ذاقت الجماهير العربية بمختلف جنسياتها من المحيط إلى الخليج، طعم ومرارة «العلقم»، بالبداية المتواضعة جدا لثلاثة من ممثلي لغة «الضاد» في نهائيات كأس العالم 2018، استهلها المنتخب السعودي بكابوس مشابه لكوابيس 2002، بهزيمة نكراء على يد البلد المنظم، وصلت نتيجتها لخماسية نظيفة، وتبعه المنتخب المصري بسقوط ساذج جدا أمام أوروغواي في آخر لحظات الوقت الأصلي، وبنفس الكيفية، بل ربما أكثر قهرا، ذبح المنتخب المغربي نفسه بنفسه أمام نظيره الإيراني بهدف بالنيران الصديقة في الدقيقة الأخيرة من الوقت المحتسب بدل الضائع.
«سودوا وجهي»
من تابع ردود الأفعال على تسونامي خماسية الدب الروسي في الأخضر السعودي، لاحظ كم «الطقطقة» غير المسبوقة على أشخاص مُعينين، في مقدمتهم رئيس هيئة الرياضة تركي آل الشيخ، الذي بدا وكأنه استفاق على الكابوس، في البيان المُرفق بمقطع الفيديو الشهير بعبارة «سودوا وجهي»، إشارة إلى الأداء الأقل من المتواضع الذي ظهر عليه رجال المدرب خوان أنطونيو بيتزي، في أول حضور لمنتخب عربي في مباراة افتتاحية لكأس العالم، ويُحسب للشيخ هذه المرة، أنه تّحلى بنصف شجاعة الاعتراف، بإقرار موثق أنه شريك مع اللاعبين في المهزلة، لكن بدون التطرق من قريب ولا بعيد بالشق المتعلق به هو شخصيا، فقط كما شاهدنا وسمعنا. أفرط في معايرة كل اللاعبين بدون استثناء، مُستخدما لغة المال كعادته، بالتشهير للمعاملة «10 نجوم» التي يتمتع بها كل أفراد المنتخب، من أصغر عامل إلى أكبر مسؤول، ليُزيد احتقان وغضب الجماهير تجاه اللاعبين، وهو يقول: «صرفنا رواتبهم ثلاث سنوات»، هذا بجانب المعسكر الخيالي وبرنامج الإعداد المثالي بتحضير مباريات ودية أمام منتخبات عالمية من نوعية أبطال العالم السابقين إيطاليا وألمانيا.
لقد حاول الوزير توجيه سهام النقد على اللاعبين، لكن بالمصطلح الدارج الذي يراه يوميا عبر كل صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي «ردت في صدره»، بعاصفة من الغضب في بيت السعوديين «تويتر»، تجلت في آلاف التغريدات الساخرة منه قبل اللاعبين والمدرب، لعدم احترامه عقول أبسط المتابعين العاديين. يقول زميلي الصحفي الذي أخشى ذكر اسمه حفاظا على وظيفته التي يتربح منها دخله الشهري من أحد الصحف التي يُديرها الديوان الملكي من وراء الكواليس «والله الهزيمة متوقعة. إيش اقولك يا صديقي، هذه نتيجة التخبط والعبث بقرارات تُحدد مصير أمم».
صحيح صديقي الذي يطل على المستمعين يوميا لتقديم برنامج في إذاعة محلية ساحلية، اكتفى بجملة قصيرة جدا، لكنها انعكست في ردود الأفعال على الهزيمة، خصوصا ردود الأفعال في مواقع التواصل الاجتماعي، بعيدا عن الشكليات وخيمة القناة الرياضية الحكومية التي علقت «المشانق للاعبين بعد عودتهم»، فهناك في العالم الافتراضي حالة غضب تبدو كالقنبلة التي أوشكت على الانفجار في وجه الوزير، الذي أخفى نصف الحقيقة في خطاب السواد الأعظم. أسمع في أُذني صوت يقول وما هي نصف الحقيقة المخفية؟ أليس كذلك؟
الجواب بسيط جدا، ويحتاج فقط العودة إلى الوراء ستة أشهر فقط. آنذاك قام الشيخ بإرسال دفعة من اللاعبين السعوديين منهم أفضل لاعب في العالم فهد المولد، صاحب هدف العودة لنهائيات كأس العالم بعد غياب 12 عاما، لخوض إعارة في الليغا الإسبانية مع ليفانتي بموجب اتفاقية الاتحاد السعودي مع رابطة الليغا، وشملت القائمة أيضا يحيى الشهري وسالم الدوسري، والثلاثة من الأعمدة الأساسية للمنتخب، فكانت أول ضربة بالمطرقة على رأس السعوديين في بداية العام الجديد، وسبقها تخبط غير مفهوم بعدم الموافقة على الإبقاء على المدرب الذي قاد المنتخب للوصول للمونديال بيرت فان مارفيك، وجلب إدغاردو باوزا بعد تجربته القصيرة مع