في خضم السخونة السياسية التي تشهدها موريتانيا حاليا مع اقتراب انتخابات سيغادر الرئيس الحالي فيها كرسي الحكم، كان لـ «القدس العربي» لقاء مع الدكتور محمد ولد مولود، الرئيس الدوري للمعارضة الموريتانية وهو السياسي المخضرم الذي ينظر إليه كأبرز المرشحين للرئاسة في انتخابات 2019.
شمل الحديث معه تجليات الوضع العربي، وتطورات الحالة السياسية في موريتانيا، وشؤونا مختلفة أخرى، وفي ما يلي نص الحوار.
○ نبدأ بالوضع في سوريا، ما رأيكم في الوضع الذي يمر به هذا البلد منذ سنوات وفي انعكاسات الضربات الأمريكية والفرنسية والبريطانية الأخيرة على الوضع الداخلي السوري وعلى شبه المنطقة والعالم؟
• الوضع الذي تمر به الشقيقة سوريا منذ أكثر من سبع سنوات، صعب للغاية ولا يمكنه أن يستمر. فهذه الدولة التي كانت من أقوى الدول العربية اقتصاديا وعسكريا تم تدميرها بالكامل، لكن الأخطر من التدمير المادي، هو تدمير وحدة الشعب السوري وجره إلى صراعات طائفية خطيرة يصعب التغلب عليها في الأمد القريب والمتوسط.
كما أن النظام والثوار نسيا معا أن اللجوء إلى العنف يفتح الباب أمام التدخل الأجنبي نظرا لموقع سوريا الجيوستراتيجي، وبالتالي يفقد السوريون التحكم في مصير بلدهم.
الحقيقة أن على الشعوب في الشرق الأوسط من عرب وإيرانيين وأتراك، أن تعي وحدة مصيرهم الذي يهدده الكيان الصهيوني وحلفاؤه من خلال إثارة النعرات الطائفية لتقسيم الشعوب والدول.
إن لب المؤامرة هو إثارة الصراع السني الشيعي في هذه المنطقة وترك الكيان الصهيوني وحلفاءه يحققون أهدافهم للهيمنة على المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية.
إن حل الصراع السوري يتوقف على إدارة السوريين أنفسهم لأزمتهم باعتبارهم ضحايا هذه الحرب المجنونة التي تجاوزت نتائجها المدمرة كل التوقعات، حينما تم تحويل وتحوير طبيعة الصراع من صراع بين النظام والشعب ومحاولة هذا الأخير تغيير نظام الحكم عبر ثورة بدأت سلمية عند انطلاقها، إلى حرب أهلية ذات طبيعة طائفية قبل أن تتحول إلى ساحة مفتوحة لصراعات النفوذ في المنطقة بين مختلف القوى الدولية والإقليمية، لتتحول سوريا إلى فريسة سهلة للجماعات المسلحة من ثوار وجهاديين.
أما عن الضربة الجوية الأخيرة التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، على الأراضي السورية بذريعة معاقبة نظام بشار الأسد، فلا يمكن عزلها عن السياق العام لطبيعة هذا الصراع وتكتيكاته المختلفة، لكن المحصلة النهائية هي أن الشعب السوري والعراقي أصبحا اليوم تحت الوصاية الأجنبية وكأننا عدنا إلى عهد الانتداب، فهو إذن عمل مرفوض ومدان.
أتمنى أن يستوعب السوريون هذا الدرس جيدا، ويقرروا إنقاذ بلدهم بأنفسهم من خلال تفاهم سياسي لا غالب فيه ولا مغلوب، بعد أن فشلت كل رهانات الحسم العسكري والحسابات الأجنبية، فلا النظام استطاع القضاء على المعارضة المسلحة رغم تدخل روسيا وإيران وحزب الله لصالحه، ولا المعارضة المسلحة استطاعت الإطاحة بالنظام، فقد فشلت الأطراف كلها في حسم المعركة عسكريا لصالح أي منهم بعد أزيد من سبع سنوات من الصراع. إن كل هذا يجعل السوريين، أمام مسؤولية تاريخية للبحث عن حل سياسي ينهي هذه المغامرة المجنونة ويضع حدا للتدخل الأجنبي في بلادهم.
