خُطوط نِتنياهو الحُمر تتناسَل وآخِرُها التَّهديد بِضَرب “حزب الله” ومَصانِع صواريخِه في جَنوب لبنان.. ماذا وَراء حالة “السُّعار” الإسرائيليّة هذهِ؟ ومَن هِي الجَبَهات الثَّلاث الأكثَر تَرجيحًا لاندلاعِ الحَرب؟ وهَل يستطيع العُمق الإسرائيليّ تَحمُّل نَتائِجها؟
كَثيرةٌ هِي الخُطوط الحُمر الإسرائيليّة المَفروضة على الإيرانيين والعَرب العرب، والشُّرَفاء منهم على وَجه الخُصوص، ففي كل يَوم يُضيف بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي خَطًّا جديدًا، ومِن الذي يَردعه من العَرب؟ “افق خلا لك الجو فبيضي واصفري” على قول الشَّاعر.
اليوم أضاف نتنياهو خَطًّا أحمراً جديدًا عندما قال أثناء اجتماع لحُكومَته أنّه سيَوجِّه ضربات قويّة إلى لبنان لمَنع “حزب الله” من تطوير أسلحةٍ غير تقليديّة، أو نقل هذهِ الأسلحة إليه من إيران عبر سورية.
بالأمس قال نتنياهو بأنّه لن يسمح بأيِّ وجودٍ إيرانيّ على الأرضِ السوريّة، مِثلما لن يسمح لإيران بامتلاكِ أسلحةٍ نوويّة مهما كان الثَّمن، لأن هذه الأسلحة سواء كانت تقليديّةً أو غير تقليديّة أو نوويّة مُوجَّهة لإسرائيل، وتَدميرها يأتي في إطار حَق الدِّفاع عن النَّفس، ولماذا لا يَكون للعَرب والإيرانيين حَق الدِّفاع نفسه في مُواجَهة الأسلحة التقليديّة والنوويّة الإسرائيليّة أيضًا.
هذهِ الخُطوط الحُمر وتَفرُّعاتِها، ليست دليلَ قُوّة، وإنّما مُؤشِّر على حالة هَلع، لأنّه ومُنذ حرب عام 1973 باتت إسرائيل تُواجِه خطرًا وجوديًّا حقيقيًّا يًتمثَّل في إيران و”حزب الله” وحركة “حماس″، بعد أن وقَّعت دول المُواجَهة العربيّة (باستثناء سورية) مُعاهَدات “سلام”، بِما في ذلك منظمة التحرير الفِلسطينيّة (اتفاق أوسلو)، صاحِبة القضيّة العربيّة المَركزيّة الأُولى.
***
تهديد نتنياهو بضَرب أي معامَل لـ”حزب الله” تُنتِج صواريخ مُتطوِّرة، اعتمادًا على الخُبرات التقنيّة اللبنانيّة والإيرانيّة هو الأوّل من نَوعِه مُنذ هزيمة بِلاده أثناء عُدوانها على لبنان عام 2006، فمُنذ تِلك الهزيمة لم تَجرؤ القُوّات الإسرائيليّة على شَن أي عُدوانٍ على “حزب الله” لأنّها تُدرِك جيّدًا أنّ الرَّد سيكون قًويًّا ومُكلِفًا لها.
من وَضع خُطًط تفكيك سورية، واستنزاف جيشها، وتشريد المَلايين من أبنائِها، لم يُدرِك مُطلَقًا، ونحن نتحدَّث هُنا عن الأمريكيين والإسرائيليين وحُلفائِهم العرب، أنّه يفتح أبواب سورية على مِصراعيها أمام قُوّات الحُلفاء الإيرانيين والرُّوس إلى جانِب قُوّات “حزب الله”.
قبل اشتعال فَتيل الأزمة السوريّة في آذار (مارس) عام 2011 لم يَكُن هُناك جُنديًّا إيرانيًّا واحِدًا على الأراضي السوريّة، والشَّيء نفسه يُقال عن القُوّات الروسيّة، فمَن يشتكي من وجود هذه القُوّات، والإيرانيّة خاصّة، ويُطالب بسَحبِها هو الذي وَفَّر الأسباب لقُدومِها.
إيران لن تَنسحِب من سورية إلا إذا تَحقَّق شَرطان رئيسيّان:
ـ الأوّل: إذا اندلعت الحرب نتيجة عُدوان إسرائيلي يستهدِف قُوّاتها ووجودها العَسكري وتعرَّضت لهَزيمةً ساحِقة.
ـ الثاني: تعافِي سورية كُليًّا، واستعادة جيشها العربي قُدراتِه العسكريّة، وانسحاب جميع القُوّات الأجنبيّة غير الشرعيّة، وعلى رأسِها الأمريكيّة، وبَسط سِيادة الحُكومة المًركزيّة على جميع الأراضي السوريّة.
الشَّرط الأوّل هو الأكثر تَرجيحًا، أي شَن إسرائيل عُدوانًا على سورية لإخراج القُوّات الإيرانيّة بالقُوّة، لأن الشَّرط الثاني أي استعادة سورية لسِيادَتها على جميع الأراضي السوريّة يحتاج إلى وَقتٍ طويل، في ظِل التَّحشيد الأمريكي، وتَبنِّي واشنطن لمًشاريع تتمحوَر حول تفتيت سورية وإقامة كياناتٍ ضَعيفةٍ لا تستطيع حِماية نفسها، وتَنخرِط في مُعاهداتٍ دِفاعيّةٍ معها على غِرار دول الخليج العربيّة، ولكن ضَمان نتائِج هذه الحَرب لمَصلحة إسرائيل مَوضِع شَك.