الإمارات وما تبعه من إقالته لسوء الأداء والنتائج في مباريات ودية وتعيين بيتزي، ليتعاقب على تدريب المنتخب ثلاثة مدربين في ظرف ثمانية أشهر فقط، وما زاد الطين بلة في الأسابيع القليلة الماضية، انشغاله بصراعاته الشخصية على حساب مصلحة المنتخب، بتفريغ وقت طويل لتعليقات على «فيسبوك» وإعلانات على «يوتيوب» ممولة للمحامي محمد حمودة، وهو يتفاخر برفع دعوى قضائية على أعضاء مجلس إدارة النادي الأهلي، وتبعها وصمة العار بمساندة ودعم الملف الأمريكي المُشترك لتنظيم كأس العالم 2026 على حساب الملف المغربي، وفي الأخير تذكر أن هناك منتخبا مُقبلا على المونديال، وحتى عندما سافر، تعمد إثارة الجدل وزيادة التوتر بين مشجعي مصر والسعودية، بتصريح لا يُمكن فهمه أو تفسيره إلا أنه من النوع المُستفز، بقوله «ربنا يشفي صلاح لكن بعد المونديال»، ومن حسن حظه أنه وجد الحماية الكافية من أفراد وحرس المطار الروسي في الوقت المناسب، وإلا كان سيندم على ما قاله.
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
هذه تقريبا نصف الحقيقة التي حاول تركي آل الشيخ الاحتفاظ بها لنفسه ومن ورائه، لم يتحدث عنها المُقدمين ولا النقاد عبر الشاشات الحكومية، أما ما يَخص اللاعبين، فالأمر يتعلق بالإمكانات والقدرات الفردية. تعرف عزيزي قارئ «القدس العربي». قائمة المنتخب السعودي هي الأقصر من حيث القامة في كل المنتخبات والأكثر بدانة! لذلك منطقيا وبديهيا أن تقول لنا لغة الأرقام أنه من أصل 50 حوارا فضائيا (بصوت رؤوف خليف)، فاز لاعبو السعودية بـ13 فقط، ناهيك عن الكوارث الدفاعية، وبالأخص عقدة التعامل مع الكرات العرضية، التي استقبلت منها الشباك 14 هدفا، أكثر من أي منتخب آخر في تاريخ نهائيات كـــأس الـــعــالم، وأرقام أخـــرى سلــبــية، مـنـــها الفشل في الحفاظ على نظافة الشباك في المونديال للمرة الـ13 من أصل 14 مباراة.
تُريد أسوأ من ذلك؟ للمرة الأولى في تاريخ المباريات الافتتاحية يفشل منتخب في تسديدة ولو كرة واحدة على الطرف الآخر على مدار 90 دقيقة، وهي كذلك ثاني أسوأ هزيمة في الافتتاح، بعد هزيمة أمريكا أمام إيطاليا 7-1 عام 1934، حتى أسوأ من هزيمة باراغواي أمام فرنسا عام 1938، لكن ما يشفع لأمريكا وباراغواي أن إيطاليا وفرنسا فازتا في النهاية باللقب… فهل ستفعلها روسيا؟ علما أننا لم نتطرق عن رفاهية اللاعب السعودي ولا بالتأخر الزمني بينه وبين المحترفين في أوروبا، كما يخذل أنصاره بالنتائج التي تضعه في باب المجد من الباب الخلفي، أو بمعنى أدق هزائم كنا نعتقد أنها اختفت من التاريخ كما حدث في ليلة العيد وقبل عقد ونصف العقد أمام ألمانيا يوم مذبحة الثمانية، لكن لنكن مُنصفين، هذا لم يكن سبب تّحول المنتخب السعودي لوجبة دسمة لنشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، لكن مواقف الشيخ الأخيرة، ساهمت في جرعة «الطقطقة» أكثر من أي وقت مضى، بالذات من المغاربة والمصريين، الذين احتفلوا على الوزير على «تويتر»، ولأن المسألة بالفعل تتعلق بالقدرات والإمكانات الفردية، قُل لي بالله عليك أي فرصة هذه أفضل من مباراة افتتاحية العالم يراها ويُشاهدها ولي العهد ورئيس روسيا ورئيس الاتحاد الدولي؟ إن لم تُقدم أفضل ما لديك أمام منافس في المتناول كما كان يُروج الإعلام السعودي؟ الأمر ببساطة كما تقول الآية «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسا إِلا وُسْعَهَا»، لو دققنا النظر في معدل ركض لاعبي كلا المنتخبين، سنجد أن المنتخب الروسي ركض 12 كيلومترا أكثر من السعودي، بخلاف التفوق الكاسح في ألعاب الهواء الذي أشرنا إليه، فكانت المحصلة بعد هذا السرد هزيمة أشبه بالكابوس لا يتمنى المشجع السعودي رؤيته مرة أخرى.
