ألزم إتحاد أئمة السنغال أمس رئيس الوزراء السنغالي الأسبق إدريس سيك بالاعتذار للمسلمين وللعرب والتوبة من تصريحاته التي أكد فيها مؤخراً «أن اليهود هم شعب الله المختار، وأنهم عانوا كثيراً على مر التاريخ، وأن القدس أولى من مكة بأن تكون قبلة يحج الجميع إليها».
وأكد في بيان وزعه أمس بعد مشاورات حول مضامين تصريحات الوزير سيك، وتلقت «القدس العربي»، نسخة منه «أن ما قاله سيك مسيء للنبي إبراهيم وللرسول محمد عليهما السلام، كما أنه يعتبر تجنياً على القضية الفلسطينية التي هي قضية المسلمين الأولى، وموالاة للمحتلين الصهاينة».
«إننا لا نريد الدخول في جدل مع إدريس سيك، يضيف اتحاد أئمة السنغال، لكننا نريد أن نصحح لفائدة مسلمي السنغال، الأخطاء التاريخية والعقائدية الشنيعة التي اقترفها هذا الرجل الجاهل بالتاريخ واستهزأ فيها بالمقدسات الإسلامية ولوّث فيها سمعة السنغال داخل الأمة الإسلامية».
«فبخصوص تبسيط إدريس سك للنضال الذي يخوضه الشعب الفلسطيني لاسترداد أرضه، وقول سيك إنه مجرد صراع بين إخوة، يضيف البيان، نؤكد أنه موقف غريب: إما أن يكون جهلا منه بتاريخ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني أو رغبة في التودد للعصابة الصهيونية المحتلة لتحقيق أهداف غامضة».
وتابع اتحاد أئمة السنغال رده على الوزير سيك قائلا «إن إنشاء دويلة إسرائيل يعود للرابع عشر من مايو/أيار 1948 بعد وعد بلفور المشؤوم الصادر يوم 2 تشرين الثاني / نوفمبر 1917 والذي تعهد فيه للحركة الصهيونية بإيجاد مكان لإيواء اليهود المشردين في العالم، مقابل مشاركة الصهاينة في تمويل الحرب والضغط على الولايات المتحدة لتدعم حلفاء الحرب العالمية الأولى، وهذه الوقائع التاريخية بعيدة كل البعد عما ذكره إدريس سيك بخصوص حصره للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي في صراع قديم بين الإخوة، ولعل إدريس يجهل أن الصهاينة كانوا يسعون لإقامة اليهودية في أوغندا أو الأرجنتين».
وفي ما يتعلق بقول إدريس سيك «أن السيدة سارة زوجة إبراهيم الخليل كانت يهودية يكذبه أنها كانت على دين زوجها إبراهيم عليه السلام الذي أكد الله في سورة آل عمران أنه « ما كان يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين».
وفنّد اتحاد أئمة السنغال تأكيدات إدريس سيك التي قال فيها إن إبراهيم عليه السلام طرد هاجر إلى مكة لفرط غرامه بسارة، مؤكدا «أن هاجر سافرت مع سيدنا إبراهيم بأمر من الله تعالى الذي كلفه وولده إسماعيل ببناء الكعبة المشرفة».
وشدّد في بيانه على «أن الله تعالى حدّد بصورة واضحة في القرآن موقع أداء شعائر الحج، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم أدى مع صحابته، مناسك الحج في الكعبة المشرفة بمكة وفي موقع جبلي الصفا والمروة وفي منى ومزدلفة، وظل المسلمون من سائر أقطار الأرض، يؤدون الحج في هذه المواقع، والسعي لتغيير هذا الأمر أو التشكيك فيه كفر يخرج القائل به من الإسلام».