○ تحولت حرب اليمن إلى حرب صواريخ، بينما الوضع الداخلي في غاية السوء، كيف تتصورون الوضع وكيف تنظرون لحله وما هي مآلاته؟
• لا يختلف كثيرا، الوضع في اليمن عن الوضع في سوريا، حتى في طبيعة الصراع ونوع التحالفات، حيث يشكل الصراع الطائفي (السني الشيعي) أهم روافد هذا الصراع وأبرز سبب للتدخل الأجنبي.
فقد تحول هذا البلد الشقيق إلى ساحة مفتوحة هي الأخرى، تتنازعها فصائل مسلحة ممولة من بعض القوى الإقليمية التي تستميت من أجل فرض نفوذها تكريسا لتقسيم وتمزيق هذا البلد الشقيق، دون مراعاة التداعيات السياسية والإنسانية لذلك.
لقد وصل القتل والتدمير في اليمن إلى مستوى من الهمجية يندى له جبين كل إنسان، وربما يكون ذلك ضمن أسباب التصدع الذي شهده ما يعرف بالتحالف العربي.
وعطفا على سؤالكم المتعلق بالمآلات، فمن الصعب التنبؤَ بها ولكن في اعتقادي الشخصي أن استمرار هذا الصراع أو إطالة أمده قد يؤدي لا قدر الله، إلى عودة التقسيم الذي عانى منه هذا البلد ودفع ثمنا غاليا من أجل الوحدة، وهو ما يحتم على مختلف أطراف النزاع في اليمن، التفكير بمستقبل بلدهم والجلوس إلى طاولة المفاوضات دون تدخل خارجي لبلورة حل جذري يكون محل إجماع ويراعي واقع البلاد وخصوصيتها وتطلعات شعبها.
○ وما هو تعليقكم على الوضع في ليبيا؟
• قد يكون الوضع في ليبيا رغم تعقيداته مختلفا إلى حد ما في طبيعة الصراع لغياب البعد الطائفي وعدم التدخل الأجنبي المباشر، لكن وجود العصبيات القبلية والجهوية وهيمنتها على المشهد السياسي والأمني يجعل البلد عرضة للتفكك وإنشاء كيانات متناحرة لن تقوم لأي منها أي قائمة.
أتمنى أن تتمكن حكومة الوفاق الوطني من إقناع كافة الأطراف بالوصول إلى حل مشترك في إطار الدولة الواحدة، كما أرجو أن يكون المجتمع الدولي أكثر إيجابية وجدية في التعاطي مع الشأن الليبي. وبالطبع هناك مسؤولية جسيمة على دول المغرب العربي تجاه هذا القطر الشقيق باعتباره أحد أعضائه المؤسسين وهو ما يجعلهم مطالبين أكثر من غيرهم بالسعي الجاد لإيجاد حل سياسي بين فرقاء الأزمة هناك.
○ حزبكم داعم قديم لحركة بوليساريو، والوضع في الصحراء بعد الاحتكاكات الأخيرة وتبادل الاتهامات، يتجه للتصعيد، وظهرت دعوة بإلزام الطرفين بمفاوضات جادة؛ وموريتانيا متأثرة بكل ذلك، ما هي نظرتكم لهذا النزاع ولحله الممكن؟
• موقفنا من قضية الصحراء بدأ بتأييدنا لانطلاقة النضال المسلح لجبهة البوليساريو سنة 1973 ضد الاستعمار الإسباني، منذ أن كنا في الحركة الوطنية الديمقراطية.
كنا إذن، ندعم حق هذا الشعب في تقرير المصير والاستقلال لسنوات قبل اتفاق التقسيم الجائر لهذا الإقليم بين المغرب وموريتانيا.
وبعد انسحاب موريتانيا من الاتفاقية وتوقيعها لاتفاق سلام مع البوليساريو في الجزائر عام 1979 لم تعد طرفا في هذا النزاع وأصبحت تؤيد قرار الأمم المتحدة القاضي بتنظيم الاستفتاء من أجل تقرير مصير الشعب الصحراوي، مع التزام الحياد في النزاع والحفاظ على علاقات ودية مع الطرفين.
