تاريخية في إعلام الدولة وصحافة المعارضة تقلّل من شأنها
يصل الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون اليوم إلى موريتانيا في زيارة تكاد تكون هنا، أهم من القمة الإفريقية التي تعقد في نفس اليوم.
ويحمل ملفات كثيرة بينها أمن الساحل والصحراء الغربية وانهيار جمهورية وسط إفريقيا، إلى جانب التعاون بين موريتانيا وفرنسا.
ويؤدي الرئيس ماكرون هذه الزيارة واحداً وعشرين عاماً بعد زيارة الرئيس شيراك، وهي فترة اعتبرها المراقبون طويلة بالنظر لما يربط موريتانيا وفرنسا من علاقات متنوعة.
ويقوم بهذه الزيارة في ظرف تشهد فيه المنطقة الساحلية عواصف سياسية وأمنية، وبينما تحتاج العلاقات الموريتانية – الفرنسية لتثبيت خاص لبوصلتها ينهي حالات المد والجزر التي عرفتها في السنوات الأخيرة.
ويحضر الرئيس الفرنسي كضيف شرف جانبا من القمة الإفريقية التي ستبدأ أعمالها اليوم وهو ما تعتبره السلطات الموريتانية انتصاراً ديبلوماسياً كبيراً ومزدوج الأبعاد.
وبالرغم من النظرة الاستعمارية الفرنسية للقارة السمراء، يمنح الرئيس ماكرون ورقة بيضاء للاتحاد الإفريقي في معالجة الأزمات الإفريقية المشتعلة في المنطقة الوسطى من القارة على مستوى دول وسط إفريقيا والكونغو الديمقراطية وبوروندي، وهي الأزمات التي بذل جهد كبير لإعداد ملفاتها المعروضة على القمة الإفريقية اليوم والتي تهتم فرنسا بمتابعتها، وهو ما يعطي لزيارة ماكرون لموريتانيا بعداً دولياً كبيراً.
واعتاد الرئيس ماكرون أن يزاوج زياراته الخارجية لإفريقيا مع حضور مؤتمرات دولية، وبالنسبة لموريتانيا فإن الرئيس ماكرون يهتم بملفات لا تتعلق مباشرة بها، مثل قضية الصحراء، حيث من المتوقع مشاركة الرئيس الصحراوي لأول مرة في مؤتمر بهذا الحجم تستضيفه موريتانيا التي ترفع علم الحياد في هذا النزاع العصي.
وتبذل الأمم المتحدة منذ أشهر عبر مبعوثيها الخاصين جهوداً لدفع المملكة المغربية وجبهة البوليساريو للعودة لطاولة المفاوضات بطريقة جادة تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الأخير 2414، الداعي إلى إحياء مسار المفاوضات المباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو، بعد توقفها سنة 2012.
ومع ملاحظة أن الجزائر قد لا تكون متحمسة للمفاوضات المباشرة، فإن زيارة الرئيس ماكرون لموريتانيا فرصة مناسبة لإدلاء باريس بدلوها في نزاع يحتدم في منطقة مصالحها الحيوية ونفوذها الاستعماري.
وحسب مصادر مقربة من الوفد الفرنسي الموجود منذ أيام في نواكشوط لتحضير الزيارة، فإن الرئيس ماكرون سيجري خلال الزيارة لقاءات مع عدد من زعماء القارة حول ملفات شائكة وأزمات مستعصية: فمع الرئيس الرواندي بول كاغامي سيتباحث ماكرون حول الأزمة المشتعلة في جمهورية وسط إفريقيا، وحول منطقة التبادل الحر في إفريقيا وحول الإفرنك الإفريقي، وحول الأوضاع في الكونغو الديمقراطية وفي الغابون.
وستتزامن زيارة الرئيس ماكرون لموريتانيا مع قمة مجموعة دول الساحل الخمس التي تضم موريتانيا ومالي والنيجر والتشاد وبوركينافاسو.
وسيتيح ذلك فرصة التباحث مع قادة المجموعة حول مشكلة تمويل القوة العسكرية المشتركة، والإسراع بنشر هذه القوة لمواجهة الأوضاع الأمنية المتدهورة في مالي وفي منطقة الساحل بعامة.
ويتضمن برنامج الرئيس الفرنسي زيارة لمنطقة العصابة وسط البلاد. ويتوقع الكثيرون أن ينتهز أنصار الرئيس ولد عبد العزيز هذه الزيارة الداخلية للمطالبة أمام الرئيس ماكرون، بولاية ثالثة للرئيس الموريتاني الذي تنتهي آخر ولايتيه الرئاسيتين، حسب الدستور الموريتاني، منتصف العام المقبل.
هذا وخصصت أسبوعية «القلم» أكبر الصحف الفرنكفونية الموريتانية أمس افتتاحيتها للتعليق على زيارة ماكرون مقللة من شأنها عكس ما يقوم به الإعلام الحكومي الذي يعتبرها زيارة تاريخية.
وأكدت «القلم» في مقالها الافتتاحي «أن ماكرون ليس قادما إلى موريتانيا بصفة خاصة، فهو جاء إلى نواكشوط مارا بها في طريقه إلى نيجريا، وهذا ما يجعل الزيارة عادية وليست بالأمر الخارق».
وأضافت الصحيفة «ماكرون سبق أن زار الجزائر والمغرب والسنغال والنيجر والتشاد، وهذه أول زيارة لرئيس فرنسي إلى موريتانيا منذ 1997، فلم تحظ موريتانيا لا بزيارة ساركوزي الذي شرع للجنرال عزيز انقلابه العسكري عام 2008 ولا بزيارة فرانسوا أولاند، فما هي أهمية الزيارة إذن؟».
وتساءلت الصحيفة «بدلا من انشغال ماكرون بأمور أخرى، ألا ينشغل بقياس ما يدعيه ولد عبد العزيز من نجاح أمني؟ فإذا كان سيوبخ ولد عبد العزيز على بطئه في الوفاء بالتزاماته في نشر قوة الساحل العسكرية المشتركة، فمن واجبه كذلك أن يساعد الشعب الموريتاني في حل مشاكله الأمنية اليومية؟».
نواكشوط – «القدس العربي»