لرمضان في موريتانيا بل وفي مناطق واسعة من الصحراء الكبرى طقوس وله إرهاصات أيضا، وما أدراك ما هذه الطقوس!
ليس هناك شيطان محرر في هذا الشهر، فالشياطين قيدوا أول الشهر ولن يطلق سراحهم إلا ليلة القدر. لا خوف على أحد من الأحلام المزعجة، ولن يصاب أحد بالجنون فالمردة كلهم مقيدون.
في رمضان إرهاصات أخرى، فالرؤوس محلوقة بالكامل لدى الباحثين عن شعر رمضان المبارك، فبذلك الشعر النابت مع أيام الشهر الكريم تزداد الأرزاق وتتنور الوجوه وتتفتح بروج السعد وتوصد بروج النحس.
أما لحى رمضان فهي عادة مشهورة يطلقها الكثيرون إظهارا للتدين في هذا الشهر. فقليل من يحلق لحيته في رمضان. واللحية الرمضانية، كما عرفها الأديب الشيخ فال عبد اللطيف «لحية مؤقتة لم تأت للتلبيس ولا للتدليس، تنبت في سرار شهر شعبان وتنمو مع أيام رمضان وتحصد ضحوة أول يوم من شوال».
إنها، حسب عبد اللطيف، «لحية موسمية مؤقتة أطلقت تماشيا مع قدسية الشهر المعظم أطلقها صاحبها برسم ذلك كما يقلع المترفون في هذا الشهر المبارك عن الربا والزنا والإثم والعدوان ومعصية الرسول، حتى إذا انتهى الشهر وطارت ملائكة ليلة القدر وروحها إلى حيث شاء الله، طارت اللحية كذلك إلى حيث شاء الله ورجع المترفون والمخلطون إلى ما عودوا عليه أنفسهم قبل رمضان ثم استأنفوا العمل، ثم إن ربك من بعدها لغفور رحيم».
ويقول عبد اللطيف «أن للناس في لحاهم مذاهب شتى، فمنهم الحالق المنْهِكُ الذي لا يبقي ولا يذر ما عرفه الناس بلحيته ولا شارب ولا رآه كاذب ولا صادق كذلك، فقد خصص للشارب وأخته اللحية نصف ساعة من وقته الثمين كل صباح، يمضيه لإزالة ما أنبته الله بالليل. ومنهم المعفي المرسل، من ألقى للحيته الحبل على الغارب فطالت واسْبَكَرتْ وتمددت عرضا وطولا ما شاء الله لها أن تتمدد ثم تجعدت فملأت بين السحر إلى النحر فكست صاحبها هيبة ووقارا، ما عرفت مدية ولا موسى طول دهرها.
ومن الناس من يشذب لحيته فيصير لا حالقا ولا معفيا منزلة بين المنزلتين، يأتيها من هنا ومن هناك حتى لم يغادر منها إلا الشيء القليل أشبه ما يكون بهذه الأعشاب القصيرة التي تنبت في حمل السيل حين يمر بالقيعة الأجادب، ومنهم من يدع من لحيته قدر الهلال يتكاذب الناس هل هو ابن ليلة أو ليلتين، وربما غيم هذا الهلال في تجاعيد الجسد أو النباتات الفطرية.
ومنهم، من يحلق لحيته على حرف فإذا عرضت له رغبة في الدنيا وزخرفها أخذ من لحيته أخذا صالحا، وإذا اعتراه فيها زهد أعفى منها، فهو الحليق إذا صلحت الحال وأثمرت الأموال وحصل الجاه، وهو الملتحي إذا حصل في المال أو الأنفس شيء من نوائب هذا الدهر مؤذن بزوال هذه الفانية».
ومن أجناس الملتحين حسب تصنيفات عبد اللطيف، «من يتكسب بلحيته ويأكل بها الخبز فليس من الإنصاف في شيء أن تطالبه بقص مصدر رزقه، وغالب الناس لا يفرق بين اللحية والشارب إما يعفيهما معا أو يجعل موساهما واحدة كما يقال، والنادر منهم من ينحو نحو خَرْخَرَةَ وبابويه.
ومن غرائب الملتحين من يحدث لحية يصبر عليها السنة والسنتين فيعرفه الناس بها ويألفونه بحيث تكون جزءا لا يتجزأ من شخصيته المحترمة ثم يصبح يوما من الأيام وقد أطعمها الشفرة، فيظهر للناس بغتة فيفرون منه أول وهلة قبل أن يعرفوا من هو وأين يمضي».
وكذلك الرجل، يقول عبد اللطيف، يعرفه الناس حليقا طليقا ويشتهر بذلك في أسواق المسلمين ويعامله الناس على ذلك الأساس ثم يغيب عن الأعين برهة من الزمن ثم يظهر لهم بغتة بلحية من لحى ابن الرومي، فلا يكادون يعرفونه إلا بعد التوسم والتوهم، يقولون أما اللمة فلمة فلان وأما هذه اللحية وهذا الشارب فلا نعرفهما، وربما قالوا: والله لقد جُنّ الأعور بعدنا.
هكذا حياة أهل الصحراء في رمضان، استقرار نفسي لتقييد الشياطين في هذا الشهر، وحلاقة الرؤوس استجلابا لشعر رمضان المبارك الأبرك، ولحى موسمية تطلق أول الشهر وتحلق آخره.
«القدس العربي» ـ عبد الله مولود