طالب مدوّنون موريتانيون معارضون أمس حكومة الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بالكشف السريع والدقيق عن تفاصيل صفقات استغلال حقول الغاز المسال المكتشفة على الحدود الموريتانية – السنغالية والتي سيبدأ تسويق إنتاجها عام 2021.
وجاءت هذه المطالبة الملحة التي عبّر عنها أبرز المدوّنين بلهجة قاسية أمس، إثر تصريحات أدلى بها مدير شركة المصافي السنغالية لإذاعة فرنسا، وأكد فيها أن استفادة موريتانيا من حقل الغاز الضخم المكتشف ستكون 7 بالمئة بينما ستكون حصة السنغال 18 بالمئة.
واتفق المدوّنون الذين أغضبهم حصول السنغال على حصة أكبر من حصة بلدهم، على توجيه أربعة أسئلة للحكومة وفقاً لما دوّنه الكاتب والمدوّن البارز الحسين محنض، «بناء على أن الحكومة، حسب قولهم، أدرى بملابسات ما وقع في شأن ما أصبح يعرف بـ»قضية الغاز» المثيرة، وتأسيسا على حق المواطن في الحصول على المعلومات.
وبحسب شركة «كوسموس» الأمريكية صاحبة رخص التنقيب والمكتشفة للغاز في موريتانيا والسنغال، فإن حقل الغاز المشترك بين موريتانيا والسنغال، يتألف من بئر (السلحفاة 1) الذي يصبح يدعى (آحميم)، ويضم 117 متراً من الغاز المسال الصافي عالي الجودة، مثلت عند حفرها منتصف 2015 ثاني أكبر اكتشاف صناعي في العالم في ذلك العام، وبئر (گومبل 1) الذي يحتوي على 101 متر من الغاز الصافي ذي الجودة العالية، وقد أظهر حفر هذه البئر أن مخزونها امتداد لمخزون بئر السلحفاة 1 الموريتانية، فبئر گومبل 1 السنغالية تبعد فقط 5 كيلومترات جنوب بئر السلحفاة 1 الموريتانية، وبئر (آحميم 2) التي تضم 78 متراً من الغاز الصافي ممتاز الجودة مكن حفرها من توسيع هذا الحقل المشترك من 50 كلم إلى 90 كلم مربع، ومن تأكيد الترابط بين الآبار الثلاث (السلحفاة 1 الموريتانية، وگومبل 1 السينغالية، وآحميم 2 الموريتانية).
«وإذا صدقت معلومات شركة «كوسموس»، يضيف المدونون، وكان معنى هذه المعلومات أن حصة موريتانيا 195 متراً من الغاز، وحصة السنغال 101 متر (أي الثلثين مقابل الثلث تقريبا) فلماذا يكون عقد التقاسم بين البلدين على أساس التناصف، وليس على أساس نسبة كل طرف؟ لاسيما وأن شركة «بي.بي» البريطانية التي ستتولى استغلال هذا الحقل المشترك، قدرته في الوثيقة المرفقة بـ15 مليار قدم مكعب من الغاز العالي الجودة، أي ما يعادل إنتاج كل إفريقيا الحالي من الغاز لسبع سنوات، وهذا ما يعني 30 إلى 50 سنة من الإنتاج بحسب الوثيقة».
وفي ما يتعلق بالسؤال الثاني، أكد المدونون «أن توقيع اتفاق التقاسم بين موريتانيا والسنغال تعثر لأشهر عديدة لأسباب مجهولة قبل أن يوفد الرئيس الموريتاني وزيره للطاقة إلى الرئيس السنغالي ويدعوه للمجيء إلى موريتانيا لإعادة الدفء إلى علاقات البلدين التي تأثرت جراء وفاة أحد صيادي مدينة سينلوي السنغالية المشهورة على إثر ممارسة قاربه للصيد غير المشروع في المياه الموريتانية، وهي الزيارة التي تمخضت في فبراير/شباط 2018 عن توقيع اتفاق تقاسم إنتاج الغاز بين البلدين، وإصدار تعليمات إلى وزيري الصيد في البلدين للبحث عن تفاهم على اتفاق جديد للصيد بينهما قبل نهاية إبريل 2018».
«فهل كان تعثر توقيع اتفاق تقاسم الإنتاج، يضيف المدوّنون، بسبب الخلاف على النسبة التي يجب أن ترجع إلى كل بلد بحسب مخزونه أم بسبب آخر وما هو ذلك السبب؟، وكيف كانت أزمة الصيد سببا في حل أزمة الغاز؟».
وسأل المدوّنون حكومة ولد عبد العزيز كذلك عن «صحة ما قاله مدير شركة التكرير الإفريقية السنغالية اسرين امبوب على أثير برنامج «لو ديبا آفريكين» من أن السنغال اتفقت في إطار مفاوضاتها على تقاسم الإنتاج مع شركات استخراج الغاز على حصة قدرها 18% مقابل حصة قدرها 7% لموريتانيا؟ ولماذا؟ طبعا السؤال ليس عن الحصص المتعلقة بأسهم كل طرف، نحن نعرف أن حصة بي.بي» من الأسهم 62% و»كوسموس» 28% وموريتانيا 10%، بل عن نسبة الاستفادة المتعلقة بالإنتاج التي ذكرها مدير الشركة السينغالي؟».
