المدوّنون ينتقدون المنتدى المعارض وأنصار التكتل يهاجمونه
إشتد أمس في موريتانيا سجال سياسي ساخن حول الحوار السري الذي أجراه المنتدى المعارض مع غالبية الرئيس محمد ولد عبد العزيز حول اتفاق على آليات لتنظيم حر وشفاف للانتخابات النيابية والرئاسية المقبلة.
وانصب السجال الذي أشعله مدوّنون من أطياف المعارضة المتشددة رافضون للحوار، وآخرون من الاتجاه الإسلامي، وشارك فيه رئيس الحزب الحاكم وكتّاب مستقلون، على عدة محاور بينها الأسباب التي دفعت منتدى المعارضة للحوار مع نظام يرفض الحوار، ونفي المنتدى في بيان رسمي لإجراء أي حوار مع النظام بينما يستمر حواره منذ أسابيع مع ممثلي الغالبية، وبين هذه المحاور كذلك، استقراءات للآفاق السياسية المفتوحة أمام موريتانيا المقبلة على منعطفات سياسية هامة.
وبينما كان الجدال مشتداً حول تأكيد وتكذيب الحوار، جاءت تغريدة لرئيس الحزب سيدي محمد ولد محم لتقطع الشك في ذلك باليقين مؤكدة إجراء هذا التحاور بالفعل، لكنها أعلنت في نفس الوقت عن فشل الحوار واضعة المسؤولية في ذلك على المنتدى المعارض.
فقد أكد رئيس الحزب الحاكم في تغريدة له على تويتر «بعد أن اتفقنا ودخلنا في إجراءات التوقيع على الاتفاق قامت جهات في المنتدى بنشر بعض بنوده بشكل مشوّه مما دفع وفد المنتدى للتراجع».
وأضاف «الثالثة فجر اليوم انتهى آخر اجتماع سري بين الغالبية والمنتدى وتم وقف مسار التفاوض».
وأكد قياديون في منتدى المعارضة أن ما أجراه المنتدى مع قياديين في الغالبية ليس حواراً سياسياً بمعناه الحقيقي، وإنما هو مجرد اتصالات لاستكشاف جدية السلطة في الحوار ولسبر مدى استعدادها لتقديم تنازلات.
وفي هذا السياق، كشف محمد محمود ولد سيدي رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح (محسوب على الإخوان) في رسالة صوتية على تطبيق «الواتساب» عن تفاصيل اللقاءات التي جرت بين قادة منتدى المعارضة وممثلين عن الغالبية، والتي كادت أن تتمخض عن اتفاق سياسي، لولا وصولها فجأة لطريق مسدود.
وأكد رئيس حزب التجمع «أن الحوار الحالي بدأ منذ أكثر من سنة، بمبادرة من بعض قادة الغالبية وواجهته عراقيل حالت دون مواصلته، ثم تواصل قبل أسابيع، بين وفد ضم الرئيس الدوري لائتلاف الغالبية عثمان ولد الشيخ أحمد أبو المعالي، ورئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية سيدي محمد ولد محم، والوزير سيدنا عالي ولد محمد خونه، ووفد من منتدى المعارضة ضم رئيس حزب التجمع، ورئيس حزب عادل يحي ولد أحمد الوقف، تحت رعاية الرئيس الدوري للمنتدى محمد ولد مولود.
وأكد ولد سيدي «أن المنتدى المعارض قدم لمحاوريه عريضة تضم مطالبه، ومقترحاته حول شفافية الانتخابات، حيث قسمتها الغالبية خلال النقاش إلى ثلاثة أقسام، أولها نقطة رفضتها وهي تشكيل حكومة توافقية، أو حكومة تكنوقراط، وقسم أكدوا استعدادهم لنقاشه، وقسم تم تأجيله لما بعد تشكيل لجنة الانتخابات بسبب استعجال تشكيل هذه اللجنة.»
وأضاف «أن الغالبية ردت بوثيقة على عريضة المنتدى تضمنت مشروع اتفاق سياسي، وهي الوثيقة التي تسربت بعض مضامينها قبل يومين»، مضيفا «أن المنتدى لديه اعتراضات على توطئة الاتفاق، وعلى بعض نقاطه الأخرى كاشتراط موافقة الأحزاب التي حاورت النظام عام 2016».
وأوضح ولد سيدي «أن وفد الغالبية أبلغ المعارضة بأنه يقوم بمهمة الحوار بتكليف من الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ناقلاً رغبة الرئيس شخصيا في التكتم على الأمر، ومؤكداً أن وزيره الأول وحكومته لا علم لهما بالأمر ولا علاقة لهما به».
وإذا كان لهذا الحوار أهميته في التوجه نحو تفاهمات بين النظام ومعارضته المتشددة، فإنه شكّل، في نفس الوقت، عامل تفرقة لمجموعة الثمانية المعارضة التي تضم إلى جانب المنتدى، حزب التكتل بقيادة أحمد داده، وحركة «إيرا» الحقوقية، وحزب قوى التغيير المعبر عن الأقليات العرقية الإفريقية.
وهاجم حزب التكتل أكبر أحزاب المعارضة على لسان مسؤولة إعلامه منى بنت الدي، حوار المنتدى المعارض مع الغالبية، وكتبت منى تقول «دخل المنتدى مفاوضات سرية مع النظام لأنه يريد أن يحصل على مكاسب انتخابية وهذا حقه، لكن ليس من حقه أن يدخل هذه المفاوضات بإخفائها عن شركائه في مجموعة الثمانية لأن ذلك قد يفهم منه السعي لإقصاء أطراف وازنة في المعارضة مما سيزيد خلافات المعارضة قطعا وسيعمق الشرخ بين مكوناتها، هذا من جهة ومن جهة أخرى فنظام ولد عبد العزيز نظام مافيوي، حسب قولها، وليس جهة سياسية موثوقة نستطيع أن نثق فيها وننضج معها اتفاقات في الخفاء قبل إبرازها للعلن».
وأضافت «لقد ارتكب المنتدى فضيحة كبرى عندما أنكر وجود أي اتصال بينه مع النظام، وقد عمد النظام إلى تسريبات مفصلة بغية الإمعان في إحراجه».
واشترط المدوّن حميد محمد المعبّر عن مدوّني المعارضة الشباب قبل إبرام أي اتفاق مع السلطات «إطلاق سراح السجناء السياسيين، وإلغاء الرقابة القضائية عن الشيوخ والنقابيين والصحافيين، وإلغاء مذكرة توقيف بوعماتو وولد الدباغ وولد الشافعي (معارضون للنظام)، مع ضمان المشاركة في اللجنة المستقلة للانتخابات واختيار عمالها بمسابقة مفتوحة».
وانتقد المفكر أبو العباس ابرهام ما يجري حاليا من حوار وجدل فأوضح «أن نظام الجنرال عزيز قد دمّر المجال العام وقلّص المساحة الاستحقاقيّة بما فيها مساحتُه الحزبيّة الدّاخلية، ولم يؤمن الجنرال عزيز يوماً بالدِّيمقراطيّة، حسب تعبيره، ولكنّه الآن وهو يعتزِم ممارسة السياسة من الخارج اضطرّ لفتح المُغلق، وأوّله مغلقه الحِزبي، إذا كان الأمر يتعلّق بإعادة فتح المجال العامّْ فيجب على القوى المعارضة أنْ تعود للطوابير القديمة، وخصوصاً على أعتاب عهد جديد سيغادر فيه الجنرال، أقول، يجب أن تمدّ المعارضة اليد إلى النسخة الجديدة من النظام العسكري لتجاوز الإغلاق الذي قام به الجنرال عزيز في العقد الماضي ليبدأ طي صفحة عزيز بعقد انتخابي، أي توزيع السلطات، بين النظام والمعارضة».
وتدخل وزير الخارجية الأسبق محمد فال بلال الذي يكتب محايداً، في هذا السجال ليقول « أرى إنجازاً عظيماً يتحقّقُ الآن أو على الأصح يوشِكُ أن يتحقّق على يَد هذا الجيل من الوطنيين المناضلين، ألا وهو دَسْتَرَة البلاد وتحقيق التناوُب السلمي على السلطة بقوّة القانون، وقد يكون ذلك التناوب لصالح المعارضة مباشرة أو من خلال جهة مستقِلة، وقد يكون لصالح الفريق الحاكم، ولكنه في كلّ الأحوال يبقى إنجازاً تاريخيّاً في بلد لم يعمل بالدستور منذ نشأته، ولم يعرف قطّ غَير الانقلابات العسكرية».
وأضاف «أن يخرُج رئيس للجمهوريّة اليَوم طوعا أو كرها احتراما للدستور، فهذا إنجاز عظيم وانتصار تاريخي لسائر القوى والتيارات الوطنية والديمقراطية، ولا يجوز التفريط فيه ولا تبخيسه ولا التقليل من شأنه، ولذلك، اقتَرَحتُ البناء على هذا المُعطى، والمشاركة في المعركة القادمة لحصد المزيد من المكاسب الديمقراطية، المُهم والأساسي أنْ نستغِل الممكن وما يُتيحُهُ خروج الرئيس وتأثيراته المحتَمَلة، وخَلخَلة قواعده، وتَوسيع دائرة النّسبِيّة، والاستياء العارم من الأوضاع السائدة، حتى نتَجاوَز جسور 2018-2019 بأمن وسلام، ونغرِسَ مبدأ التناوُب على السلطة».