أثار إعلان منتخب الأرجنتين لكرة القدم إلغاء مباراته مع المنتخب الإسرائيلي في القدس المحتلة، مشاعر حادّة في العالم، فقد اعتبره الفلسطينيون، بحقّ، نصراً معتبراً لقضيّتهم، وخذلاناً لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وبشكل خاص لرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، ووزيرة الثقافة والرياضة المتغطرسة ميري ريغيف التي أصرّت على نقل المباراة من حيفا إلى القدس، وتبجحت بقدرتها على الضغط على الفريق الأرجنتيني (وكذلك على الرئيس الأرجنتيني ماوريثيو ماكري نفسه الذي تلقى اتصالا من نتنياهو لإجبار الفريق على تغيير قراره)، وعلى كسر نفوذ حركة المقاطعة العالمية المناصرة لفلسطين.
الخطة الإسرائيلية لم تعتمد على ضغط اللوبي اليهودي القويّ في الأرجنتين فحسب، ولكن على استخدام المال لإغراء الفريق الأرجنتيني (مليونا دولار للمشاركة).
أرادت ريغيف، ببساطة، الترويج لقرار «اغتصاب» القدس المدعوم أمريكيا، والاستهزاء، في الوقت نفسه، بدماء الفلسطينيين الذين ما انفكّوا، منذ إعلان قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يندفعون أفواجاً للدفاع بأرواحهم عن عاصمتهم السياسية والدينية.
مدفوعة بحمى من الغطرسة والتكبّر والوقاحة الهائلة، حاولت الوزيرة العنصرية، فرض القرار القسريّ على إدارة الفريق، رغم رفض المدرّب خورخيه سامباولي لذلك (لأنه يتنافى مع الخطة المهنيّة لفريقه، وسيؤثر على سوية لعب المنتخب الذاهب إلى مونديال روسيا)، ونتيجة ثقتها بجبروت إسرائيل العابر للرياضة والسياسة والقارات، فقد نظمت وزارتها عملية بيع التذاكر سلفاً! إضافة إلى الغرض الضمني المطلوب: تأييد الوحشية السياسية المخضّبة بدماء الفلسطينيين ونكبات أرضهم المحتلة، فقد كان مخططا للمباراة أن تكون استعراضا كبيرا بوجود اللاعب الأشهر (والأفضل ربما) في العالم ليونيل ميسي، وهو استعراض كان المطلوب منه أن يفوق، بسبب معانيه السياسية، ما حصل في مسابقة «يوروفيجن» لهذا العام والتي فازت فيها مغنّية إسرائيلية (وهو ربّما سيجعل إسرائيل تفكر مليّا قبل محاولة فرض مشاركة فرق العالم الغنائية العام المقبل في القدس التي بدأت تتلقى اعتراضات كبيرة).
لقد تمكن اتحاد كرة القدم الأرجنتيني، والمنتخب الأرجنتيني وقائده ليونيل ميسي، من النجاة من ورطة أخلاقية كبيرة لاستغلاله في خدمة حرب ترامب وإسرائيل على الفلسطينيين والعالم، وقد كان بليغا اعتبار هذا الاتحاد قراره مساهمة في السلام العالمي. من حق المساهمين في إنجاز هذا العمل الجليل، تسميتهم، وعلى رأسهم، بالطبع، حركة مقاطعة إسرائيل في العالم BDS، ومناصرو القضية الفلسطينية في الأرجنتين واسبانيا، الذين قاموا باحتجاجات على مرأى من الفريق الأرجنتيني. وكان مثيراً للسخرية أن تعتبر وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية، وبعض وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة، تلك الاحتجاجات إرهابا، كما هي عادة العنصريين والمحتلين والمستبدين حين لا تنتهي الأمور كما يرغبون.
هذه المباراة التي لم تحصل كانت أجمل مباريات مونديال السياسة والرياضة.
ميسي 1 إسرائيل 0: هنيئا للفلسطينيين والعالم.
رأي القدس