إذن نحن متشبثون أولا بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وثانيا حريصون على استمرار الحياد الإيجابي لبلادنا، وثالثا نأمل أن يتحقق عبر الحوار بين المغرب والبوليساريو حل توافقي ينهي هذا الصراع الذي أطال معاناة الشعب الصحراوي وعطل بناء المغرب العربي.
وهذه الاحتكاكات التي أشرتم إليها، من دواعي التسريع بمثل هذا الحل حتى لا تتطور الأمور إلى ما لا تحمد عقباه.
○ بصفتكم رئيسا دوريا لمنتدى المعارضة، ما هي رؤيتكم للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في موريتانيا المقبلة على منعطفات انتخابية مهمة وعلى نهاية مأموريتي الرئيس؟
• الأوضاع هنا في موريتانيا كما تعلمون، صعبة في ظل ما تشهده البلاد من أزمات اقتصادية واجتماعية وأمنية مزمنة وخانقة، فاقمها ما تمر به الآن من جفاف ماحق، لم تتخذ الدولة حتى الآن أي إجراءات جادة للتخفيف من آثاره المدمرة على المواطنين وخاصة في الأرياف.
هذا بالإضافة إلى الأزمة السياسية التي تترنح فيها البلاد منذ عقد من الزمن، وبما أننا مقبلون على انتقال سياسي غير مسبوق كان بإمكان النظام استغلال الفرصة والسعي جديا إلى حل توافقي بين مختلف الفرقاء تمهيدا لانتخابات هادئة وتناوب سلمي على السلطة.
لكن النظام بدلا من ذلك، نشاهده يتمادى في نهج الأحادية والإقصاء ومحاولة فرض أمر الواقع.
أما موقف المعارضة بجميع مكوناتها، فهو المشاركة في هذه الانتخابات والتصدي لأي محاولة تسعى لاختطافها أو التلاعب بها، فهذه الانتخابات مصيرية، وتتيح لبلادنا واحدا من خيارين:
إما تنظيم انتخابات ذات مصداقية يطمئن الجميع لتسييرها ونتائجها وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة تؤسس لبناء دولة القانون والمؤسسات، وهذا هو ما نسعى له جاهدين بكل الطرق سواء عبر الحوار أو من خلال ضغط الشارع، وإما استمرار النظام في نهج الإقصاء والأحادية والتلاعب بالقوانين وبمقدرات الوطن، ما يفتح المجال لا محالة أمام الاضطرابات والإحباط الذي قد يؤدي إلى منزلقات خطيرة لا قدر الله.
أما ما أسميتموه الحوار السري، فكلما في الأمر أن النظام اتصل بالمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، بشكل غير معلن وعبر عن رغبته في نقاش يمهد لحوار جاد، فقبلنا في طبيعة الحال، لأن ذلك ينسجم تماما مع مواقفنا ولأننا على قناعة تامة أن طبيعة الرهانات والمخاطر المحدقة ببلادنا تفرض على جميع الفرقاء السعي من أجل تحقيق إجماع حول قواعد اللعبة حتى تجري الاستحقاقات المقبلة في ظروف هادئة ومقبولة.
○ بعد مقاطعة الانتخابات والاستفتاء، تلهث المعارضة حاليا عبر الحوار السري وراء النظام للحصول على موطئ قدم في التحضير لانتخابات ستنظم على أساس حوار تغيبت عنه، هل من تعليق على هذه المواقف والتناقضات؟
• أولا المعارضة لم ولن تلهث وراء النظام أو أمامه، لا عبر حوار سري أو جهري، فالذي حصل أن النظام هو من بادر بهذه الاتصالات زاعما أنه يرغب في حوار جدي من شأنه إنهاء الأزمة السياسية وضمان مشاركة الجميع في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وفي طبيعة الحال عبرنا له عن استعدادنا لذاك، لكن تجربتنا مع هذا النظام في محاولات الحوار السابقة غير مشجعة، مما جعلنا نتبع معه تكتيكا خاصا تمثل في إبقاء هذه الاتصالات بعيدة عن الأضواء لسببين: الأول هو اختبار مدى جدية النظام والتأكد من أن الأمر ليس مجرد مناورة منه لإلهاء الرأي العام عن مشاكله في المجال الاقتصادي والاجتماعي وشغل المعارضة عن نضالاتها، والثاني: هو توفير الجو الملائم لإنجاح العملية إذا ما كان النظام جديا، وذلك من خلال تخفيف الضغط الإعلامي على الأطراف من أجل التوافق، على الأقل، على أساسيات الحوار في ظروف هادئة.
