدة واحتاجت القنوات لوجوه نسائية.
وتعزز كذلك، بانفتاح فضاءات التواصل الاجتماعي التي كسرت الحواجز بين الإنسان والإعلام، وأتاحت للمرأة ولوج عالم الاتصال بسهولة بالغة مستخدمة هاتفها المحمول أو كمبيوترها الشخصي.
خطوات أولى
دخلت المرأة الموريتانية عالم الإذاعة في ستينيات القرن الماضي حيث كانت الناهة بنت سيدي أول امرأة يخترق صوتها الأثير مقدمة نشرات الأخبار، وتلتها في ذلك الصحافية أمينة بنت أحيمد التي كانت تقدم برامج الأطفال في الإذاعة الوطنية قبل ظهور التلفزيون.
تقول الصحافية الموريتانية الشابة السالمة الشيخ الولي في عرض لها عن واقع إعلاميات موريتانيا «الناهة بنت سيدي الإذاعية الشهيرة اخترقت الحقل وبقيت لفترة طويلة الصوت الناعم الوحيد الذي يصدح بما يجري حوله، وبعد فترة تحولت من الإعلام المسموع إلى المرئي مع ظهور التلفزيون الموريتاني، ففتحت بذلك المجال لدخول غيرها من بنات جنسها، فكان لتلك الرائدات الدور البارز في فرض قبول المرأة في الإعلام وتقبل المرأة الصحافية داخل وسط محافظ تتمسك تقاليده بفكرة المرأة العورة».
عوائق وعراقيل
تمكنت الإعلاميات الموريتانيات من مواجهة التحديات الكثيرة التي تواجه الجنس اللطيف وفي مقدمتها الظهور في عالم الصوت والصورة.
وترى السالمة بنت الشيخ الولي في تحليل لها عن امتهان المرأة الموريتانية الصحافة «أن من أكبر العراقيل التي واجهت الإعلاميات الموريتانيات، السلطة التي يفرضها الرجل السباق إلى مؤسسات الدولة بصفة عامة، كما شكلت العوائق المادية بدورها عرقلة كبيرة».
ومن هذه العراقيل، تقول بنت الشيخ الولي «ضعف مستويات التعليم والتكوين، وعجز المرأة عن الدفاع عن حقها في الإعلام، وضعف المؤسسات الإعلامية واختصارها في مقاولات صحافية صغيرة، كل هذا قلل حظوظ المرأة في الإعلام الخاص، وبقيت نسوة قلائل موظفات في الإعلام العمومي سائرات فيه بخطى خجولة».
فترة المأسسة
تؤكد بنت الشيخ الولي «أن الإعلامية الموريتانية بدأت في الفترة الأخيرة مع التطور اللاحق في القوانين المكرسة لحرية الإعلام، نحو مأسسة وجودها عبر هيئات تتحدث باسمها كطرف مستقل تسعى من خلالها إلى إثبات قدرتها على العمل الجاد والدؤوب».
وأضافت «رغم أن عدد النساء في الحقل الإعلامي لا يتجاوز المئتين فقد تمكنت من تأسيس اتحاد للإعلاميات وشبكة للصحافيات».
تقول الصحافية أمينة بنت عبد العزيز أول سيدة تظهر على الشاشة «تركت الصحافة لفترة طويلة لأنني لا أتحمل التوبيخ من الزملاء الرجال» مضيفة «الرجال كانوا أكثر حظا منا في التكوين والوسط طارد، فالحقيقة مؤسفة لكون لم تكن توجد امرأة مديرة في الإعلام حتى وقت قريب ظهرت مديرة مساعدة».
ونقلت بنت الشيخ الولي عن الإعلامية الموريتانية مريم بنت امود تأكيدها «أن تأخر المرأة في كل المجالات، عائد إلى النظرة الاجتماعية وعدم تقبل المجتمع لوضعية المرأة العاملة والنظر إليها على أنها نشاز».
وأضافت «تسعى شبكة الصحافيات الموريتانيات إلى تغيير النظرة السلبية للمرأة الصحافية وتفعيل دورها في المجتمع والتنمية وإثبات قدراتها وكفاءتها واستقلاليتها» مبرزة «أن الشبكة هي تشكيلة خاصة بالصحافيات فقط وهي تقبل التعاون مع أي تشكيلة أخرى في سبيل تحقيق أهداف مشتركة».