الحرب الإسرائيليّة الإيرانيّة على الأرضِ السوريّة تبدو شِبه حتميّة، في ظِل حالة التوتر المُتصاعِدة إثر إلغاء إدارة ترامب للاتفاق النووي الإيراني، واحتمال عودة إيران إلى تخصيب اليورانيوم كرَدٍّ على هذا الإلغاء والعُقوبات الاقتصاديّة الخانِقة التي ستَترتَّب عليه.
هُناك ثلاث جبهات مُرشًّحة للاشتعال بعد تَهديدات نتنياهو المذكورة آنفًا، ونعتقد بأنّه يجب أخذها بعين الاعتبار حتى لو جاءَت في إطارِ الحَرب النفسيّة:
ـ الأولى: الجبهة السوريّة الجنوبيّة، ومنطقة دَرعا وجوارِها، حيث تتزايد التّحشيدات السوريّة والروسيّة في هذا الإطار بعد حسم معارِك تأمين العاصِمة دِمشق، ووجود خُطّة استراتيجيّة لفَتح الحدود السوريّة الأردنيّة، بعد تَعثُّر كُلْ الوَساطات والجُهود التَّفاوضيّة السَّابِقة، ومن الجانِب الأُردني تحديدًا.
ـ الثانية: جبهة جنوب لبنان، وإسرائيل تتحدَّث مُنذ عِدَّة أشهُر عن وجود مصانِع لإنتاج صواريخ مُتعَدِّدة الأحجام والأعداد في الجنوب اللبناني، وعلى يَدِ خُبَراء من “حزب الله” وإيران معًا، وجاء هذا التَّحوُّل بعد استهداف طائِراتٍ إسرائيليّة لشُحنات هذه الصَّواريخ القادِمة من إيران أكثر من مِئة مرَّة أثناء مُرورِها عبر الأراضي السوريّة على مَدى السَّنوات الخَمس الماضِية.
ـ الثالثة: جبهة الجولان، فالضُّغوط الإسرائيليّة تتصاعَد على الولايات المتحدة، وإدارة ترامب، للاعتراف بالسِّيادة الإسرائيليّة على هذه الأراضي السوريّة المُحتلَّة، خاصَّةً بعد ضَمان الدَّعم الأمريكي لضَم القُدس، والاعتراف بِها عاصِمةً للدَّولةِ الإسرائيليّة، ونَقل السفارة الأمريكيّة إليها.
***
لا نَعرِف من أين ستَأتي شرارة التفجير، ومِن أي جَبهة من الجَبهات الثَّلاث، لكنّها تبدو شِبه حتميّةً في ظِل وجود إدارةٍ أمريكيّةٍ يتزعَّمها ترامب ومجموعة من الصُّقور المُؤيِّدين لإسرائيل مِثل جون بولتون (الأمن القومي)، ومايك بومبيو (الخارجيّة)، وجيم ماتيس (الدِّفاع)، وتُدَار من قبل نِتنياهو مُباشرةً، ممّا يعني أنّ الفُرصة باتت مُواتِية لعُدوانٍ إسرائيليٍّ وقد لا تتكرَّر.
أيُّ عُدوانٍ إسرائيليٍ شامِل، سواء كان على سورية أو جنوب لبنان، لن يَمُر دون رَدٍّ في أغلب الأحوال، إن لم يكن كلها، والسُّؤال الذي يًطرح نفسه هو عمّا إذا كانت إسرائيل تَحتَمِل مِثل هذا الرَّد؟
نَترُك الإجابة لعمير بيرتس، وزير الحرب الإسرائيلي، اثناء عدوان عام 2006 على جنوب لبنان، الذي قال في تصريحاتٍ لصحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم أنٍ الجبهة الداخليّة الإسرائيليّة غير مُهيَّئة لمُواجَهة مِئات الآلاف من الصَّواريخ من إيران وحزب الله لأنّها ستَستهدِف كُل مكان في إسرائيل، وهُناك نَقصٌ كبيرٌ في المَلاجِئ، وأضاف بأنّ حزب الله أطلق حواليّ 4000 صاروخ يَوميًّا في حرب تموز عام 2006 ولمُدَّة 33 يًومًا، فكم سيكون عدد الصواريخ التي يُطلِقها الآن بعد تضاعُف قُدراتِه الصاروخيّة عِدَّة مَرَّات، وهل تستطيع القُبب الحديديّة التَّصدِّي لهذا العَدد من الصَّواريخ دُفعَةً واحِدة؟
ليَضع نِتنياهو ما يَشاء من الخُطوط الحُمر، وليُطلِق ما يَشاء من التًّهديدات، فهذهِ كلها مُؤشِّرات على حالة الهَلع التي يعيشها لأنّه باتَ يَشعُر بأنّ السِّحر في سورية بَدأ ينقلب على السَّاحِر الأمريكي وحُلفائِه في المِنطَقة، وعلى رأسِهم دولة الاحتلال الإسرائيلي.. والحَرب إذا اشتعل فتيلها في المِنطقة ستكون مُختلِفَةً هذهِ المَرّة عن كُل الحُروب السَّابِقة، وإسرائيل أبرز ضحاياها.. أمّا نحن العَرب والمُسلمين فليس لدينا الكَثير الذي يُمكِن أن نَخسره بعد أن وَصَل حالنا إلى قاعِ القاع وما تَحته.. وبَلَغ الهوان ذَروته.