يواصل المكتب التنفيذي لحزب التكتل نقاشاته الهادفة إلى تحديد الأسماء التي ستتصدر لوائح ترشيحاته للنيابيات، ويقترب موعد إغلاق استقبال الملفات دون أن يعلن الحزب عن لوائحه النهائية.
وحسب مصادر من داخل الحزب فإن رئيس الحزب السيد أحمد داداه كان قد اعتذر عن قيادة اللائحة الوطنية للحزب، كما اعتذر من بعده نائب الرئيس السيد محمد محمود ولد المات، ومن قبل ذلك كان رئيس اللائحة الجهوية لنواكشوط قد أعلن عن استقالته من رئاسة اللائحة.
هذه الاعتذارات المتكررة تقول بأن هناك حالة زهد في الترشيحات لدى قادة التكتل، فهل حالة الزهد هذه هي ظاهرة صحية تستحق الإشادة أم على العكس من ذلك فهي حالة سلبية تستحق الانتقاد؟
بدءا لابد من القول بأن بعض القيم النبيلة والصفات الحميدة قد تفقد قيمتها عندما يتم إظهارها في غير المكان والتوقيت المناسبين، فالتواضع مثلا هو قيمة نبيلة، وأن يتصف الموظف الكبير والقائد الرمز بالتواضع أمام الناس فذلك مما يرفع من قيمته ومكانته، ولكن أن يتواضع سفير أو وزير خارجية دولة ما أثناء أدائه لمهامه أمام وفد دولة أخرى، فهنا يتحول التواضع إلى فعل سلبي، بل وإلى فعل مذموم، فإظهار الكبرياء في مثل هذه الحالات هو الأولى، فالدول يجب أن لا تتواضع أمام نظرائها، وخاصة إن كانوا من خصومها.
هذا الكلام يمكن أن نقوله عن الزهد في المناصب الانتخابية، فالزهد هو في الأصل قيمة نبيلة وصفة حميدة، ولكن عندما يتعلق الأمر بمنافسة حزب لأحزاب أخرى في انتخابات حاسمة، فهنا يتحول الزهد إلى صفة سلبية يجب انتقادها.
لم يكن رفض الرئيسين أحمد داداه ومحمد محمود ولد لمات للترشح في هذه الاستحقاقات التي ستكون المنافسة فيها قوية بالموقف السياسي الذي يستحق الإشادة، بل على العكس من ذلك فإن تراجعهما في هذه اللحظات الصعبة التي يمر بها حزب التكتل يعتبر من الأخطاء الجسيمة التي يجب انتقادها.
من المعروف بأن المعارضة تمر بصفة عامة بمرحلة عصيبة، وذلك لأنها ستخوض انتخابات لم تعد لها العدة اللازمة، ستخوضها بموارد شحيحة، وحزب التكتل هو جزء من هذه المعارضة، ولذلك فإن نزول قائده الرمز إلى ساحة المنافسة في مثل هذه الانتخابات هو ضرورة من ضرورات المرحلة، فنزول القائد الرمز قد يحد من ضعف النتائج، والتي لابد أنها ستتأثر سلبا بقلة موارد الحزب وبتأخر استعداده للمشاركة في الانتخابات.
إن الدفع بشباب الحزب في الترشيحات هو فعل سياسي نبيل يستحق الإشادة، وقد دفع الحزب بشبابه في ترشيحاته للمجالس البلدية والتي كانت في مجملها محدودة ولا تتناسب مع حجم حزب بمستوى التكتل. كما أن الدفع بشباب الحزب في الترشيحات النيابية هو فعل سياسي نبيل يستحق الإشادة، ولكن يجب أن لا يدفع هنا بالشباب لوحدهم في هذه الانتخابات التي سيخوضها الحزب بأقل إمكانيات مالية، ولا أظن أن الحزب في كل تاريخه الانتخابي قد خاض انتخابات بموارد بهذا الحجم الضعيف الذي سيخوض به استحقاقات 1سبتمبر 2018.
نعم للدفع بشباب الحزب في المنافسات القادمة، ولكن يجب أن يكون ذلك بمشاركة القائد الرمز، فالدفع بالشباب لوحدهم في ظل هذه المنافسة القوية التي سيخوضها الحزب بموارد شحيحة يعتبر ظلما للشباب وظلما للحزب.
طالبتُ منذ سنوات ـ بوصفي متابعا للشأن العام ومن محبي حزب التكتل ـ بضرورة الدفع بالشباب في حزب التكتل إلى الواجهة، ونفس الشيء طالبتُ به في حزب التحالف الشعبي، وطالبتُ كما طالب غيري بضرورة الانسحاب التدريجي للقائد الرمز عن الواجهة السياسية للحزب، والدفع بالشباب إليها، وأن يكون ذلك بمباركة من القائد الرمز وبإشرافه، ولكن ذلك لم يتم. وبما أن ذلك لم يتم، وبما أن عملية الدفع بشباب الحزب إلى الواجهة لم تتم التهيئة لها، فإن الدفع بهم لوحدهم في مثل هذا الموسم الانتخابي الذي سيخوضه الحزب بموارد شحيحة سيكون ظلما للشباب وللحزب على حد سواء.
إن مكانة التكتل في الخريطة السياسية باتت مهددة أكثر من أي وقت مضى، ولذا فإنه ليس من السليم أن يدخل حزب التكتل المعركة الانتخابية القادمة بمرشحين من الصف الثاني حتى ولو كانوا شبابا، فعلى الحزب أن يدخل المعركة الانتخابية بقائده الرمز، فمثل ذلك قد يحد من تراجع الحزب.
لا يليق بحزب التكتل مواقف من قبيل نصف مقاطعة أو نصف مشاركة، فعلى الحزب أن يقاطع بقوة أو يشارك بقوة، والمشاركة بقوة تقتضي ترشيح القائد الرمز للحزب.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل