تتجه الأوضاع في الساحة السياسية الموريتانية نحو التصعيد حسبما يتضح من تطورات على صعيدين أولهما النداء الحار الذي وجهته المعارضة للثورة على النظام ابتداء من الخامس والعشرين نوفمبر / تشرين الثاني الجاري، والثاني قيام أعضاء مجلس الشيوخ المنحل بافتتاح دورة برلمانية تعبيرا عن رفضهم إلغاء الغرفة وتأكيد استمرارها في النشاط برغم محوها من الدستور في الاستفتاء الشعبي الأخير.
وانتخب الشيوخ المتمردون على النظام أمس السيناتور الشيخ ولد حننه رئيسا لغرفة الشيوخ خلفا لمحسن ولد الحاج وهو من أقرباء الرئيس الموريتاني وقد قبل بحل المجلس.
وحددت المعارضة الموريتانية يوم الخامس والعشرين من الشهر الجاري موعدا للخروج فيما سمته «وثبة وطنية شاملة للانتفاض ضد الحكم الفردي المتسلط».
وجاءت هذه الدعوة في نداء وجهته المعارضة أمس بتشكيلاتها الثماني للشعب وانتقدت فيه الأوضاع بعد أن غابت عن الساحة السياسية أزيد من شهرين. وأكدت المعارضة في ندائها «أن سنوات حكم ولد عبد العزيز العجاف شكلت محنة حقيقية لهذا البلد، إذ فيها تم الاعتداء مرارا على أقدس مقدسات الشعب، وديست خلالها القيم والأخلاق، ونهبت الخيرات، ونغص عيش المواطنين، وأجهضت آمال الشباب، وشوهت الرموز الوطنية، وهددت وحدة الشعب وانسجامه، وحطمت الإدارة، وفسدت علاقات البلد مع جيرانه وحلفائه، وزج بالبلد في أزمة سياسية متفاقمة تقوده نحو المجهول».
وطرحت المعارضة في بيانها سلسلة أسئلة على الشعب بينها «هل من بينكم من لا يحس اليوم بأنه مهدد ومضايق في عيشه اليومي بسبب الارتفاع المطرد للأسعار والضرائب وضيق ذات اليد؟، هل من بينكم من لا يحس بالقلق على مستقبل أطفاله بسبب تدهور التعليم وبيع المدارس والاستهتار بالأسرة التربوية؟، هل من بينكم من يطمئن على صحته في ظل ضعف المنشآت الصحية وانتشار الأدوية المزورة في غياب تام للرقابة؟، هل من بينكم من يستطيع اليوم أن ينام مطمئنا على أهله وحياته وممتلكاته مع انتشار الجريمة السائد في أركان هذه المدينة كلها؟، هل من بينكم من يستطيع أن يدير تجارته وأعماله من دون أن تحاصره الضرائب والغرامات؟، من منكم لا تحاصره القمامة في حيه بروائحها الكريهة وانبعاثاتها الضارة بالصحة ومنظرها المشين؟».
نعم، تضيف المعارضة، هناك ثلة قليلة استولت على خيرات هذا البلد، إنها ثلة ولد عبد العزيز ومقربيه، تنعم وأنتم تشقون، تدرس أطفالها في المعاهد والجامعات في الخارج في الوقت الذي لا تتوفر فيه مدارس لأبنائكم لأبسط مقومات الدراسة، تتعالج في أرقى المستشفيات في أوروبا والولايات المتحدة في الوقت الذي لا تتوفر فيه مستشفيات البلد على أبسط مقومات العلاج، يضمنون لأبنائهم الوظائف ويتركونهم يمرحون بالسيارات الفارهة في الوقت الذي يعاني فيه مئات الآلاف من شباب البلد من البطالة وفقدان الأمل، يكدسون الأموال ويشترون القصور في الخارج في الوقت الذي يهدد فيه الجفاف والإهمال مواشيكم ومزارعكم ومصادر عيشكم».
وتابعت المعارضة نداءها للشعب تقول «يحدثونكم عن مكافحة الفقر ومؤازرة الفقراء، في الوقت الذي لا شك أن كل واحد منكم يتذكر كم كان سعر المواد الأساسية يوم استولى ولد عبد العزيز على السلطة وكم سعرها اليوم، كم كان سعر مواد الوقود وكم سعرها اليوم، كم كان سعر الأوقية وكم سعرها اليوم مقابل العملات الأجنبية؟، وأين شركة «سونمكس» التي كانت تغطي بفروعها الوطن كله، تكسر الاحتكار وتثبت الأسعار وتمون الأسواق؟ لقد نهبوها وأفلسوها.»، حسب تعبير البيان.
