برع فى تقديم أدوار «الفتوة» حتى لقبه الجميع بـ«وحش الشاشة»، عندما ترى أحد أفلامه أو مسرحياته على شاشة التليفزيون، تجد نفسك- وبشكل تلقائى- تاركًا «الريموت كونترول» بجانبك، إيذانًا بـ«متابعة دقيقة» لكل لفتة وأداء وطريقة تعبير تصدر عنه. الفنان الكبير فريد شوقى، الذى تحل أواخر يوليو من كل عام ذكرى ميلاده ورحيله أيضًا، فـ«ملك الترسو» مولود فى ٣٠ يوليو ١٩٢٠، وتوفى فى ٢٧ من الشهر ذاته عام ١٩٩٨.
٢٠ عامًا مضت على رحيله، قدم «وحش الشاشة خلال مسيرته» أكثر من ٣٠٠ فيلم، وشارك فى تأليف عدد من أبرزها فى مشواره الطويل، فمن منا ينسى: «جعلونى مجرمًا»، و«الفتوة»، و«عنتر بن شداد»، و«بطل للنهاية»، وغيرها من الأعمال حتى آخرها «الرجل الشرس» عام ١٩٩٦؟
«الواد سيد الشغال» مأخوذة من مسرحيتى «جوز مراتى»
وقف الفنان فريد شوقى- المولود لأب تركى وأم مصرية فى حى البغالة بالسيدة زينب- على خشبة مسرح الأزبكية للتمثيل، للمرة الأولى فى حياته، عندما عمل مع «الرابطة القومية للتمثيل»، التى كانت تضم نخبة من رواد المسرح المصرى، كما وقف أول مرة كمحترف على خشبة مسرح دار الأوبرا القديمة مع جورج أبيض فى مسرحية «عطيل» بحسب موقع الدستور المصري .
عندما شاهده نجيب الريحانى يقدم حفلة «ماتينيه» على مسرح «ريتس»، عرض عليه الاشتراك معه فى فرقته المسرحية، وحينما التقى به فى فيلم «غزل البنات» قال له: «توقعت أن تكون نجمًا منذ أن شاهدتك لأول مرة».
تأثر «ملك الترسو» فى عالم المسرح بأداء يوسف وهبى «الميلودرامى»، ونجيب الريحانى فى كوميدياته الاجتماعية، وجورج أبيض فى الأداء الدرامى.
أما فى التأليف، فتتلمذ فريد «المؤلف» على يد الراحل سيد بدير، والأديب العالمى نجيب محفوظ، وكان أول إنتاجه فى مجال التأليف فكرة فيلم «الأسطى حسن»، الذى أخرجه صلاح أبوسيف، وكتب السيناريو الخاص به سيد بدير، ثم كتب فريد شوقى للسينما: «حميدو، ورصيف نمرة ٥، والفتوة، وجعلونى مجرمًا»، وحصل عن الأخير على جائزة القصة من الدولة.
وفى لقائه مع جريدة «الجمهورية» عام ١٩٩٠، قال فريد شوقى إن فكرة مسرحية «الواد سيد الشغال» مأخوذة من مسرحية «جوز مراتى» بالمقاس والديكور، مضيفًا: «أنا لم أتهم عادل إمام لأنه وقت تقديمى المسرحية كان صغيرًا، وإنما أتهم المؤلف، والغريب أن القصة بنفس الشخصيات أيضًا».
أحب الفنان الكبير فريد شوقى الممثل أكثر من المؤلف، وكان حريصًا جدًا عليه، لذا كان يترك «فريد المؤلف» يكتب له، وكان يتحدى أى مؤلف أن يفعل ذلك بنفس الجودة، إلا فى النادر والقليل.
ويتحدث الفنان الراحل عن ذلك فى نفس الحوار مع «الجمهورية» قائلًا: «أى بصمة لفريد شوقى فى التمثيل هى من تأليف فريد شوقى، لكن لو حصرت نشاطى فى التأليف، فلم أكن لأقدم إلا عملًا واحدًا كل سنتين، وكان هذا غير ممكن، كما كنت حريصًا على تقديم المسلسلات لأنها تدخل كل بيت كضيف ظريف».
واعترف فى حواره مع «الجمهورية» بأن «فريد الممثل» باع نفسه رخيصًا أحيانًا حتى وصل للهدف الذى تمناه وهو «اتحاد الفنانين».