مواجهة الضغوط
وتؤكد رئيسة اتحاد إعلاميات موريتانيا ميمه بنت محمد أمحمد «أن ضعف وجود الإعلاميات في الحقل عائد إلى نظرة المجتمع للمجال باعتباره مجال شبهة وسفور لا يناسب المجتمع المحافظ، وهذه النظرة بدأت تتغير تدريجيا».
وأضافت «المرأة الإعلامية محاصرة بزملاء ورؤساء في العمل يعتبرون وجودها بينهم مجرد صدفة وبفعل التنشئة أيضا يلازم الإعلامية شعور دائم بالحاجة إلى معين فلا تثق بقدراتها الذاتية».
ووفقا لما نقلته بنت الشيخ الولي فإن رئيسة اتحاد إعلاميات موريتانيا ترى «أن السعي لتغيير الصورة السيئة للمرأة الإعلامية التي يرسمها المجتمع هي الباعث الأول على تأسيس الاتحاد الذي يسعى من خلال أنشطته المتعددة إلى تغيير تلك الصورة النمطية».
معركة الصدارة
وعن دور الاتحاد في دفع الإعلامية نحو الواجهة تقول ميمة بنت محمد أمحمد «خلقنا بالفعل حراكا لصالح المرأة الإعلامية فكل الإعلاميات في موريتانيا اليوم يعين حقهن في المساواة مع زملائهن في المهنة ويؤمن بكفاءاتهن وتلك أهم خطوة على الطريق، وصانع القرار أصبح مدركا لكوننا طرفا قويا في المعادلة، فقد ولى زمان كانت فيه الإعلاميات رقما يضاف عند الحديث عن الكم ويطرح لدى الحديث عن الكفاءة».
وفي تصريحات حول واقع الإعلاميات لمجلة «دوتشيه فيلي» يقول مدير عام إذاعة موريتانيا عبد الله ولد حرمة الله «رغم أنه ليست لدي إحصائيات دقيقة لعدد المؤسسات الإعلامية التي تديرها نساء إلا أنني أستشعر مناخ الحرية الذي باتت فيه المرأة تنعم بسهولة الولوج إلى عالم ظل إلى عهد قريب حكرا على الرجل».
وأضاف «تصوري أن الإجراءات التي قام بها النظام الحالي من إلغاء لعقوبة حبس الصحافيين ومنع المصادرة وتحسين أوضاع المؤسسات الصحافية دفع الكثيرات إلى فتح مؤسسات إعلامية خاصة في مختلف مجالات الإعلام بغض النظر عن عددها».
وقال «النساء استطعن تجاوز المحاذير التي ظل عقبات يضعها المجتمع في طريقهن، بل إن المرأة صاحبة المبادرة أو المديرة أو الإعلامية أثبتت لدى المجتمع الموريتاني أنها أكثر قبولا من الرجل نظرا لتحملها للمسؤولية الأخلاقية ولعدم تورطها في اختلاس المال العام».
حذام والغربلة
حول التحديات التي تواجهها الإعلامية، تقول السالمة بنت الشيخ من موقع «حذام» الإلكتروني إنها تتمثل بين أمور كثيرة في الاضطراب والهشاشة التي تطبع المؤسسات الإعلامية في موريتانيا بشكل عام، من حيث نقص التمويل وقلة الخبرة، فضلا عن كون الساحة الإعلامية الموريتانية لم تتمكن لحد الآن من غربلة الإعلاميات الحقيقيات القادرات على البقاء فيها، وذلك بسبب كثرة الوافدات على الحقل الإعلامي ممن لا تربطهن أي علاقة بالإعلام، وأنا أعلق الآمال على السنوات المقبلة كي تتحقق قاعدة البقاء للأصلح».
وتضيف «تعود المجتمع الموريتاني والعربي عموما على متابعة إعلام نسائي غير منتج ولا يقدم وجهة نظر، بينما نحن نسعى في موقع «حذام» إلى تغيير ذلك بتركيزنا على المرأة الوزيرة والسياسية والشاعرة والكاتبة وبائعة الكسكس، ولهذا استطعنا تقديم صورة مغايرة لسيدات صنعن مكانا لهن في دول مثل الصومال وجيبوتي وجزر القمر».