وأوضح اتحاد أئمة السنغال «أن تصريحات إدريس سك مسيئة كلها للإسلام والمسلمين وبخاصة استهزاءه بنبي الله إبراهيم ووصفه له بـ «العاشق الشبق»، وكذا وصفه للنبي محمد بأنه «عربي بدوي»، كل هذا، يضيف اتحاد أئمة السنغال، يسيء لأكثر من مليار مسلم عبر العالم، كما أن حصر نضال الشعب الفلسطيني من أجل استرداد أرضه وحقوق المغتصبة، في صراع بين إخوة، إساءة بالغة لهذا الشعب البطل والمكافح».
وألزم الاتحاد الوزير إدريس سيك «بسحب علني لأقواله، وتقديم الاعتذار لمسلمي السنغال عن استهزائه بمقدساتهم وعن تلويثه لسمعة شعب السنغال ومساسه بالمرجعيات الإسلامية».
وخلص الاتحاد إلى «أن بيان الرد على أقوال إدريس سيك ليس رداً سياسياً بقدر ما هو دفاع عن الإسلام وأسسه ومقدساته سبيلا للحفاظ على الحقيقة وعلى العدل وعلى السم والاستقرار والانسجام الاجتماعي للسنغال».
وقد قوبلت تصريحات سك بانتقادات واسعة من أوساط دينية وسياسية سنغالية، حيث اعتبرها وزير الشؤون الدينية السنغالي الأسبق محمدو بمب انجاي «تهافتا» و«ترديدا ببغاويا لرواية صهيونية «. وأضاف انجاي «لم أكن لأتابع تهافتات إدريس سك لو لم يكن يطمح للترشح لرئاسة الجمهورية، إذ لا ينبغي لمن يتطلع لتولي منصب رئيس الجمهورية أن يتلاعب بالأمور الخاصة بعقيدة المجتمع، ولا أن يستخف بالقضية الفلسطينية التي نعتبرها قضية جوهرية».
وأضاف انجاي «من أكبر الأخطاء التي ارتكبها صاحبنا إدريس سك في تصريحاته قوله إن الله لم يتكلم في القرآن عن (مكة) وإنما عن (بكة)، وكأنه يجهل أو يتجاهل قوله تعالى في سورة الفتح، آية 24: «وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم». وفي أكثر من آية تكلم المولى جل شأنه وعلا عن مكة المكرمة بألفاظ مختلفة غير أن المقصد كان دائما تلك البقعة المباركة في أرض الحجاز «.
أما سيدي الأمين نياس المتحدر من أسرة نياس المعروفة بمواقفها المؤيدة للقضية الفلسطينية، ورئيس مجموعة «والفجر» الإعلامية السنغالية الخاصة، فقد اعتبر «أن تصريحات سك تخرجه من الإسلام، حيث قال أمس في مؤتمر صحافي مباشر على قناة «والفجر» تابعه الكثيرون «لقد أخرج إدريس سك نفسه من الملة بتصريحاته الجاهلة للدين وللتاريخ».
وهاجم الشيخ منصور مأمون نياس رئيس حزب التجمع من أجل الشعب تصريحات إدريس سك في بيان تلقت «القدس العربي» نسخة منه، وقال «تحمل خرجة إدريس سك التشكيك في قبلة المسلمين وأماكن شعائرهم ساعيا بذلك الى الارتماء في أحضان اليهود وتبني أطروحاتهم القائمة على التزوير وطمس الحقائق وزعزعة العقائد ومحو التاريخ الإنساني والتشكيك في كلما هو يقيني وخاصة عند المسلمين».
هذا وتواصلت أمس في السنغال ردود علماء السنغال وأئمتهم على تصريحات الوزير إدريس سك، وقد خصصت خطب الجمعة أمس في عموم السنغال للرد على الوزير سيك، وللتحذير من «موالاة الصهاينة أعداء الإسلام والمسلمين»، ولتأكيد موقف شعب السنغال المسلم المساند للنضال الفلسطيني من أجل استرداد الأرض والحقوق ومن أجل تحرير القدس السليبة.
القدس العربي