بالرغم من أن بلادنا صاحبة الموقع الجيوستراتيجي الذي لا غنى عنه لمن يريد ربط شمال القارة بغربها، و بالرغم من العلاقات الجيدة التي تربط بلادنا والصين لأكثر من نصف قرن، والتي وصفها السفير الصيني الحالي لدى بلادنا بأنها تعد " نموذجا للصداقة الصينية - الإفريقية"، وبالرغم من أن الصين تعد أكبر شريك اقتصادي وتجاري، ومن بين أهم الدائنين والممولين لبلادنا. كل هذه الميزات الجيوستراتيجية، والاقتصادية، والدبلوماسية كانت ولازالت تخول بلادنا بأن تكون أول محطة لقطار التنمية الصيني فائق السرعة في غرب إفريقيا.
لكن يبدوا أن السنغال التي سبقتنا في الديمقراطية والحكم الرشيد، و سبقتنا في شق طريقها إلى التنمية السريعة، سبقتنا اليوم أيضا بالانضمام إلى مبادرة "الحزام والطريق"، و أصبحت مادة في الصحف الصينية بعنوان " السنغال بوابة غرب إفريقيا ". السنغال التي لم تقم علاقات دبلوماسية مع الصين إلا سنة 1971 م عن طريق سفارة الصين في بلادنا، وعلى يد سفيرها لدى بلادنا آنذلك السيد فنغ يوجيو (féng yú jiǔ) العلاقة التي لم تدم طويلا، ومنيت بانتكاسة سنة 1996م، حيث تم قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد اعتراف السنغال بالجزيرة الصينية الماردة (تايوان) كدولة مستقلة ، ليتم بعد ذلك فتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين باستئنافها سنة 2005 م.
السنغال التي تقتصر صادراتها للصين على الفستق رفعت علاقتها مع الصين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة سنة 2016. بينما بلادنا التي تصدر للصين أهم موردين يعتمد عليهما إقتصادنا الوطني خامات الحديد، والسمك، و تستورد كل شيئ تقريبا من الصين من الشاي الأخضر، المنسوجات، مواد البناء، الآلات الزراعية، والأجهزة المنزلية، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية خلال السنة المنصرمة حوالي 1.647 مليار دولار أمريكي لاتزال تعيش دبلوماسيا على ما بقي من بركات الجيل الأول المؤسس في ظرفية دولية مختلفة تماما عن الظرفية الحالية.
بلادنا لم تستوعب بعد التغيرات الدراماتيكية في الصين على الصعيدين الدبلوماسي والاقتصادي، الصين ما بعد ديسمبر 2013 ليست الصين ما بعد 1949، والصين ما بعد إبريل 2018 ليست هي الصين ما بعد 1979م.
اليوم وبعد وصول الرئيس الصيني شي جين بين إلى داكار في زيارة دولة للسنغال، واختيارها لتكون هي المحطة الأولى لجولته الإفريقية هذه، وأيضا أول زيارة يقوم بها لدولة في غرب إفريقيا، وتوقيع البلدان على مذكرة التفاهم للتعاون في إطار مشروع القرن مبادرة "الحزام والطريق" لتكون بذلك السنغال أول دولة في غرب إفريقيا توقع على هذه المبادرة، و تسحب بذلك البساط من تحت موريتانيا كبوابة للإستثمارات الصينية في غرب إفريقيا.
السنغال اليوم حظيت بثاني زيارة دولة يقوم بها رئيس صيني لها خلال العشر سنوات الأخيرة، حيث زارها الرئيس الصيني السابق هو جين تاو فبراير2009 م، أما موريتانيا فلم يزرها قط أي رئيس صيني رغم أكثر من 10 زيارات لمختلف الرؤساء الموريتانيين للصين، حيث زارها كل من : المختار ولد داداه رحمه الله 3 مرات (1967 -1974 -1977)، و محمد خونه ولد هيداله مرة واحدة (1980 )، و معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع مرتين (1986 -1993 )، و اعل ولد محمد فال رحمه الله مرة واحدة (2006) ، والرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز 3 مرات ( 2011 - 2015) ، و زيارة مؤكدة مطلع سبتمبر القادم للمشاركة في قمة المنتدى الصيني الأفريقي، التي من المنتظر أن تشهد إعلان الصين رسميا عن رؤيتها لمسار النسخة الإفريقية من مبادرة "الحزام والطريق" النسخة التي يبدوا أنها ستركز على مقولة الرئيس شي (以点带线发展、以线带面发展) حيث سيتم اختيار دول محددة من كل جهات القارة كمحطات لإنطلاق قطارات طريق الحرير للتنمية والتعاون الشامل في الاتجاهات المختلفة للقارة، و من المتوقع أن يتم اختيار كل من مصر والمغرب في شمال القارة، وكينيا وإثيوبيا وجيبوتي في شرقها ، ونيجيريا وغانا و السنغال في غربها ، وجنوب إفريقيا في جنوبها. القارة التي بلغ حجم تجارتها مع الصين سنة 2017 حوالي 170 مليار دولار ، بزيادة أكثر من 15 مرة مقارنة بعام 2000 ، و بلغ إجمالى الاستثمارات المباشرة للصين فيها سنة 2017 أكثر من 40 مليار دولار، بزيادة 70 ضعف عما كان عليه فى عام 2000.
يبدو لي أننا في موريتانيا لا ندرك جيدا ما الذي نريده من التعاون مع الصين، بينما يدرك السنغاليون ما الذي يريدونه من الصين، و يدرك الصينيون أكثر ما الذي يريدونه من هذه العلاقات حاليا، بل وحتى خلال ال 50 سنة القادمة.
د. يربان الحسين الخراشي