مجرد واجهة
وترى مقدمة البرامج الثقافية والترفيهية مريم منت السباعي «أن حضور المرأة الإعلامية ما زال يقتصر على لعب دور الواجهة الإعلامية دون أن يكون لها أي تأثير في الواقع».
والسبب، كما ترى، يعود إلى «تأثير العادات الاجتماعية التي لا يرى أصحابها في المرأة الإعلامية سوى مذيعة جميلة الشكل، بالإضافة إلى عدم رغبة صناع القرار في دعمها حتى تكون فاعلة وموجهة؛ ولهذا من الصعب أن يتم الاعتماد عليها في تقديم البرامج السياسية التي تؤثر على الرأي العام كما لا يتم تعيينها في المناصب التي تسمح لها بالتأثير في سياسات المؤسسات الإعلامية».
ورغم كل ذلك تحاول منت اسباعي من خلال إدارة مؤسستها الإعلامية الخاصة «موريتانينا» أن تركز على التحقيقات الاجتماعية الجريئة، محاولة قدر الإمكان مواجهة التحديات الكثيرة التي تعترضها كعدم رغبة الكثيرين في الكشف عن هوياتهم أو ذكر أسماءهم أو نشر صورهم في قضايا مثيرة كالتحرش مثلا».
تهميش وترسبات
وترفض المذيعة الشابة الغالية منت أعمر شين أن يكون السبب في منع المرأة من تبوّء مراكز التأثير في المؤسسات الإعلامية عائدا إلى ضعف المستوى، وإنما يعود الأمر إلى رواسب نظرة المجتمع أصلا لعمل المرأة.
وأضافت «من خلال عملي في مجال الإعلام منذ عشر سنوات أحس دائما أن هنالك تهميشا للمرأة الصحافية، إذ لا تسند إليها المهام الثقيلة كالبرامج السياسية أو مرافقة المسؤولين أو مرافقة الرئيس في أسفاره خارج البلاد أو داخلها». وطالبت أن يكون لدى المرأة الصحافية الإرادة القوية لتحدي تلك النظرة.
التعويل على الاتحاد
تقول اتفرح بنت أحمد دولة، الصحافية في الوكالة الموريتانية للأنباء «أن الإعلاميات الموريتانيات يعولن في مواجهة التحديات التي تعترضهن على اتحادهن الذي يشكل إطارا شاملا يحتضن جل الصحافيات العاملات داخل الحقل الإعلامي بشقيه العام والخاص، كما يمثل مرجعا وراعيا لقضايا وانشغالات المرأة الإعلامية وأفقا لتحرير طاقات إبداعية في الصحافة النسوية».
وحسب تفرح فإن «اتحاد إعلاميات موريتانيا يضم مجموعة من النساء العاملات في الحقل الإعلامي بمختلف أنواعه، السمعي والبصري والصحافة المكتوبة، وتم إنشاؤه سنة 2010 ويتألف مكتبه التنفيذي من21 إعلامية و200 منتسبة من الحقل الإعلامي ويهدف إلى حماية وتمكين الإعلامية من نيل حقوقها كاملة في المؤسسات التي تعمل فيها عامة كانت أو خاصة ومن أجل رفع مستواها المعرفي وتعزيز قدراتها المهنية ودعم دورها في بناء المجتمع».
إثبات الذات
وحول إثبات الذات بالنسبة للمرأة الإعلامية في موريتانيا، تقول بنت أحمد دولة «أن الإعلامية الموريتانية استطاعت أن تميز نفسها، حيث أن الموريتانية بشكل عام والإعلامية بشكل خاص تتمتع بشخصية طموحة ومثابرة وقد مكنها هذا من شق طريقها نحو النجاح في الميدان ولو بصعوبة كبيرة رغم التمييز والتهميش الذي تتعرض له».
وأكدت أن «الإعلامية أثبتت وجودها في المشهد الإعلامي كمنافس قوي ومشارك فاعل في الساحة الإعلامية، فظهرت أقلام نسائية بارزة.
وكمثال على هذا النجاح، لدينا مديرة للتلفزيون الرسمي ومديرة مساعدة للإذاعة الوطنية بالإضافة إلى مديرات للقطاعات ورئيسات للتحرير لا يقل مستوى أدائهن في إدارة تلك المؤسسات عن الرجل، بل العكس فهناك من تميزن وأبدعن في مجالاتهن بفضل طموحهن وحبهن للمهنة ولعملهن. ورغم تلك النماذج الناجحة التي تعد نسبة قليلة، ما زالت الإعلامية والمرأة عموما تتعرض لبعض التهميش والإقصاء خصوصا في مراكز صنع القرار والمسؤولية.»