وأضاف البيان «يحدثونكم عن الخدمات في الوقت الذي تعيش فيه اليوم أحياء كاملة من العاصمة من دون ماء وفي الكثير من الأحيان من دون كهرباء، وتطالعنا كل يوم صرخات القرى والمدن في الداخل تشكو العطش والإهمال، وفي الوقت الذي يتذيل فيه البلد كل مؤشرات التنمية البشرية، ويحدثونكم عن البنى التحتية في الوقت الذي أصبحت فيه الطرق الرئيسية في البلد هباء في سنوات ولد عبد العزيز الشهباء، وتحولت إلى حفر ومطبات تحصد الأرواح كل يوم؛ فأين هي شركة «أينير» التي كانت ترمم هذه الطرق وتقوم على إصلاحها؟ لقد نهبوها هي الأخرى وأفلسوها».
وتابعت المعارضة انتقاداتها تقول «يحدثونكم عن الشفافية ومكافحة الفساد في الوقت الذي يرفض فيه رأس الدولة التصريح بممتلكاته في خرق سافر للقانون، وأصبحت صفقات التراضي هي القاعدة، وشاع الثراء الفاحش بين هذه الثلة من العمولات والرشوة والتحايل على المال العام، وارتهنوا مستقبل البلد في الديون، في الوقت الذي بددوا فيه ونهبوا الأموال الطائلة التي جنتها البلاد من ارتفاع أسعار الحديد والنحاس والسمك والذهب، ويحدثونكم عن الوحدة والمساواة في الوقت الذي يعملون فيه على تفكيك المجتمع عن طريق تكريس التمييز وتهميش شرائح واسعة من الشعب وتشجيع القبيلية والجهوية، ويحدثونكم عن الديمقراطية في الوقت الذي ينتهكون فيه الدستور بصورة سافرة ويزورون الانتخابات ويشوهون رموز الوطن، ويعتدون على المؤسسات الدستورية وعلى منتخبي الشعب، ويحكمون البلد بإرادة فرد ونزواته بدل القانون، ويحدثونكم عن الحرية في الوقت الذي يختطف فيه الأبرياء ويسجنون ويتابعون من دون ذنب اقترفوه، وتكمم فيه الصحافة، وتقمع كل التظاهرات والاحتجاجات السلمية، وتستخدم العدالة لتصفية الحسابات مع الخصوم بصورة فجة».
وأنهت المعارضة نداءها للشعب بدق ناقوس الخطر حيث خاطبت المواطنين قائلة «إن بلدكم اليوم في خطر، إنه مختطف من طرف نظام لا هم له سوى التمسك بالسلطة من أجل التحكم في رقابكم ونهب خيراتكم، ولن يتغير هذا الوضع المهين والخطير إلا بمشاركتكم، فلا منقذ لكم ولبلدكم سواكم، كفى سكوتا على الضيم وخنوعا للذل والمهانة، فلننهض جميعا في وثبة وطنية شاملة للانتفاض ضد الحكم الفردي المتسلط يوم 25 نوفمبر 2017 عند الساعة الرابعة في ساحة ابن عباس، لا سكوت ولا خنوع بعد اليوم».
وجاء هذه النداء الذي وجهته المعارضة الموريتانية بعد غياب طويل عن الساحة، وبعد فترة تربص صرفتها المعارضة حسب مصادرها، في تحليل الأوضاع ما بعد الاستفتاء، وتجميع الصفوف ودراسة أكثر الطرق نجاعة لتفعيل العمل المعارض.
وإذا تمكنت المعارضة من تحقيق انتفاضتها التي دعت إليها آخر الشهر الجاري، التي يتوقع أن يعضدها حراك لمتمردي مجلس الشيوخ المنحل، فإن الأوضاع السياسية في موريتانيا مرشحة للانفجار لأن الساحة مشحونة بالتأزم القديم الذي ازداد اشتعالا بسبب الرفض الواسع الذي قوبل به الحكم المخفف الصادر قبل يومين في حق المدوّن المسيء للرسول عليه السلام.
نواكشوط – «القدس العربي»