«فهل ستكون البنية التحتية الأساسية لهذا الحقل المشترك مع ما يعنيه ذلك من عوائد كبيرة على العمال والمستثمرين والدولة بالتناصف بين الأراضي الموريتانية والسنغالية، يتساءل المدوّنون، أم ستكون أو يكون معظمها على الأراضي السنغالية كما يخشى البعض؟ وهل صحيح أن السنغال ستكون هي بلد التصدير لهذا الغاز أم لا ؟».
ووقعت الحكومتان الموريتانية والسنغالية خلال زيارة قام بها الرئيس السنغالي لموريتاني في فبراير/شباط الماضي، اتفاقا للتعاون لم يكشف عن تفاصيله، على تطوير واستغلال حقل السلحفاة «أحميم الكبير»، الواقع على الحدود البحرية بين البلدين، والذي سيبدأ إنتاجه عام 2021.
ويتألف الاتفاق من خمسين نقطة بينها ثمان وأربعون نقطة مقترحة من السنغال واثنان مقترحتان من الطرف الموريتاني تتعلق بفرض أو إعفاء الغاز المسال المنتج في النطاق المشترك، من المكوس والضرائب.
وينص الاتفاق المستند، على معاهدة أفريج لعام 1976، على التوزيع المتساوي لجميع عائدات الحقل.وطالب سياسيون موريتانيون وسنغاليون معارضون ومستقلون في تصريحات وتدوينات تواصل نشرها والإدلاء بها بعد توقيع اتفاق التناصف، بنشر نص الاتفاق المبرم بين موريتانيا والسنغال يوم التاسع من فبراير/ شباط المنصرم.
وفي نواكشوط، دوّن الحسن ولد محمد زعيم المعارضة الموريتانية مطالبا «بنشر الاتفاق الموقع بين موريتانيا والسنغال».
وقال «مرتاح للاتفاق الذي حصل بين موريتانيا والشقيقة السنغال حول تقاسم حقل الغاز المشترك بين البلدين، ليس لأن ذلك يحقق الألفة بين شعبين شقيقين وينزع فتيل التوتر فحسب، رغم أهمية ذلك، بل لأنه سيساعدنا كموريتانيين في معرفة كامل حصتنا من الغاز، لأن التقاليد الديمقراطية العريقة في السنغال ستجعل الحكومة تعلن للشعب تفاصيل دخله، ونحن بحاجة لما يمكننا من معرفة حصتنا في الغاز بعد أن غُيِّبت عنا أخبار معادننا الأخرى».
وفي داكار طالب نشطاء في المجتمع المدني الرئيس السنغالي بنشر بنود الاتفاق السنغالي الموريتاني حول الغاز قبل المصادقة عليه من طرف النواب لأنه سيكون من الصعب عليهم أن يغيروا نص الاتفاق بعد إقراره.
ودعا إبراهيم ديالو رئيس «تحالف أنشروا ما تصرفون» السنغالي المستقل، بالتعامل مع الاتفاق الموريتاني السنغالي حول الغاز المسال بشفافية تامة».
وقال: «نحن نخوض معركة متواصلة من أجل شفافية تسيير القطاع النفطي والغازي، ولذا نطالب بنشر الاتفاق بين السنغال وموريتانيا حول الغاز المسال».
وأكد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في مقابلة أخيرة له مع مجلة «جون أفريك» الفرنسية «أن الغاز المسال لن يكون هو ما وحده، ما ستتقاسمه موريتانيا مع السنغال لذا كان علينا أن نتوصل بسرعة لاتفاق حول هذا الحقل الذي أكدت شركة «كوسموس» أن استغلاله سيبدأ عام 2021».
وأضاف: «ليس من السهل إبرام مثل هذه الاتفاقيات، ولا يمكن أن نستيقظ يوما ونأخذ ورقة ونوقع اتفاقا، فالاتفاقيات لا بد لها من وقت، وقد اتخذت أنا وأخي الرئيس مكي صال القرار المناسب واتفقنا على تقاسم الإنتاج وعلى إقامة منشآت الاستغلال على حدودنا المشتركة».
وأضاف «نحن في تحضيرنا السريع لاستغلال حقل الغاز المسال، لم نبحث عن مصالح دولتينا فحسب، وإنما حافظنا كذلك على مصالح شعبينا وعلى تحسين مستوى حياة السكان».
هذا ولا يستبعد محللون استراتيجيون متابعون لأوضاع غرب إفريقيا، أن تؤدي الاكتشافات المعلن عنها أخيراً لكميات ضخمة من الغاز الطبيعي الجاهزة للاستغلال، على حدود موريتانيا والسنغال، إلى تحول المنطقة الممتدة من السواحل الموريتانية الى السواحل الغينية من واقعها الحالي لتكون عما قريب نقطة استقطاب دولية قد تغيّر الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ذلك الجزء الذي يطبعه الفقر منذ قرون.
نواكشوط – «القدس العربي»