أعادت مسودة اتفاق بين غالبية الرئيس محمد ولد عبد العزيز والمنتدى الوطني للمعارضة جرى تسريبها أمس، الأمل إلى نفوس الموريتانيين الغارقين منذ أشهر في قلق شديد بسبب أزمة الثقة المتواصلة منذ 2008، بين النظام والمعارضة، وبالنظر لاقتراب مواعيد الانتخابات النيابية والبلدية والرئاسية من دون ظهور أية بوادر للتوصل لحد أدنى من الإجماع الوطني حول آليات مقبولة لتنظيمها.
ودل تسريب هذه المسودة على وجود اتصالات غير رسمية وغير معلنة، لكنها بالغة الأهمية بين أطراف في السلطة وأخرى في المعارضة، وهو أمر يؤكد تنازل السلطات عن مواقفها المتشددة ورغبتها في التوصل لمستوى من الاتفاق تعبر موريتانيا به كل آمن، كافة الاستحقاقات الانتخابية الكبرى التي هي مقبلة عليها اليوم.
وتضمنت مسودة الاتفاق السياسي التي سربتها، على ما يبدو، أوساط الغالبية عبر وكالة «الأخبار» الموريتانية المستقلة، وتأكدت «القدس العربي» من صحتها لدى مصادرها في الطرفين، توطئة وإحدى عشرة مادة تفصل وتحدد تفاهمات بين الطرفين على آليات تنظيم الانتخابات، عبر تشكيل متفق عليه للجنة المستقلة للانتخابات، وعبر ضمانات بحياد الإدارة والجيش والإعلام العمومي.
ونصت المادة الأولى من مسودة الاتفاق على تفاهم الطرفين على مسألة شائكة وهي السماح للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة «بالمشاركة في اقتراح الأعضاء في اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات كطرف معارض، وذلك طبقا للقوانين والنظم المعمول بها»، على أن «تتولى اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، حسب المادة الثانية، إعداد وتحضير السجل الانتخابي بشكل كامل».
ونظراً لاستعجال الجدول الزمني لتشكيل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، فقد نصت المادة الثامنة من مسودة الاتفاق، على «أن يستمر التفاوض حول بقية نقاط العريضة المقدمة من طرف المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، من أجل الوصول لاتفاق حولها».
واستجابت مسودة الاتفاق في مادته الثالثة لشرط قديم من شروط المعارضة «وهو اكتتاب اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات موظفيها عبر مسابقة شفافة ونزيهة، وفق القوانين المنظم للمسابقات».
ونصت المواد الرابعة والخامسة كذلك على «تشكيل لجنة خبراء لوضع معايير من أجل تطبيق قوانين محاربة الرشوة، وتقشيف تمويل الانتخابات، وكذا على مراجعة عمليات تصويت الجيش وقوى الأمن بحيث لا يكون في يوم ولا دوائر خاصة».
واستجابت السلطات لمطلب قديم للمعارضة يتعلق بالإعلام العمومي حيث نصت المادة السادسة على «أن تعمل الأطراف على التطبيق الصارم للقانون المطبق للولوج للإعلام العمومي، وبخاصة تغطيات الأحداث ونشرات الأخبار، على أن يشكل الطرفان لجنة من الخبراء لوضع معايير لتطبيق هذا القانون».
ونصت المادة السابعة على «العمل من أجل التطبيق الصارم لقانون التعارض، وحياد مسؤولي المؤسسات العمومية».
وأكدت المادة التاسعة على أنه «بتوقيع هذا الاتفاق تكون مشاركة كل مكونات المنتدى تلقائية في أي انتخابات قادمة، وتعتبر مقاطعة أي طرف لها غير معبرة عن المنتدى المعارض».
وجاءت المادة العاشرة في الاتفاق لتضمن للسلطة اعترافا من المعارضة بالحوارات السابقة التي قاطعتها، حيث نصت على «نفاذ البنود الواردة في هذا الاتفاق، والتي كانت محل اتفاق سابق بين الأغلبية والمعارضة المحاورة خلال 2013 و2017».
وأكدت توطئة المسودة على «أن الاتفاق الحالي بين الغالبية ومنتدى المعارضة يأتي بهدف تطبيع العلاقة بين الطرفين، وسعيا لمزيد من انسيابية الانتخابات والعمل السياسي الوطني، بين أغلبية تحكم بتفويض من الشعب الموريتاني، ومعارضة مسؤولة تلعب دورها بشكل ديمقراطي بحيث تراقب وتقدم النصح والنقد، ووضعا للمصلحة العليا للبلد فوق كل اعتبار، وفي ظرف خطر، ووضع دولي وإقليمي مضطرب، تنهار فيه الدول، وتشتعل الحروب، والإرهاب، والجريمة».
