“فرصة كبرى على الجميع أن يستغلها”، هذا ما وصفت به وسائل إعلام عالمية عديدة، الليلة الساخنة التي عاشها الوطن العربي، مساء أمس الجمعة وحتى الساعات الأولى من صباح اليوم السبت، فيما يخص أزمة قطر مع دول المقاطعة الأربع “السعودية والإمارات والبحرين ومصر”.
ورصدت “راي اليوم” ووكالة الانباء الروسية “سبوتنيك” التفاصيل الكاملة لتلك الليلة العاصفة، وما آلت إليه الأمور في النهاية، مع انتظار وترقب تطورات المشهد، خلال الساعات المقبلة.
بداية سعيدة
بدأت تلك الليلة “بداية سعيدة”، عندما خرجت بيانات عديدة تؤكد تلقي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان اتصالا هاتفيا مع أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل خليفة، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس″.
وقالت الوكالة إن أمير قطر عرض في ذلك الاتصال الجلوس على مائدة الحوار مع دول المقاطعة الأربع، ومناقشة مطالبهم بما يضمن تحقيق مصالح الجميع، على حد قول البيان.
من جانبه، أعلن بن سلمان ترحيبه بالعرض القطري، ولكن أكد أنه سيعلن موقف المملكة الرسمي بعد التشاور مع دول المقاطعة الثلاث، الإمارات والبحرين ومصر.
وفي الوقت ذاته، نشرت قناة “الجزيرة” القطرية بيانا، أكدت فيه أن الاتصال الذي تم بين تميم وبن سلمان، جاء بناء على تنسيق من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
وكان ترامب قد عرض، خلال مؤتمره الصحفي مع أمير الكويت، أول من أمس الخميس، الوساطة لحل أزمة قطر مع دول المقاطعة الأربع، وأعقب المؤتمر الإعلان عن إجراء ترامب اتصالا هاتفيا مع أمير قطر.
تنسيقات
بعد “الاتصال المفاجئ”، بدأت تتوالى البيانات والتقارير، حيث قالت وكالة الأنباء القطرية إن الدوحة عينت مندوبين للتفاوض مع دول المقاطعة الأربع، بما لا يتعارض مع سيادة الدول.
وأعرب كذلك وزير الشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، عن ترحيبه بالاتصال، قائلا في تغريدة نشرها على حسابه الشخصي عبر “تويتر”: “متى ماكانت المسالة في يد الأمير محمد بن سلمان فابشروا بالخير”.
وفي ذات السياق، أعلن البيت الأبيض أن ترامب أجرى اتصالات هاتفية منفصلة مع قادة السعودية والإمارات وقطر، مشددا على ضرورة وحدة شركاء أمريكا العرب لمواجهة ما وصفه بـ”التهديدات الإيرانية”.
وقال البيت الأبيض في بيان، إن الرئيس ترامب أجرى اتصالات هاتفية منفصلة، يوم الجمعة، مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وأضاف البيان، أن ترامب أبلغهم بأن الوحدة بين شركاء واشنطن العرب ضرورية لتعزيز الاستقرار الإقليمي وللتصدي لتهديد إيران، وفقا لما نشرته وكالة “رويترز″.
وتابع البيان، “شدد الرئيس أيضا على ضرورة تنفيذ جميع الدول التزامات قمة الرياض لهزيمة الإرهاب ووقف التمويل للجماعات الإرهابية ومحاربة الفكر المتطرف”.
انقلاب الطاولة
ولكن لم تمض إلا دقائق على تلك البيانات، حتى بدأت وسائل الإعلام السعودية، في شن هجوم شرس على قطر من جديد، ونقلت عن مصادر مسؤولة في الخارجية السعودية تعليق بن سلمان أي حوار مع الدوحة.
واحتجت الرياض على وصفته بـ”تضليل”، وكالة الأنباء القطرية لما دار في الاتصال الهاتفي بين بن سلمان وتميم.
وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية إن ما نشرته وكالة الأنباء القطرية لا يمت للحققة بأي صلة، مشيرا إلى أن “السلطة القطرية لم تستوعب بعد أن المملكة ليس لديها أي استعداد للتسامح مع تحوير قطر للاتفاقات والحقائق، وذلك بدلالة تحريف مضمون الاتصال الذي تلقاه سمو ولي العهد من أمير دولة قطر بعد دقائق من إتمامه”.
