عدة تطورات في القضية الصحراوية إحدى أطول الأزمات في العالم، بحثها أمس في موريتانيا مبعوث صحراوي خاص مع الرئيس الموريتاني، بينها استئناف المفاوضات المعلقة منذ 2008 الذي ألزم به مجلس الأمن طرفي النزاع الشهر الماضي، وعزم البوليساريو توسيع تحركاتها في المنطقة الحدودية بين موريتانيا والصحراء، ورفض المغرب لأي تغيير في الواقع الإداري لمنطقة النزاع.
وأظهر التلفزيون الرسمي الموريتاني أمس الرئيس محمد ولد عبد العزيز وهو يستقبل أمحمد خداد عضو الأمانة الوطنية لجبهة البوليساريو المبعوث الخاص للرئيس الصحراوي، ويقرأ رسالة خطية مرسلة إليه من إبراهيم غالي رئيس الجمهورية الصحراوية.
وأكد خداد «أن هذه الرسالة تخص العلاقات الثنائية بين موريتانيا والجمهورية الصحراوية وآخر تطورات الأوضاع في المنطقة ومساعي الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لإيجاد حل سلمي ودائم للقضية الصحراوية».
وإذا كانت رسائل القيادة الصحراوية للرئيس الموريتاني رسائل روتينية في العادة، فإن الرسالة التي سلمت أمس تتميز بأهمية خاصة لما يشهده الملف الصحراوي من تطورات ديبلوماسية وسياسية وحتى ربما عسكرية.
وفي هذا السياق، أكد مصدر ديبلوماسي في نواكشوط متابع لهذا الشأن لـ «القدس العربي»، أمس «أن الصحراويين ملوا من الجمود الذي لا نهاية له للقضية الصحراوية وهم يتبنون حاليا خيارين اثنين: فإما الضغط الدولي (الأمريكي بخاصة)، على المغاربة للقبول باستئناف التفاوض بشكل جاد وحقيقي، وإما عودة الصحراويين لشن حرب العصابات والمناوشات لانتزاع حقوقهم».
ويوجد ضمن تطورات الملف الصحراوي الحالية، تصميم الصحراويين على توسيع وجودهم الإداري والعسكري، بنقل مقراتهم ونقاطهم العسكرية والأمنية من مخيمات تندوف إلى بئر لحلو شرقي الجدار العازل في منطقة يسميها الصحراويون «الأراضي المحررة».
وإذا صحت الأدلة المغربية المتعلقة بتسليح حزب الله لجبهة البوليساريو الذي سبب قطع الرباط للعلاقات مع طهران، فإن هذا التسليح سيربك توازن القوة في المنطقة، كما أنه سيضيف معطى جديداً للنزاع قد يقود إلى الحرب، وقد يساعد في دفع المغاربة والصحراويين نحو جولة خامسة من المفاوضات، وهو ما تسعى الولايات المتحدة لتحقيقه حاليا.
واعتمد مجلس الأمن الدولي آخر الشهر الماضي، القرار رقم 2414 حول الصحراء الغربية المقدم من الولايات المتحدة الأمريكية والذي جدد بعثة الأمم المتحدة لمراقبة الصحراء الغربية (مينورسو) لمدة ستة أشهر، كما تضمن ضغطا من المجلس في اتجاه تحقيق نتائج ملموسة وسريعة، والتعاون الجاد مع مبعوث الأمين العام الجديد هورت كوهلر، في الدخول في مفاوضات الجولة القادمة دون شروط مسبقة للتوصل إلى حل واقعي ومقبول من الأطراف بما يفضي إلى تحقيق شعب الصحراء حقه في تقرير المصير.
وأكد القرار « مجلس الأمن الكامل لمسعى الأمين العام ومبعوثه الخاص بإعادة إطلاق المفاوضات بروح دينامية جديدة وروح جديدة بهدف التوصل إلى حل سياسي مقبول من الطرفين، مما سيوفر حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية في سياق الترتيبات المتسقة مع مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، مع مراعاة الجهود التي بذلت منذ عام 2006 والتطورات اللاحقة من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من جميع الأطراف».
وشدد القرار «على ضرورة الاحترام الكامل للاتفاقات العسكرية التي تم التوصل إليها مع بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية فيما يتعلق بوقف إطلاق النار، حاضا الأطراف على الالتزام التام بهذه الاتفاقات».
وأعرب مجلس الأمن عن «قلقه لوجود جبهة البوليساريو في القطاع العازل في منطقة «الكركرات» مطالبا بانسحابها الفوري، وكذا عن قلقه إزاء إعلان جبهة البوليساريو عن نقل معتزم لمهامها الإدارية إلى بئر الحلو، داعيا الجبهة إلى الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات مزعزعة للاستقرار في المنطقة».
وتأتي مهمة المبعوث الصحراوي في موريتانيا شهرين بعد أولى جولة في المنطقة لمبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى الصحراء الغربية هورست كولر خصصها لبحث صيغة لإنهاء الجمود في المفاوضات حول نزاع الصحراء الغربية.
ويشكل جوار موريتانيا للصحراء الغربية ثقلا سياسيا وديبلوماسيا وعسكريا عليها، كما أنه يشكل عامل توتر دائم مع جاريها الآخرين الكبيرين الجزائر والمملكة المغربية.
وتعترف موريتانيا رسمياً منذ عام 1984، بالجمهورية الصحراوية وهو الاعتراف الذي جاء بعد خمس سنوات من توقيعها اتفاق سلام مع جبهة بوليساريو ينهي حالة القتال بينهما وتنسحب بموجبه موريتانيا من جزء كانت تسيطر عليه في الصحراء الغربية.
غير أن هذا الاعتراف الرسمي لم يتطوّر إلى سفارة أو تمثيلية ديبلوماسية قارة للبوليساريو في موريتانيا، فقد شهدت علاقات الطرفين الكثير من المد والجزر وصلت حتى انقطاعها في فترات معيّنة، حسب الظروف الدولية وتغيّر أنظمة الحكم في موريتانيا، وكذا حسب مؤشر العلاقات مع الجزائر أو المغرب، لكن موريتانيا مع ذلك أبقت على شعرة معاوية مع جبهة بوليساريو، وهي الشعرة التي تطول أحيانًا، وتقصر أحيانًا أخرى.
«القدس العربي»