كما أكدت «أن الاتفاق تعبير عن الإرادة القوية بين الطرفين في التلاقي والتوافق، إيمانا بأن التحاور بين الموريتانيين نهج لا غنى عنه في تسيير قضاياهم، وهو ما يجب أن يكون حالة طبيعية، لا شرط دونها ولا قيود عليها، وإيمانا من الطرفين بالنظام الديمقراطي كنهج وحيد لممارسة السلطة، وتحقيق التناوب السلمي، وبأن إرادة الناخب الموريتاني المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع فقط، هي السبيل الديمقراطي الوحيد لتحديد مركز كل طرف من أطراف العملية السياسية».
وحسب مصادر «القدس العربي»، فإن المعارضة فضلت التستر على مفاوضاتها مع السلطة حتى استكمال الاتفاق بين الطرفين على قضايا ملموسة، بينما فضلت السلطات الكشف عنها، عبر تسريب مسودة الاتفاق، لتكذيب الاتهامات الموجهة لها بالسعي لإقصاء المعارضة والتفرد بتنظيم الانتخابات المقبلة.
وكانت المعارضة الموريتانية المنتظمة بأحزابها ونقاباتها وشخصياتها المرجعية في المنتدى الوطني للديموقراطية، قد نفت قبل يومين ما أشيع بخصوص «إجرائها مفاوضات سرية مع السلطة القائمة حول تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات».
وأكد المنتدى الموريتاني المعارض، بدافع تكتيكي على ما يبدو، «أن خبر تفاوضها مع النظام الذي تداوله بعض المواقع عار تماما من الصحة، وأنه لا وجود لأي اتصالات سرية أو علنية بينها مع السلطة حول المسار الانتخابي الذي يصر النظام على تسييره بصورة أحادية»، حسب تعبيرها.
وجدد المنتدى المعارض تأكيده على «ضرورة إطلاق تشاور وطني من أجل تنظيم استحقاقات انتخابية توافقية لتجنيب البلاد العواقب الوخيمة على استقرار البلد ووحدته التي قد تنجم عن إصرار السلطة الحالية على التمادي في اختطاف الدولة واستخدام سلطتها ووسائلها وإدارتها لصالحها ضد الفرقاء السياسيين الآخرين».
وحسب مصادر «القدس العربي»، فإن المعارضة الموريتانية قدمت لمحاوريها في الغالبية خلال التفاوض السري المتواصل حاليا، عريضتها المطلبية التي سبق أن اتفقت عليها أطرافها والتي أكدت على «فقدان الثقة في نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي لم يف، حسب العريضة، بأي التزام للمعارضة منذ انقلابه على السلطة المنتخبة في آب / اغسطس من عام 2008».
واشترطت العريضة «تشكيل حكومة توافقية ذات سلطة على مختلف قطاعات الدولة وخدماتها تضمن احترام قوانين الجمهورية والحياد التام بين الفرقاء»، كما اشترطت «التوافق بين المعارضة والنظام على تشكيل المؤسسات القائمة على الانتخابات دستوريا مثل المجلس الدستوري والإدارة العامة للسجل السكاني والوثائق المؤمنة واللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والإدارات ذات الصلة في وزارة الداخلية والاتفاق على الأشخاص الصالحين لها والصلاحيات المخولة لها والضمانات التي تحرر عملها من التوجيه السياسي والابتزاز المالي».
وركزت على موضوع حياد الإدارة حياداً حقيقياً يجعل المواطن الموريتاني في وضع يسمح له بالاختيار الحر ولا يخشى مآلاً إن صوت هنا أو هناك، مؤكدة «أن كل المتابعين للمسار السياسي والانتخابي للبلد يدركون أن من أخطر ما أفسد الحياة السياسية وجير المنافسة الانتخابية هو التوظيف الصريح من قبل السلطة و أو أحزابها للإدارة والموظفين العموميين والوسائل العمومية والتعيينات العمومية والشركات العمومية والمال العمومي والمعنى العمومي».
واشترطت العريضة ضمانات منها «الإعلان الرسمي من قبل القائد الأعلى للقوات وهو رئيس الجمهورية تحريم أي ممارسة للعبة السياسية على القوات المسلحة وقوات الأمن وعلى قياداتها في الأساس، والتزام معلن للقيادات العسكرية والأمنية بذلك، إضافة لضبط أسقف تمويل الحملات الانتخابية والإسهامات الفردية فيها، ومراجعة وتنظيم تصويت العسكريين والأمنيين ومراجعة النصوص ذات الصلة بالشأن الانتخابي على نحو يحقق سابق المذكور وغيره مما يتطلبه الإصلاح الانتخابي، وفتح وسائل الإعلام العمومية على نحو مستمر ومتشاور عليه».
عبد الله مولود
نواكشوط – «القدس العربي»