«القدس العربي»: تواصلت أمس بشكل أكثر برودة من المعتاد، الحملة السياسية والإعلامية التي ستتواصل على مدى الأسبوعين الأخيرين من شهر آب / أغسطس الجاري تمهيدًا للانتخابات النيابية والبلدية والجهوية التي ستشهدها موريتانيا مطلع سبتمبر المقبل.
وتتوزع قوائم الأحزاب المشاركة في هذه الانتخابات بواقع 1559 قائمة للانتخابات البلدية، و161 قائمة جهوية، فيما بلغ عدد القوائم المتنافسة في الانتخابات النيابية 528 قائمة على مستوى المقاطعات، و97 قائمة وطنية و87 قائمة للنساء.
ولم يخف الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز حرصه على كسب هذه المعركة التي اضطرت المعارضة للمشاركة فيها خوفًا من أن يطالها قانون حل الأحزاب التي لم تشارك في ثلاثة انتخابات متتالية.
ويرشح حزب الاتحاد الحاكم 282 قائمة في هذه الانتخابات محتلًا المركز الأول في الترشيحات، وقد تلاه إسلاميو حزب التجمع الوطني للإصلاح الذي قدم 173 قائمة في هذه الاستحقاقات.
وبينما ركز الرئيس الموريتاني حملة حزبه على ضرورة بقاء نظامه وعلى التخويف من أي تغيير، ركز الإسلاميون حملتهم على الدعوة لمكافحة التزوير لأنهم واثقون من نجاحهم إذا نظمت الانتخابات بشفافية كاملة، أما قوى المعارضة فقد لجأت لعقد تحالفات واسعة في جميع الدوائر لمنع الحزب الحاكم من النجاح والاستمرار في حكم البلاد.
ودعا الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في مهرجان خطابي كبير افتتح به حملة حزبه، أمس، الجميع للتصويت لمرشحي حزبه، حزب الاتحاد من أجل الجمهورية.
وقال: «إن الحملة التي نخوضها هي حملة الاستمرارية في هذا النهج، نهج محاربة الفساد والمفسدين، لوضع حد نهائي للنهب وتبديد المال العام الذي ساد خلال الخمسين سنة الماضية من عمر الدولة الموريتانية الحديثة».
وأضاف: «إن نظرة بسيطة إلى ما تحقق خلال هذه الفترة الوجيزة من طرق ومياه في جميع الولايات ومن استتباب للأمن والاستقرار ووضع حد للفوضى الأمنية التي أنذرت بالانفجار خلال السنوات من 2003 الى 2008، تبرر أهمية اختيار لوائح حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في هذه الاستحقاقات».
وفي خطوة انتقدها معارضوه واعتبروها مضادة لالتزام الحياد الذي تمليه وظيفة الرئاسة، دعا الرئيس ولد عبد العزيز «للتصويت المكثف في الاقتراع المقبل لشعار الأمن والاستقرار والبنية التحتية والتعليم النوعي والصحة والكهرباء والطاقة والماء الصالح للشرب»، قائلاً: «نحن متحدون تحت لواء حزبنا الذي يرفع هذه الشعارات». وأكد الرئيس ولد عبد العزيز «رفض الحزب ومناضليه للعودة إلى الوراء معيدًا إلى الأذهان ما عرفته البلاد قبل 2008، حسب رأيه، من مشاكل وما تخبطت فيه من غياب للرؤية وانتهاك للمال العام، ما أنذر بالانفجار وانفراط عقد الدولة». وأضاف: «إن دعاية المغرضين ضدنا لا تصمد أمام الواقع، فهناك اليوم خطوط جوية ذات أسطول قوي تغطي الأجواء الوطنية وتهيمن على النقل الجوي في دول شبه المنطقة، وفي مجال الصحة لا يستطيع أحد أن يكابر أو ينكر ما حصل من توفير للتجهيزات الطبية وبناء للمستشفيات المتخصصة التي أنجزت من موارد الشعب الموريتاني التي كانت منهوبة ومبددة، علاوة على ربط جميع مقاطعات البلاد بطرق معبدة وبناء اقتصاد قوي بشهادة المنظمات الدولية والاقتصاديين الأكفاء الذين ليست لهم أغراض ولا أجندات نفعية.»
وافتخر في خطابه بما تحقق في المجال الأمني، حيث انتقل الجيش الموريتاني، حسب قوله، من جيش تنقصه أبسط المقومات إلى أقوى جيش في المنطقة، منوها في هذا الإطار بالمقاربة الأمنية الموريتانية التي أصبحت مثالًا يحتذى في أفريقيا وأوروبا والعالم».
وقال: «الجيش الموريتاني أصبح قويًا وذا جاهزية عالية، وشارك لأول مرة منذ نشأة الدولة في قوات حفظ السلام في كوت ديفوار ووسط أفريقيا مما يظهر مهنيته العالية واحترافيته».
وواجه مرشحو المعارضة خطاب الرئيس بانتقادات واسعة وبموجات تكذيب على شبكات التواصل حيث قطعوا فقرات خطابه وردوا عليها بصور ومقاطع صوتية من خطابات سابقة له، تفند جميع ما ذهب إليه وتظهر تناقضه، قبل أن يوزعوها على صفحاتهم وعبر مجموعات «واتساب». كما انتقد المترشحون استخدام وسائل الدولة ومصالحها العمومية في حملة الحزب الحاكم. وفي هذا السياق، كتب محمد جميل منصور، المرشح المعارض لرئاسة المجلس الإقليمي في العاصمة: «مرة بعد مرة يؤكد الحاكمون رئيسًا وحكومة وحزبًا أنه لا مسافة بين العام والخاص، وأن الدستور ثم القانون فضلاً عن الأعراف الديمقراطية، لا اعتبار لها ولا أهمية لها».
وأضاف: «البارحة مصالح عامة في قطاعات الكهرباء والأمن وربما غيرهما وضعت تحت تصرف حزب سياسي هو الاتحاد من أجل الجمهورية لإطلاق حملته؛ البارحة لم يجد الناس عند الاتحاد من أجل الجمهورية حملة لمرشحين للبرلمان أو الجهات أو البلديات، وإنما صور الرئيس وهو بذاته والخطاب خطابه والموضوع موضوعه والصفة العامة والدستور صريح في منع المسؤول الأول من مزاولة أي عمل عام أو خاص ومن عضوية قيادة حزب سياسي، ثم جاء التلفزيون العمومي لينحاز ويتحيز ويبتعد كل البعد عن التوازن والقسط».
وتابع تدوينه قائلاً: «سبقت أمور في هذا كنت كتبت عنها في وقتها، ومن المنطقي أن نتوقع حدوث أمور أخرى وهي مناسبة لدعوة لجنة الانتخابات والسلطة العليا للصحافة وكل المؤسسات ذات الصلة بالشأن الانتخابي لتحمل المسؤولية قبل أن يستفحل الأمر».
«وعلى الأحزاب السياسية والمعارضة منها خصوصًا وأجهزتها الإعلامية والانتخابية، يضيف ولد منصور، أن ترفع الصوت عاليًا وتضرب على الطاولة بقوة ولا تترك جزئية أو خرقًا إلا وتوقفت عنده، فالقوم فيما يبدو مصرون على الخلط ومن الناس يخافون ولا يثقون إلا في الاعتماد على الدولة والتماهي معها وإقناع الناس أنها هم وأنهم هي؛ والمشاركة خيار سليم ولكنه في مثل حالتنا يتطلب فعالية وحضورًا وإصرارًا على فرض قواعد التنافس السليمة وانتزاع المكاسب لصالح الناس».