انقضى الأسبوع الأول من شهر رمضان وهو الأسبوع الذي يسمّى في التقليد الموريتاني «أسبوع الخيل» لكونه يمر سريعا غير منهك للصيام، وستتلوه «عشرية الإبل، وهي أكثر بطئا وتثاقلا، لتطل آخر الشهر «عشرية الحمير» المنهكة للصائمين الذين سيقطعون فيها الأيام الأخيرة من الشهر.
وضعت حرب السياسة أوزارها كالعادة، وخلد المتجاذبون من معارضة ومولاة للراحة، وجاء خطاب الرئيس الموريتاني بالمناسبة، ليسجل آخر نقاط في هذا التجاذب، حيث دعا الرئيس «لاغتنام هذه الأيام المعدودات، لترسيخ روح الاخوة والتعاون، امتثالا لتعاليم الدين الحنيف، وتعزيزاً لوحدتنا الوطنية، في وجه دعاة التفرقة والفئوية».
وحث الرئيس «على بذل المزيد من الجهد، لإشاعة قيم التسامح والتكافل، والتصدي بالحكمة والموعظة الحسنة لدعوات التطرف والغلو». عبر هذا، يكون شهر الصيام قد ألقى بأجوائه على موريتانيا ليحول ليل الحياة فيها إلى شبه نهار تُعقد فيه السهرات وجلسات الشاي، والنهار إلى شبه ليل حيث يأوي الصائمون للنوم معظم الوقت وينخفض النشاط لأدنى مستوياته بعد نقض الدوام الرسمي بساعات.
وكان الأسبوع الأول من رمضان أسبوع نشاط كبير فالجميع أقبل على أسواق التبضع لاقتناء مستهلكات الصيام، وانتظمت أمام البنوك طوابير الموظفين الذين يبحثون عن تقديم رواتب شهر سيحتاجون إليها بعد أسبوعين لمواجهة مصروفات عيد الفطر.
وفي شهر رمضان يتحول كل شيء إلى الدين والتدين، فالإذاعات والقنوات تتخلى عن برامجها الترفيهية وتستبدلها بقراءة القرآن وبالمواعظ وبحلقات لاستضافة العلماء في برامج مباشرة مع المستمعين والمشاهدين.
وعكس النمط المعاشي العادي، يكون نهار رمضان سكوناً ولباساً وليل رمضان معاشاً، فتكثر المطاعم من وجباتها وتضاعف المخابز كميات خبزها وتطول أمامها طوابير «المستخبزين»، وتزدحم البقالات والمقاهي بالمشترين والساهرين.
وتكون صلاة التراويح النشاط الليلي الكبير الذي يقبل عليه الجميع، وتبادل الزيارات وطلب المسامحة وصلة الرحم في الشهر الفضيل نشاط آخر هام تقوم به الأسر لتنظيف القلوب من الإحن والأحقاد.
وبخصوص الوجبات، فلم يكن الموريتانيون قبل عقدين من الزمن حيث كانت حياة البداوة غالبة، يعرفون الأكلات المتنوعة المعروفة اليوم، فقد كانت المستهلكات في رمضان تقتصر على التمر والماء واللبن الممزوج بالماء والسكر والمعروف محليا بمسمى «الزريق»، إضافة لكاسات الشاي الأخضر التي يدمن عليها الجميع، وكانت الوجبة الرئيسية في رمضان هي وجبة العيش وهي عصيدة تصنع من دقيق الدخن ويخلط عليها الحليب والملح والسكر، أما اليوم فقد تأثرت الموائد الموريتانية بالموائد المغربية وبما تعرضه القنوات التلفزية من وجبات وفنون طبخ.
هكذا انقضى الأسبوع الأول من شهر رمضان على موريتانيا بساعات صومه الطويلة التي تصل هذا العام لخمس عشرة ساعة صوم كاملة.
وفي معين هذا الشهر الفاضل تنغمس موريتانيا، لصقل أدران العراك السياسي المحتدم حول انتخابات 2018 وانتخابات 2019 الرئاسية.
وإذا كان شهر رمضان قد لا يحسم فيه هذا العراك، فإنه، على الأقل، قد يجعل الصائمين من صقور السياسة يضعون «أسلحتهم» أياماً قليلة، ضمن استراحة محارب.
القدس العربي