وفي كل الأحوال كانت مقاربتنا بسيطة، وهي أننا سنكشف لحلفائنا في المعارضة وللرأي العام نتيجة الحوار عندما تكون هناك تنازلات جدية تمثل قاعدة لاتفاق وطني ينهي الأزمة السياسية، أما إذا اكتشفنا أن الأمر مجرد مناورة منه فسننسحب وينتهي الأمر، ونواصل نضالاتنا التعبوية حتى ننتزع حقوقنا المشروعة.
○ ما هو تصوركم لسيناريوهات حظوظ المعارضة في البرلمان المقبل والمجالس الإقليمية وماذَا عن قضية المرشح الموحد للرئاسة؟
• أعتقد أن حظوظ المعارضة واعدة خلال الاستحقاقات المقبلة سواء البرلمانية والجهوية 2018 والرئاسية 2019 إذا ما جرت في ظروف مقبولة من الشفافية، وهذا ما جعلنا نركز في لقاءاتنا مع ممثلي النظام على الضمانات الأساسية لنزاهة الانتخابات.
نحن نراهن على الشعب الموريتاني الذي سئم هذا النظام وسياساته الكارثية في جميع المجالات، أما فيما يتعلق بقضية المرشح الموحد لرئاسيات 2019 فهو أحد الخيارات الجدية التي ندرسها في إطار التهيئة لهذه الاستحقاقات المصيرية، لكن خيار تعدد الترشحات يظل قائما هو الآخر.
○ ذكرتم ان حملة انتساب الحزب الحاكم حسم مسبق قام به النظام للانتخابات المقبلة، هل من تفصيل عن هذه الحملة المثيرة وانعكاساتها المتوقعة؟
• في الحقيقة لم تكن تلك حملة انتساب عادية لحزب سياسي، بل كانت حملة ترغيب وترهيب، استخدمت فيها كل وسائل الدولة وإمكانياتها لحمل المواطن على الانتساب لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وهو ما جعلها مناسبة للتنافس القبلي والجهوي ووسيلة ابتزاز سياسي للموظفين، لكن لا أهمية لكل ذلك، فالجميع يتذكر كيف استطاعت الدولة بالآلية نفسها حشد الجماهير خلال آخر مهرجانات الاستفتاء على الدستور السنة الماضية، وكيف قاطعت تلك الجماهير الاقتراع في اليوم الموالي تلبية لنداء المعارضة.
صحيح، أن استخدام قاعدة بيانات الحالة المدنية ولجنة الانتخابات خلال هذه الحملة يشي بانحياز الدولة وخطر التلاعب بنتائج الانتخابات المقبلة وهذا هو ما أشرت إليه سابقا.
○ يجمع المراقبون على ان الرئيس المقبل سيكون مرشح الرئيس المنصرف حتما وذلك لتحكمه في الناخبين، كيف تتصورون هذا الموقف؟ وكيف ستتعامل المعارضة مع هذا الأمر الذي أصبح على الأبواب؟
• هذا ما تروج له بعض أوساط النظام للتأثير على معنويات الناخبين عموما ومناضلي المعارضة خصوصا، لكن المهم أن الرئيس الحالي سيكون خارج المنافسة في الانتخابات المقبلة وهذه بالمناسبة هي المرة الأولى التي ستجري فيها انتخابات رئاسية في ظل نهاية مأموريتي الرئيس وعدم إمكانية ترشحه قانونيا، وهذا هو ما يميز هذه الانتخابات ويجعلنا نعمل على كسبها، مراهنين على رغبة الشعب القوية في التغيير الذي أصبح حيويا للاستقرار وإخراج البلد من هذه الأزمة الخانقة التي يترنح فيها منذ عقد من الزمن.
ما يضمن هذا التغيير هو وحدة المعارضة التي تجاوزت المنتدى لتشمل عدة أطياف أخرى وازنة أو ما يعرف بمجموعة الثمانية التي تضم كل الأعراق ومختلف المشارب السياسية المعارضة.
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»