قبل عام ١٩٨٦، غاب فريد شوقى عن المسرح لمدة ١٤ عامًا، وفى ذلك العام كان فى زيارة لأمريكا، عندما شاهد النجم العالمى أنتونى كوين فى مسرحية «زوربا» بالمسرح الإغريقى وأمامه ٤ آلاف مشاهد يصفقون له، ما جعل الغيرة تأكل قلبه وتحمس للعودة إلى خشبة المسرح.
وبالفعل، فور حضوره للقاهرة عرض على سمير خفاجة وحسين كمال وسعدالدين وهبة قراره بالعودة للمسرح، ولم يكن يهمه أن يمول المشروع «خفاجة» أو يتحمل إنتاجه بمفرده، المهم وقتها أن يقدم لجمهوره عملًا على مستوى ما تقدمه فرقة الفنانين المتحدين من أعمال جماهيرية ترفيهية وجادة. ورشح «أبوعلى» وقتها الفنانة «نيللى» لتكون بطلة العمل، لأنها أول ممثلة وقفت أمامه على المسرح من خلال رواية «الدلوعة» التى قدمها للريحانى، ثم استقر على مديحة كامل بديلًا عنها.
فاتن «نجمة لن تختفى».. سعاد «كسولة».. و«سلطان» قصة حقيقية بطلها «عباس الأسمر»
رسالة الفنان عند فريد شوفى لا تقل فى خطورتها عن شيخ المسجد وواعظ الكنيسة، فالفنان الصادق فى نظره صاحب كلمة مسموعة، ومن هذا المنطلق هاجم فريد شوقى وباء المخدرات الذى استشرى فى المجتمع فى التسعينيات، عن طريق مسرحية «١٠٠ مِسا» للكاتب المسرحى «عزت عبدالغفور».
وعن أقرب الفنانين لبداياته الفنية، قال فريد شوقى فى حواره مع «الجمهورية» عام ١٩٩٠، إن الفنانين نور الشريف ومحمود عبدالعزيز يعودان به إلى ذكريات بداياته الفنية، ومن بعدهما فاروق الفيشاوى.
وفى الحوار ذاته، تحدث «ملك الترسو» عن موهبة الفنانة فاتن حمامة وقال إنها ستظل نجمة إلى آخر مدى، مهما ظهر عندنا من نجمات أخريات، فلا يخفى القمر، واعتبر سعاد حسنى «ممثلة توافرت فيها كل مواصفات النجومية، وحضورها على الشاشة لم يحدث من قبل، لكنها كسولة بعض الشىء»، مرجعًا ذلك لدقتها التى كانت زائدة فى بعض الأمور. بعد عرض مسلسل «صابر يا عم صابر»، هاجم السيناريست محمد خليل الزهار، فريد شوقى، مدعيًا أنه وحده مؤلف المسلسل، وأن «فريد» وضع اسمه على التترات بوصفه كاتبًا للقصة ومشاركًا فى السيناريو والحوار، مع أنه لم يقدم سوى الفكرة فيما لا يزيد على ثلاث أو أربع صفحات.
ورد فريد شوقى على هجوم «الزهار»، فى جريدة «الوفد» عام ١٩٩٠، قائلًا: «الحقيقة أن هذا الشخص- يقصد الزهار- كان لا يزال فى طور البداية والتجريب واعترف بنفسه فى هجومه بأننى قدمت له الفكرة مكتوبة فى ثلاث أو أربع صفحات، وأنا قلت إن هذه الفكرة هى القصة و٩٩٪ من القصص السينمائية والتليفزيونية تكتب أساسًا فيما لا يزيد على خمس صفحات، ثم يوضع لها السيناريو والحوار فيما بعد بواسطة كاتب أو أكثر».
وتساءل: «على أى شىء احتج أو اعترض الزهار الذى استكبر أن يضع اسمى مع اسمه فى التترات، رغم اعترافه بأننى صاحب الفكرة الأساسية والقصة، ونسى أن اسمى وُضع منذ سنوات جنبًا إلى جنب وفى لوحة واحدة مع نجيب محفوظ الذى شرفنى بالاشتراك فى تأليف قصة وسيناريو وحوار أفلام عظيمة خالدة مثل (جعلونى مجرمًا، والفتوة، والأسطى حسن)، كما اقترن اسمى كمؤلف للقصص السينمائية مع فطاحل وكبار كُتّاب السيناريو المصريين ومنهم على سبيل المثال على الزرقانى والسيد بدير، ومع ذلك لم يقل واحد منهم ما قاله الزهار هذا الكاتب المبتدئ المغرور».
وتابع: «ورغم أنه ادعى أننى أقحمت اسمى مع اسمه دون أن أفعل شيئًا ذا أهمية فى تأليف المسلسل، سعى بعد ذلك وألح علىّ كثيرًا أن يشترك معى فى تأليف مسلسل (البخيل وأنا)، فضلًا عن أنه ألح علىّ أيضًا فى أن يشترك معى فى كتابة فيلم جديد».
فى شبابه، تطوع فريد شوقى للعمل فى البوليس الاحتياطى، وهناك ربطته علاقة صداقة بزميله «عباس الأسمر»، الذى كتب عنه فيلم «سلطان»، بعد أن لازمه فى عدة دوريات لتتبع الخارجين على القانون، وأعجب به جدًا.
وتحول «الأسمر» بعد ذلك -كما يحكى الفنان الراحل- إلى العدو الأول للشرطة، والسبب أنه شاهد أمه وهى تُضرب أمام عينيه من جنود الاحتلال الإنجليزى، فقتل أحد الضباط وهرب من الخدمة، وتحول بعدها إلى أخطر مجرم يطارده الأمن فى جبل زينهم. ظلت القصة تدور فى ذهن الفنان فريد شوقى، إلى أن قرر تحويلها إلى فيلم سينمائى باسم «سلطان»، ولاقى الفيلم نجاحًا غير مسبوق، كما ذكر فى تسجيلات نادرة جمعها الإذاعى صبرى خالد فى برنامجه «افتح يا سمسم» الذى كان يُذاع على موجة إذاعة «الشباب والرياضة» فى الواحدة بعد منتصف الليل.
حلمت بتقديم مسرحيات الريحانى.. ومبارك قال لى: «سلامتك يا ملك»
كان أول فيلم من إنتاج فريد شوقى وهو فى عمر الـ٢٥، وقدم خلال مشواره الفنى ٣٠٠ فيلم سينمائى، أنتج من بينها ٤٠ فيلمًا منذ عام ٥٠ حتى توقف عن الإنتاج عام ١٩٩٤، ولكل منها بصمة فى صناعة السينما.
وفى حواره مع جريدة «الأهرام» عام ١٩٩٧، قال «وحش الشاشة» عن الأعمال التى أنتجها: «هناك بعض الأفلام التى كانت سببًا فى تعديل بعض القوانين منها فيلم (جعلونى مجرمًا) والذى تسبب فى إلغاء أول سابقة للسجين، وفيلم (كلمة شرف) الذى تسبب فى التصريح للسجين بالخروج ٤٨ ساعة». أما المشروع الذى كان يحلم به ولم يكتمل، هو إعادة تقديم مسرحيات «الريحانى» مرة أخرى، لكن المرض لم يتح له هذه الفرصة.
آمن فريد شوقى بأن حل مشاكل المسرح، لا بد أن يبدأ من شباك التذاكر وموظفى صالة العرض، وانضباط موظف الشباك بألا يفضل مشاهدا عن آخر بسبب ما يدفعه من نقود أكثر من سعر التذكرة، وكذلك لا بد من منع بيع اللب والسودانى والبيبسى والكولا فى الصالة. وتابع فى حوار آخر مع «الأهرام» عام ١٩٩١: «أذكر أننى كنت أشارك فى إحدى مسرحيات نجيب الريحانى، وكان النحاس باشا رئيسًا للوزراء، وحضر لمشاهدة العرض، وأثناء العرض كان النحاس باشا يأكل السندوتشات وكانت ملفوفة فى ورق وسمع الريحانى صوت خشخشة الورق، فنظر إلى النحاس باشا ولكنه لم ينتبه له، فقال الريحانى للجمهور١٠ دقايق استراحة على ما سعادة الباشا يخلص أكل»
. وفى عهد الرئيس جمال عبدالناصر، استقل عدد من الفنانين من بينهم فريد شوقى «قطار الرحمة» مع الزعيم الراحل، الذى كان يعتبر الفنانين «سفراء فوق العادة» وقال لهم: «أنتم سفرائى داخل مصر وخارجها».
كما لم ينس فريد شوقى وقفة الرئيس الأسبق حسنى مبارك بجانبه أثناء الأزمة المرضية التى حلت به. وحكى «وحش الشاشة» ذلك فى حواره بـ«صباح الخير» عام ١٩٩٧: «بعد أن منّ الله علىّ بالشفاء وعدت إلى القاهرة وجدت تليفون المنزل يرن والرئيس مبارك يقول له حمد الله على السلامة يا ملك.. أنا حسنى مبارك، يا عم اتعملت لك زفة متعملتليش وأنا راجع.. فقلت له أنا متشكر جدًا على كل اللى عملته يا ريس، فرد مبارك لا.. أنت عملت لمصر اللى أكتر من كده».
القناة الأولى أذاعت خبر وفاتى عام ١٩٩٨ وأنا حى أرزق
سافر الفنان فريد شوقى إلى لندن أثناء فترة مرضه، وعندما دخل المستشفى طلبوا من زوجته «سهير ترك» ١٧٠٠ جنيه إسترلينى فى اليوم الواحد، وكان المطلوب أن يدفع المبلغ فى اليوم التالى، فاتصلت زوجته بابنته «عبير» وزوجها وطالبتهما بأن يحضرا إلى لندن بالفيزا الخاصة بالفنان. كانت إدارة المستشفى، قبل وصول ابنته، اتصلت بالمكتب الطبى المصرى وسألتهم إذا كان فريد شوقى يتمتع بأى نوع من أنواع التأمين الصحى؟ فرد عليهم الموظف الذى لقبه الفنان الراحل بـ«كشرى» قائلًا: «لا دخل لنا بهذا الرجل، وهو ليس مسئولًا منا، ولن ندفع له شيئًا على الإطلاق».
وأبدى فريد شوقى، حسبما قاله فى «صباح الخير» ١٩٩٧، تعجبه من تصرف الموظف، الذى بعثوا به ضمن الفريق الطبى والإدارى فى المكتب الطبى ببريطانيا، وكانت وظيفته تحتم عليه الاهتمام بأحوال وصحة المصريين هناك.
لم تكن هذه أول أزمة يتعرض لها الفنان الراحل فى ذلك الوقت، فبعد ذلك أذاع التليفزيون المصرى خبر وفاته عبر القناة الأولى عام ١٩٩٨، بعد أن قطع إرساله يوم الأربعاء ١٧ يونيو.
وأعلنت المذيعة شيرين دويك خبر الوفاة وعقب إذاعة الخبر بدأ الناس ينسجون الحكايات ويتحدثون عن الصدفة التى جمعت بين وفاة «وحش الشاشة» والشيخ الشعراوى فى يوم واحد
. بعدها، سارع محبو الفنان فريد شوقى إلى منزله وتحولت فيلته بالعجوزة إلى ما يشبه خلية النحل، وكانت المفاجأة أن الفنان حى يرزق، وحاول مسئولو التليفزيون وقتها حفظ ماء الوجه وإصلاح الخطأ بإذاعة خبر تكذيب الوفاة بعد حوالى ساعة.
وكلف مسئولو التليفزيون المذيعة سهير شلبى، بإجراء حوار معه على سرير المرض فى برنامج «مساء الخير» على الهواء فى الخامسة والنصف مساءً، ليطمئن الجمهور على «وحش الشاشة». كما ذكر الفنان الراحل بجريدة «الأسبوع» ٢٢ يونيو ١٩٩٨
. وخرج «وحش الشاشة»، وأكد أن اللبس الذى حدث جاء نتيجة عودته من المستشفى إلى منزله فى سيارة إسعاف، فتخيل الجمهور الذى التف حول المستشفى للسؤال عنه أنه توفى، بعدها انتشرت شائعة الوفاة فى ماسبيرو أثناء الندوة التى أقامتها وزارة الإعلام لتكريم العالم المصرى أحمد زويل، وأحدثت نوعًا من الارتباك فى «أوردرات الكاميرات» والتى كانت مشغولة بتغطية الندوة ووفاة الشيخ محمد متولى الشعراوى. وأمر صفوت الشريف، وزير الإعلام آنذاك، بالتحقيق العاجل مع المسئول عن إذاعة الخبر على الهواء دون التأكد من مصدره، وتردد أن أحد العاملين بقطاع الأخبار وراء الشائعة، بعدما أبلغ قيادات التليفزيون بأنه سمع بموت فريد شوقى، وعلى الفور أذيع الخبر دون التأكد من صحته.