لعل مدار الشرور بين أبناء الملة الواحدة وباع الخلاف يرجع إلى سني العقد الرابع من القرن الهجري الأول، عقد اجترح فيه أهل الشبه الخوارج على الأمة ما لم تفلح في سده من بعد، فكان ما كان من المحن والحروب والفتن، حروب وفتن لطالما نفخ النافخون في قرونها بالأمس واليوم.
وحدث ما حدث ولسوء الحظ في مرحلة تاريخية فارقة والدولة الإسلامية الفتية على مفترق طرق من عمرها الغض، فالوحي طري، ومثله السنن والعهد بالنبي الموحى إليه قريب، صلى الله عليه وسلم، والصحب الكرام حضور شهود، وهم من يتصدرون، رضوان الله عليهم.
وكان مبعث تلك الفتن وبابها الأعظم مقتل الخليفة عثمان بن عفان بالمدينة الجمعة 18 محرم وقيل عيد النحر عام 35 للهجرة، عثمان الخليفة الراشد الذي كانت افريقية ومغربها، غزوا وفتوحا،إحدى مزاياه وهدية جلى من هداياه، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن منع رجاله وبأوج المحنة القتال إلى أن مات شهيدا.
ولقد اثبت المحققون الثقاة من مؤرخي الإسلامالأعلام وبعضا يعضد بعضا، أن الثورة على الخلافة الراشدة أججها بديار الإسلامغداتئذ ما عرف في مصطلح القوم بالسبئية نسبة إلى عبد الله بن سبإ، داعيتها وحامل لوائها، وكان في عداد يهود الذمة باليمن، ويدعى ابن السوداء ، وكان فيمن وعلى ضغينة ظاهروا الإسلاموأبطنوا الغدر، ومن جاب يومئذ حواضر الإسلام الكبرى، حاضرة حاضرة، كالشام والكوفة ومصر، حاضا على الفتنة، وللوثوب مستصرخا بالمدينة، وإليه داعيا، السبئية التي ضاهت وغلوا في علي كرم الله وجهه، قول النصارى في ابن مريم (ع) وتعالى الله علوا كبيرا عما يصفون. مقال خبث قارفه ابن السوداء وأورثه شيعه.
إنها الفتن تستيقظ بعد سباتها، ونحن نرى ما نرى، فتن عمرها من عمر القرون، وصراع يطل ومن جديد، وخلاف يعود بناالقهقرى، اربعة عشر قرنا، يؤجج نيرانه هذا الطرف المعادي أو ذاك، ومستدرجا أحيانا هذا البلد أو هذه المجموعة، أو تلك من بلدان المنطقة، وعن وعي أو من دونه، أو هذه المجموعة أو تلك من المشايخ والأئمة أو النخب.. وبمختلف أوجه الضغوط والإغراءات المادية والمعنوية المعلنة والخفية.. خدمة لاستراتيجيات ومخطط مدروس، من بين ما يفضي إليه إذكاء لهيب الحروب الطائفية والعرقية البينية، وطبقا لمنهج استعماري معروف، وعدو هو هو، وخريطة الفتن تحدث عن نفسها بالمشرق والمغرب.
ولعل الجسر وبوابة الشرور كان الغزو الأمريكي للعراق، الذي لولا التآمر العربي والترحيب الخليجي لما وجد طريقه، غزو فتح الطريق واسعا وعلى مصراعيه لأخطبوط الهيمنة الإيرانية، ولشهيتها ولأذرعها بالمنطقة العربية السرطانية التمدد، أخطبوط سلاحه الفتاك وليس الأوحد جر المجتمعات العربية المستهدفة، وكل مستهدف فيما يبدو، إلى الاقتتال الأهلي بفضل التجييش الطائفي والفئوي والمذهبي البغيض، والنفخ في أتونه، إمعانا في تخريب النسيج المجتمعي وتماسكه وطنيا وقوميا، لأبناء الدين الواحد والوطن والمصير. ويتجلى كل ذلك في فشل إيران المرشد في أن تكون موادة وغير معادية لمحيطها العربي، كما فشلت في ذلك ومن قبل إيران الشاه، في إطار زواج متعة بين "الشيطان" الأكبر وسلطة "الفقيه".
وفي شأن متصل فإنه ومن وجوه لن نعدم ما يدعونا للنأي عن الحملة الجديدة ومشاركة الجنرال السيسي وعراب شرم الشيخ "قمة قلق" وحربا بالوكالة بأقصى مياه الجزيرة العربية، في وقت لا يبدي الرئيس قلقا بل لا يخفي ارتياحه لـ"تلأبيب" تل أبيب، التي وفي تحد مهين اصطادت عالمة الذرة المصرية "سمكة" الموساد وبالأمس القريب.
قلق على الارجح كان من قلق قمة الزمنى و"العجزة" الأخيرة بنفس الشاطئ على خلفية "عاصفة حزم" نجدية، تلك التي ربما قد يكون عصفها أعظم بعروش البترو-دولار وقبل كنوزه. وإن قاسم الرياض حكامنا الرأي في حربها الراهنة في اليمن، إما استهانة وإما استهتارا، أو رضوخا لضغوط، فأغلب الظن أولا وأخيرا أنهم أخطأوا طريقهم إلى الخيار الأسلم لبلادهم، على الأقل من وجهة نظري المتواضعة، إذ أن موريتانيا البلد الصغير والمهدد بمطامع الجيرة المبكرة والمزمنة، ليس بالاصطفاف إلى جانب الحملات العسكرية المرتجلة والمغرضة ضد الإخوة،وأيا كانوا وأين، نسدي إليه خدمة، أو نشتري له أمنا في يومه أو غده، هو في أمس الحاجة إليه.
محمد ولد اماه