وتابع قائلا “الاتصال كان بناء على طلب قطر وطلبها للحوار مع الدول الأربع حول المطالب، ولأن هذا الأمر يثبت أن السلطة في قطر ليست جادة في الحوار ومستمرة بسياستها السابقة المرفوضة، فإن المملكة العربية السعودية تعلن تعطيل أي حوار أو تواصل مع السلطة في قطر حتى يصدر منها تصريح واضح توضح فيه موقفها بشكل علني، وأن تكون تصريحاتها بالعلن متطابقة مع ما تلتزم به، وتؤكد المملكة أن تخبط السياسة القطرية لا يعزز بناء الثقة المطلوبة للحوار”.
هجوم ووعيد
واستمرت حملة الهجوم على الدوحة حتى الساعات الأولى من الصباح، حيث خرج رجل الأعمال القطري المقيم في الرياض، الشيخ عبد الله آل ثاني، بتغريدات أعرب فيها عن أسفه على إهدار قطر فرصة العودة إلى الحوار مع دول المقاطعة.
وقال آل ثاني في تغريداته: “سعدت بطلب الشيخ بالجلوس مع سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لحل الأزمة الراهنة بين قطر والدول المقاطعة، قبل أن يستدرك بالقول، “وحزنت لما آلت إليه الأمور”.
وفي المقابل، ظهرت تقارير صحفية، لم يتسن التأكد من صحتها، تتحدث عن احتمالية اختراق “وكالة الأنباء القطرية” مجددا، وأنه تم تحريف البيان الصادر عنها.
وكانت أزمة قطر مع دول المقاطعة، قد ظهرت، بعد تصريحات لأمير قطر تم نسبها لوكالة الأنباء القطرية ينتقد فيها دول الخليج، ويدافع عن إيران، فيما قالت الدوحة إن وكالة أنبائها تم اختراقها، وهو ما رفضته الدول الأربع.
ولكن الهجوم الأكبر كان من مستشار الديوان الملكي السعودي، سعود القحطاني، الذي خرج متهكما على أنباء اختراق وكالة الأنباء القطرية، وعلى ما نشر عليها من بيانات، وصفها بـ”المحرفة”.
وقال القحطاني في تغريداته: ” عاق أبوه قذافي الخليج ظن أنه سيحفظ ماء وجهه أمام شعبه بالبيان الكاذب ثم يتباكى بالهاتف، والله غلطة وبنحاسبهم، لا مكان لحسن النية مع الكاذبين”.
ثم تحدث مستشار الديوان الملكي السعودي عن أن هناك أطراف يحاولون توجيه السلطة الحاكمة في قطر، ويحاولون توريطه بالبيان الصادر عن وكالة الأنباء القطرية.
وتابع قائلا “بدأوا يمهدون بأن يقولون وكالة الأنباء مخترقة. طيب وبث قناة الجزيرة مخترق”.
يذكر أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، سيزور السعودية، اليوم السبت، وهو ما جعل وسائل إعلام سعودية عديدة تطرح تساؤل، هل ينجح لافروف في إعادة الأمل في إحياء المفاوضات من جديد بين قطر ودول المقاطعة.
رغم ذلك، يرى المحللون ان الاتصال الهاتفي بين أمير قطر وولي العهد السعودي اشارة في حد ذاتها بتراجع التوتر.
يقول كريستيان اولريكسن الباحث في معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس ان “حصول الاتصال وتقديم العرض لاجراء حوار مهمان بحد ذاتهما”.
وتابع اولريكسن لوكالة فرانس برس “انها اشارة بالعودة من شفير الهاوية”، مضيفا “انا واثق من ان هذا الاختراق المحتمل مرتبط باللقاء بين أمير الكويت (الشيخ صباح الاحمد الصباح) مع ترامب والاتفاق على ما يبدو بان الازمة طالت بما يكفي ولا بد من حلها”.
وكان أمير الكويت ألمح عندما استقبله ترامب في البيت الابيض الخميس، إلى أن قطر “مستعدة لتلبية المطالب الثلاثة عشرة” التي وضعتها الدول الأربع مقابل عودة العلاقات معها، متحدثا عن فرصة لاحراز تقدم.
لكن سرعان ما ردت هذه الدول بالنفي عبر بيان نشرته وكالة الانباء السعودية في وقت مبكر الجمعة، وشككت في ما أكده أمير الكويت، مكررة القول بأن “الحوار حول تنفيذ المطالب يجب ألا يسبقه أي شروط”.
ومن هذه المطالب اغلاق قناة الجزيرة المتهمة بالتحريض ضد الدول الأربع واغلاق قاعدة تركية في قطر وخفض العلاقات مع إيران.
والرياض والدوحة من الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في المنطقة.
وتستضيف قطر قاعدة جوية أميركية كبيرة فيها مركز قيادة يدير العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
راي اليوم