سذاجة الانتحار
لم يعد هناك أدنى مجال للشك، أن كوبر سيبقى هو كوبر. لن يتغير أبدا، هذه ليست بداية تهجمية. بالعكس، وجهة نظره تُحترم كمدرب يؤمن بالتفاصيل البسيطة، ويعرف كيف يُبقي المباراة مُعلقة لأطول فترة ممكنة، على أمل إما أن يخطف فريقه المباراة بلعبة عبقرية من صلاح أو حل فردي من تريزيجيه أو يخسر في اللحظات الأخيرة، كما حدث أمام الكاميرون في نهائي كأس الامم الافريقية 2017 وأمام البرتغال في ودية مارس ومباريات أخرى، لكن المُحير فعلاً. السذاجة الدفاعية وقلة التركيز التي تضرب لاعبي الوسط والمدافعين في الكرات الثابتة والعرضيات، فبعد أداء يندرج تحت مُسمى «بطولي» طوال 90 دقيقة، في لحظة ينهار كل شيء في ركلة ثابتة أو ركنية كما فعل خيمينيز ومن قبله رونالدو وأغلب الأهداف التي استقبلتها شباك الفراعنة في عهد المدرب الأرجنتيني، لكن بغض النظر عن النتيجة، فالمعنويات في المعسكر المصري تبدو أهدأ وأكثر استقرارا من السعودية وكذلك المغرب، فمع الأخضر لا تستبعد أن تستيقظ على قرار مفاجئ في الفجر، وأسود أطلس، قضوا على أنفسهم بالهدف العكسي الذي سجله عزيز بوهدوز في شباكه في الوقت المحتسب بدل الضائع، قبل مقارعة البرتغال وإسبانيا وهما في أفضل حالاتهما كما عكست مباراتهما معا، الأجمل في البطولة، التي انتهت بالتعادل 3-3 في ليلة الملك كريستيانو رونالدو بأهدافه الثلاثة (الهاتريك)، ليُنهي عقدته مع الماتدور.
بالعودة إلى الفراعنة. النتيجة في حد ذاتها، عكست السجل المتواضع لمنتخبهم في المونديال، فهي خامس مباراة لهم في تاريخ المونديال، ولم يعرفوا من قبل طعم الهزيمة، تعادلوا قبل مواجهة أوروغواي مباراتين وخسروا مثلهما، حتى في معدل الأهداف، استقبلت شباكهم ست أهداف وسجلوا ثلاثة، آخرها هدف مجدي عبدالغني، الذي كان من داخله أكثر السعداء بالهزيمة، ليس فقط تشفيا في رئيس الاتحاد المهندس هاني أبو ريدة، بعد صفعة استبعاده من رئاسة البعثة، على خلفية تسهيل إسقاط النجوم في برنامج المقالب «رامز تحت الصفر»، ومشكلة أخرى تتعلق باتهامه بالتعدي على أحد أفراد شركة الملابس الرياضية الراعية لقميص المنتخب، أو شيء آخر من هذا القبيل، بل أيضا لأنه سيستمر في قهر أبناء جلدته بتذكيرهم بهدفه في مرمى الحارس الهولندي بروكلين في مونديال 1990. لكن واقعيا، يُمكن القول أن ردود الأفعال جاءت إيجابية على الأداء الذي ظهر به المنتخب المصري أمام السفاح لويس سواريز ورفاقه، وأكثر من خطف الأضواء، واستحق ذلك، هو الحارس الموهوب محمد الشناوي، الذي فاز بجائزة لاعب المباراة، بفضل تصدياته الرائعة، اثنان منها أخرجهما بطريقة لا تُصدق، الأولى في انفراد صريح مع مهاجم برشلونة، والثانية برشاقة ورد فعل مُذهلة في إبعاد تسديدة كافاني الماكرة في أقصى الجهة اليمنى، وهذا في حد ذاته مكسب كبير للمنتخب، لأن حراسة المرمى كانت من المشاكل التي تؤرق المشجعين قبل البطولة، خاصة بعد استبعاد الحارس المتميز محمد عواد، والإصرار على شناوي الأهلي وشريف إكرامي بجانب المخضرم الحضري، أضف إلى ذلك، المكسب الأهم باستعادة السلاح الرادع محمد صلاح، الذي وضح تأثير غيابه على خط الهجوم، بجانب المكسب المعنوي الهام، بإثبات اللاعبين أنهم ليسوا منتخب صلاح، بندية وصمود أمام أحد أعرق منتخبات العالم، وبطل المونديال مرتين من قبل طوال الوقت الأصلي للمباراة، وضح في الجرأة غير المعتادة في بداية الشوط الثاني التي كان ينقصــها فقــط التركيز في اللمسة الأخيرة على حدود منطقة جزاء المنافس اللاتيني.
هل هناك أمل؟
لا أخفيكم سرا… على المستوى الشخصي يُراودني شعور أن الأمس لم يتغير أبدا ولن يتغير. هذه ليست نظرة تشاؤمية! بل استنادا إلى واقع منتخباتنا العربية في المونديال، باستثناء ما فعلته الجزائر في النسخة الماضية، كما أوضحنا… لعنة العرضيات بالنسبة للسعوديين باتت أشبه بالعدو الذي يستحق الدعاء عليه في الليالي المباركة، ومصر مع كوبر ممنوعة على أصحاب القلوب الضعيفة، حتى المغرب أصابني بسكتة كروية، وكأن الزمن عاد 20 عاما بسيناريو أكثر قسوة من مباراة الهفوات الدفاعية العجيبة أمام النرويج في افتتاح مباريات المجموعة الأولى في مونديال فرنسا 1998، الفارق أن العمر تقدم 20 عاما والأخطاء الفردية أو بالأحرى النيران الصديقة، ما زالت كابوس المغاربة، أمس كان يوسف شيبو بالتعاون مع الحارس إدريس بن زكري، واليوم عزيز بوهدوز! لذا لم يَعد أمام رينار ورجاله غير ما قاله في فترة التحضير، بالسير على خطى محاربي الصحراء في مباراتهم الخالدة أمام ألمانيا قبل أربع سنوات.
أما البرتغال بقيادة الفتاك كريستيانو رونالدو وإسبانيا المُرشحة للعودة إلى أراضيها بالكأس، لا يُمكن لأي مدرب أن يصنع الفارق بنفسه، حتى لو كان سير أليكس فيرغسون، في مثل هذه المباريات، يتوقف الأمر على اللاعبين وجوعهم لإحداث مفاجأة عكس كل التوقعات، وهذا فعله السير عندما كان مُدربا لأبردين في الثمانينات، يقول في كتابه عن سيرته الذاتية كان في كل مباراة يُحفز اللاعبين لإسقاط خصومهم واحدا تلو الآخر في البطولة الأوروبية، بقوله «منافسنا ليس ريال مدريد»، وعندما جاءت لحظة الحقيقة بصدام عملاق القارة العجوز في النهائي قال لهم «ليس لدي ما أقوله… الآن الأمر متروك لكم… ستواجهون ريال مدريد أكبر فريق في أوروبا»، لتحدث المعجزة ويفوز الفريق الاسكتلندي يوم 11 مايو عام 1983 بنتيجة 2-1 بعد وصول المباراة للأشواط الإضافية بانتهاء وقتها الأصلي بالتعادل 1-1، مع «أسود الأطلس» لن تكون هناك أشواط إضافية، لكنهم بحاجة لواحدة من مثل هذه المعجزات، إذا أرادوا إعادة كتابة التاريخ من جديد. أيضا وضع مصر من ناحية المنطق بعيدا عن العاطفة، يبدو لا يختلف كثيرا عن المغرب.
سؤال: منذ متى يخرج البلد المنظم من الدور الأول باستثناء جنوب أفريقيا؟ دعك من المؤامرة التحكيمية. عامل الأرض والجمهور والدفعة المعنوية بعد خماسية السعودية، كلها مؤشرات الى أن المنتخب المصري سيكون أمام تحدٍ لا يقل صعوبة عن لقاء أوروغواي، علما أنه لا بديل سوى الفوز على الدب الروسي ثم على السعودية في اللقاء الثالث، وما أدراك ما السعودية إذا واجهت مصر في مباراة مصيرية. أو أي لقاء عربي خالص في موعد كهذا، من الصعب توقع حدوث أي شيء.
الآن دعونا ننتظر مفاجأة سارة من نسور قرطاج في اختبارهم الصعب أمام مهد كرة القدم المنتخب الإنكليزي، في سهرة الغد الاثنين، لحفظ ماء وجه العرب من جانب، وكذا ليحصل نبيل معلول ورجاله على دفعة معنوية هائلة قبل اللقاء الأصعب ضد المنتخب البلجيكي بقيادة أسلحته المُدمرة في كل المراكز، ثم مواجهة بنما في نهاية الدور الأول.
كل التوفيق لمنتخباتنا العربية في كأس العالم.