منذ زمن ليس بالبعيد ونحن نطالع أنباء تقول بمحاسبة بعض المسؤولية الحكوميين في الإدارة الموريتانية بتهم الفساد، ولعل أحدث ما خرج إلى النور هو الزلزال الذي ضرب الوزارة الأولى والأمانة العامة للحكومة قبل أيام ثلاث عبر اعتقالات شملت مسؤولين كبار فيهما بتهمة الفساد.
إن ولوجنا إلى الحديث عن الفساد في الدولة الموريتانية يستوجب منا أن نكون موضوعيين ملتزمين بالحياد مبتعدين عن العواطف. فالواقع يقول إن الفساد ينخر جسم هذا الوطن - وإن بوتيرة مختلفة- منذ استلم العسكريون زمام السلطة في موريتانيا فجر يوم 10 يوليو1978م. ولعل للعقلية البدائية الغريبة التي تدار بها البلاد منذ ذلك التاريخ دور في تفشي هذه الظاهرة مما يجعل الحديث عنها يؤلم القلب ويدمي الجراح.
بعد الانقلاب الذي شهدت موريتانيا عام 2005 عكفت السلطات الجديدة على إنشاء جهاز رقابي يعنى بمكافحة الفساد أطلق عليه "المفتشية العامة اللدولة" والتي أنشئت بالمرسوم 2005/122 الصادر يوم 19 سبتمبر 2005. وقد ظل هذا الجهاز عاجزا عن الدور المنوط به بل إنه سخر في بعض الأحيان من أجل تصفية الخصوم السياسيين، ولعلنا نذكر مثال المعارض مولاي العربي ولد مولاي أمحمد الذي أدخل السجن يوم 08/06/2011 بتهمة إفلاس شركة سونمكس وهي التهمة التي عجزت المفتشية العامة للدولة عن تقديم أدلة دامغة عليها.
غير أن ما يحدث اليوم من اعتقالات لمسؤولين داخل الجهاز الحكومي بتهمة محاربة الفساد يخرج الموضوع من خانة الاستهداف السياسي ويضعه في خانة أخرى لم تتضح معالمها بعد، الأمر الذي يحيل إلى أن الفساد منتشر داخل الأجهزة العليا للدولة ويؤكد أنه بلاء عم كل القطاعات.
ومن المفارقات في موضوع المفتشية العامة للدولة أنها لم تعمل يوما على إطلاع الرأي العام الوطني بما تقوم به بشكل دوري، ولا على حجم الأموال التي تستردها ولا على حجم الفساد الذي تجده داخل المؤسسات التي تزورها.
كل الدلائل تؤكد أن الفساد منتشر داخل المؤسسات الإدارية والمستشفيات الوطنية والمراكز التعليمية وهو متداول كسلوك يومي شائع يحدث جهارا نهارا دون الخوف من رقيب ولا حسيب. وكيف ذلك ومن يفترض به حسن التسيير يضرب المثال في الفساد والإفساد و المثل الشعبي يقول: "ألا لشاف الصغير عند لكبير".
إن الوضع القائم عبر المؤشرات المتداولة والتي يمكن الوصول إليها يؤكد أن الكل سلك سبيل الفساد و لكن بسرعات متفاوتة. وهو ما يؤكد أن الفساد هو السلوك المداول لرئيس المصلحة ورئيس القطاع والمدير العام والأمين العام ومن فوقه ومن تحته في السلم الوظيفي.
وهنا يمكن القول إن الفساد تجاوز مرحلة السلوك الفردي الشاذ إلى مرحلة الممارسة الممنهجة، مع ذلك لا زال الأمل قائما في تغير الوضع مع الدور الذي يجب أن يلعبه أرباب الفكر والثقافة في المجتمع بالتوعية من أخطار الفساد وضرره المحدق الذي يوشك أن يقضي على كينونة الدولة ويهدد بقاءها.
نتيجة للأمر الواقع ساءت وضعية المواطنين البسطاء والطبقة المتوسطة وأصبحت ظروفهم المعيشية أسوء بل إن بعضهم وصل إلى مرحلة ما قبل القبور.
قبل الختام يجب التنبيه إلى أن في مجتمعنا أباطرة مردوا على الفساد لا يأملون في أن تتغير العقلية لأنهم يعلمون علم اليقين أن أي تغيير للعقليات وأي فكرة تقدم المجتمع خطوة إلى الأمام وتطهره من فيروس الفساد هي مسمارا يدق في نعشهم، فعلى هؤلاء أن يتصالحوا مع ذواتهم ومجتمعهم وأن يعلموا أن المجتمع أصل وأنهم فرع من فروعه وأن لا بقاء لفرع ذهب أصله.