انعدام التكوين
وحسب تفرح فإن العاملة في مجال الإعلام في موريتانيا تواجه صعوبات متعددة في المؤسسات الإعلامية فبالإضافة إلى التهميش والإقصاء في بعضها «هناك قلة التكوين وضعف التأطير والنظرة الدونية للبعض إليها، وأنها كائن لا يصلح لتولي المسؤولية، وهناك أحيانا صعوبة الموائمة بين تحمل مسؤوليات الأسرة والعمل معا بحيث لا تطغي أحدهما على الأخرى، وهناك مشاكل التحديات الاجتماعية التي تحد من قدرتها على القيام ببعض المهام مثل السفر للعمل والتغطية بالليل».
وتسعى تفرح وزميلاتها في اتحاد إعلاميات موريتانيا جاهدات إلى تذليل هذه الصعاب ومحاربة التمييز ضد الإعلامية، كما يسعين إلى تغيير الصورة النمطية للمرأة في الإعلام، وللوصول لتلك الأهداف المنشودة ترى تفرح أنه «لابد من مواصلة الجهود والتعبئة وتمكين المرأة من الوصول إلى الأماكن الريادية جنبا إلى جنب مع زميلها الرجل من أجل تصحيح السياسات التي تكرس تهميش المرأة وتستخدمها كسلعة ووسيلة للدعاية وتجريم هذه الممارسات وسن القوانين لمعاقبتها».
كفاح الإعلاميات
يقول محمد سالم ولد الداه نقيب الصحافيين الموريتانيين في توضيحات لـ «القدس العربي»: «حظيت الإعلامية الموريتانية بحضور معتبر ولافت في المشهد الإعلامي الوطني خلال العشرية الأخيرة، وقد ساهم تحرير الفضاء السمعي البصري وظهور العديد من القنوات المرئية والمسموعة في ذلك».
وأضاف «أدى تحرير الفضاء المرئي والمسموع لظهور عديد الأطر الإعلامية النسوية اللائي انتظمن لاحقا في تنظيمات مهنية متخصصة أبرزها شبكة الصحافيات الموريتانيات واتحاد إعلاميات موريتانيا، وانتخبت مؤخرا صحافية أمينة عامة لأكبر تجمع للصحافيين الموريتانيين وهو نقابة الصحافيين وهذا تعبير عن مكانة أصبحت تحظى بها المرأة الإعلامية عبر عنه زملاؤها الصحافيون خلال مؤتمرهم الأخير».
وتحدث النقيب عن عوائق ما زالت تعانيها الإعلامية الموريتانية يرجع بعضها إلى محافظة المجتمع الذي لا يقبل البعض منه ظهور المرأة عبر الشاشات ولا حتى عبر الإذاعات لاعتبارات دينية واجتماعية.
لكن الإعلامية الموريتانية، استطاعت بالمواظبة إقناع المجتمع بحضورها الإعلامي؛ وللدولة مقاربات سياسية ساعدة على ذلك، تهدف لمشاركة المرأة وهو ما تجسد في إسناد الإدارة العامة للتلفزيون الموريتاني لإحدى الكفاءات النسوية».
.. وأخيرا
تواجه الإعلامية الموريتانية تحديات كبرى في إثبات وجودها وبقائها في قطاع طارد؛ ومن بين هذه التحديات ضغط المجتمع وتقاليد التحفظ على المرأة وضعف المستويات التعليمية، ومن بينها الزواج المبكر الذي يبعد الإعلاميات في مراحل الحمل والرضاعة، عن المجال ويشغلهن بتربية الأطفال.
وكأن الأقدار حكمت على «حواء» الإعلام في موريتانيا أن تخوض في دورة سيزيفية، صراعها الأبدي مع «آدم» الصحافة المسيطر على قطاع يشتد فيه التنافس كل يوم، قطاع أسس في سنوات الاستقلال الأولى على الرجال أولا في زمن كان المجتمع الموريتاني يحكم على المرأة بالبقاء في بيتها إلى يوم انتقالها إلى قبرها.
عبدالله مولود «القدس العربي»: