يبذل قادة مجموعة الساحل التي تضم موريتانيا ومالي والنيجر والتشاد وبوركينافاسو، هذه الأيام، جهودًا مضنية لتجاوز الآثار الأمنية والسياسية التي خلفها هجوم مسلح شنته جماعة نصرة الإسلام على مقر القوة العسكرية يوم التاسع والعشرين يونيو الماضي.
ويستعد الجنرال الموريتاني حننه ولد سيدي، مساعد قائد أركان الجيوش الموريتانية السابق، لتولي قيادة القوة العسكرية المشتركة بعد أن عين عليها قبل أيام خلفًا للجنرال المالي ديدي داكو.
وقرر رؤساء مجموعة الساحل، خلال قمتهم التي عقدوها بنواكشوط مستهل الشهر الجاري، عزل قائد القوة المشتركة الجنرال المالي ديدي داكو ومساعده البوركينابي يايا سيري، لكونهما يتحملان المسؤولية عن التفريط الذي سمح لجماعة نصرة الإسلام بتنفيذ هجومها الأخير على مقر القوة العسكرية في ناحية سيفاري بجمهورية مالي.
وعين الرؤساء الجنرال التشادي بيكومو جان قائدًا مساعدا للقوة المشتركة، وهو ما جعل قيادة هذه القوة تعود لموريتانيا والتشاد اللتين تتوفران على أكثر جيوش المجموعة تدريبًا وبسالة وحرفية حسب تقييمات دولية.
وبهذا تكون فرنسا قد حققت هدفًا مهمًا لها، وهو تولي موريتانيا والتشاد قيادة العمليات العسكرية للقوة العسكرية للمجموعة أيامًا قبل انسحاب قوة «برخان» الفرنسية من مالي التي ترتفع أصوات المطالبة بسحبها داخل فرنسا.
ومن المقرر بعد انسحاب القوة العسكرية الفرنسية أن تنشر حكومة باريس قوة أخرى سموها «كتائب صابر»، ستكون مهمتها دعم القوة العسكرية لدول الساحل بتوفير الطلعات والضربات الجوية والخرائط والمعلومات.
وإضافة إلى الصراع الخفي على كراسي قيادة هذه القوة، تواجه مجموعة دول الساحل الخمس مشكلة تمويل قوتها العسكرية التي ما تزال تراوح مكانها رغم النداءات التي وجهها رؤساء المجموعة وأكدوا فيها أن فوائد تمكين القوة المشتركة من بدء عملياتها الميدانية، لا يعود لدول الساحل وحدها، بل للعالم أجمع، وبخاصة أوروبا القريبة من المنطقة.
واحتج الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز مؤخرًا على تباطؤ المجموعة الدولية في استكمال تمويل القوة المشتركة لدول الساحل، وقال: «مشكلة التمويل مشكلة، ونحن لا نفهم التردد فيها، بل إننا لا نفهم لماذا نحن غير مفهومين، فنحن وحّدنا جهودنا لمحاربة ظاهرة لا تخصنا وحدنا، بل إن العالم كله يتأثر بها والأوروبيون بالذات يتأثرون بها، سواء على شكل تفجيرات أو على شكل تدفق لموجات الهجرة».
وأضاف: «لسنا مرتاحين لموقف العالم منا، ولسنا مرتاحين لموقف الأمم المتحدة التي أغلقت الأبواب، فنحن نقوم بمهمة حساسة بالغة الأهمية في مالي، وتعلمون أن الأمم المتحدة لها قوة قوامها (13) ألف رجل في مالي تكلف الأمم المتحدة مليارًا من الدولارات سنويًا ولم تحقق أي شيء على الأرض، ونحن على مستوى مجموعة دول الساحل أسسنا قوتنا العسكرية، لكن العالم لا يهتم بنا ويمنعنا من الدعم، حتى أننا ممنوعون من الاستفادة من الفصل السابع للأمم المتحدة الذي يمنحنا فرصة الوجود الميداني والشرعية للتدخل على الأرض».
وأسهب رئيس النيجر محمد يوسوفو هو الآخر، في تصريحات له أمس، في التأكيد على «أهمية الوفاء بوعود التمويل التي تحملتها دول وهيئات عدة في اجتماع بروكسل لتتمكن مجموعة دول الساحل من مباشرة دحرها للمجموعات الإرهابية المسلحة»، حسب تعبيره. وتحدث الرئيس يوسوفو عن الهجوم الأخير الذي تعرضت له قوة الساحل، فأوضح «أنه لن يزيد دول الساحل إلا تصميمًا على محاربة الإرهاب، ومكافحة عمليات تهريب المخدرات والأسلحة العابرة للحدود».
وقال: «لقد أسسنا قوتنا المشتركة ووحدنا قدراتنا العسكرية وقنواتنا الاستخباراتية، وهناك عمليات قمنا بها على مستوى منطقة غوما الجامعة لحدود مالي وبوركينافاسو والنيجر بالوسائل الخاصة ببلداننا، ونحن ننتظر وعود التمويل التي ستوفر لقوتنا المشتركة (414) مليون أورو اللازمة للدخول في العلميات العسكرية المفتوحة».
وأوضح الرئيس يوسوفو «أن القوة الساحلية المشتركة تعمل في ثلاث مناطق جغرافية: أولاها المنطقة الشرقية التي تشمل التشاد والنيجر، والثانية المنطقة الوسطى التي تشمل مالي وبوركينافاسو والنيجر، ثم المنطقة الغربية التي تشمل موريتانيا ومالي».
وقال: «هذه المناطق ليست على مستوى واحد من حيث التخطيط العسكري الميداني، وتظل المنطقة الوسطى أكثرها خطورة وأهمية».
وتمارس دول الساحل الخمس ضغوطًا على المستوى الدولي لحل مشكلة التمويل، حيث عقد في نواكشوط الأسبوع الماضي اجتماع لتدارس «خطة الأمم المتحدة لدعم الدول العشر المباشرة لخطر الإرهاب» وهي موريتانيا ومالي والنيجر والتشاد والسنغال وغامبيا وغينيا وبوركينافاسو ونيجريا والكمرون.
وتقترح هذه الخطة المسماة «الساحل أرض الفرص»، التركيز على ستة مجالات مهمة هي: التعاون العبر للحدود، والوقاية وحفظ السلام، والتنمية الشاملة، والبرامج المناخية، والطاقة المتجددة، واستقلالية النساء والشباب.
وتقترح الخطة تنشيطًا موسعًا للتنسيق والتعاون بين الشركاء في المنطقة والمؤسسات الوطنية والإقليمية والمؤسسات الجهوية والمتعددة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، من أجل تنفيذ سريع ومتكامل لتوصيات مجلس الأمن الدولي حول الساحل
القدس العربي