ـ «القدس العربي»: احتجت المعارضة الموريتانية أمس على ما سمته «انشغال الرئيس محمد ولد عبد العزيز ووزراء حكومته بحملة سياسية لصالح حزب «الاتحاد من أجل الجمهورية» الحاكم، وهي الحملة التي أكدت المعارضة أن الرئيس بدأها قبل الأوان من مدن النعمة وكيفه في الداخل وافتتحها من نواكشوط».
وتشهد موريتانيا مطلع أيلول/ سبتمبر المقبل انتخابات عامة تتوزع قوائم الأحزاب المشاركة فيها بواقع 1559 قائمة للانتخابات البلدية، و161 قائمة جهوية، فيما بلغ عدد القوائم المتنافسة في الانتخابات النيابية 528 قائمة على مستوى المقاطعات، و97 قائمة وطنية، و87 قائمة للنساء.
وأكدت المعارضة في بيان احتجاجي أمس «أنه لا جدال في أن رئيس الجمهورية، في الدول الديمقراطية، له الحق في إعلان مساندته لهذا الحزب أو ذاك، أو لهذا المرشح أو ذاك، ولكن الفرق كبير جدًا بين أن يدعو الرئيس للتصويت لحزب سياسي معين وأن يقود بنفسه حملة هذا الحزب، ويشل الدولة ويعطل مصالح المواطنين طيلة المسار الانتخابي، ليتفرغ للحملة ويفرغ لها الوزراء والعشرات من كبار المسؤولين والموظفين».
وأضافت: «الفرق كبير جدًا عندما يقتصر افتتاح الحملة الرسمية لهذا الحزب على خطاب رئيس الدولة، وكأن هذا الحزب لا رئيس ولا قيادة له غير رئيس الدولة، والمفارقة هي أن هذا الرئيس يحظر عليه الدستور الانتماء لأي هيئة قيادية في أي حزب سياسي، نأيًا بهذا المنصب السامي عن السقوط في مستنقع التخندق السياسي، وضمانًا لعدم استخدام هيبته ونفوذه لصالح فريق سياسي ضد الفرقاء الآخرين».
«الفرق كبير جدًا، تضيف المعارضة، عندما يستخدم رئيس الدولة نفوذه وسلطته للضغط على المواطنين وعندما يأمرهم علنًا وبدون حياء بالانسحاب من أحزابهم وسحب لوائحهم لينتموا لحزبه ويصوتوا للوائحه، تحت طائلة التهديد والوعيد، أما عن استخدام وسائل الدولة فيكفي التذكير على سبيل المثال أن افتتاح الحملة السابقة لأوانها استخدم فيها رئيس الدولة ثلاث طائرات من الأسطولين المدني والعسكري، إحداها أوصلته إلى مدينة كيفه (وسط البلاد) ليتحول منها إلى أخرى أوصلته لمدينة النعمة (أقصى الشرق) التي استقل منها طائرة ثالثة إلى قرية انبيكت لحواش (أقصى الشرق الموريتاني)».
«كما يكفي التذكير، تقول المعارضة، بالمظهر المشين الذي طبع افتتاح الحملة الانتخابية في العاصمة نواكشوط: مدينة غارقة بأكملها في الظلام بينما حملة حزب السلطة وحدها غارقة في الأنوار وكأنها على كوكب آخر، طبعًا لأن مؤسسات الدولة التي تولت تهيئة مكان المهرجان أمنت له، دون غيره من المواقع الأخرى، جميع الخدمات».
وشددت المعارضة الموريتانية التأكيد بأن «هذا السلوك، المنافي لنص وروح الدستور وللأعراف والتقاليد الديمقراطية، الذي انتهجه رئيس الدولة، حسب تعبيرها، خلال هذه الحملة اعتبرته كل السلطات رفعًا لكلفة التحفظ التي يفرضها القانون، إلى درجة أن بعض الإداريين، وحتى العسكريين، لم يعودوا يجدون حرجًا في الظهور بزيهم على منصات حملات حزب السلطة، مجاراة لرئيس الدولة وتقربًا له».
وأوضحت «أن هذه التصرفات الهستيرية تعبر عن فزع النظام لما رآه من «تبخر» المنتسبين الصوريين لحزبه، ولما لمسه من فشل مخططه الرامي إلى الاستمرار في ارتهان البلاد لسطوته ونهبه».
وخلصت المعارضة المنضوية بأحزابها ونقاباتها وشخصياتها المرجعية في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة لإعلان «إدانتها بحزم للتصرفات الخارجة على الدستور والقانون التي يقوم بها رئيس الدولة، والمتمثلة في قيادة حملة حزب سياسي واستخدام سلطة ووسائل الدولة للضغط على المواطنين والسياسيين وتهديدهم لصالح حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (الحاكم)».
ودعت المعارضة المتشددة التي اضطرت للمشاركة في الانتخابات المرتقبة دون أخذ رأيها في آليات تنظيمها «كافة القوى الحية والأحزاب السياسية الوطنية والمرشحين للتصدي لهذه التصرفات المشينة، التي تعبر، حسب قولها، عن ضعف موقف النظام وارتباكه، إلى التضامن من أجل أن تنتصر إرادة الناخبين، ولإحباط ما سمته المعارضة في بيانها «الاعتداء السافر على الفرقاء السياسيين الوطنيين من طرف من يفترض أنه حامي الدستور والحريات الفردية والجماعية».
وتتواصل في موريتانيا منذ أسبوع حملة سياسية وإعلامية كبرى تمهيدًا لانتخابات فاتح سبتمبر المقبل النيابية والجهوية والبلدية.
ولم يخف الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز حرصه على كسب هذه المعركة التي اضطرت المعارضة للمشاركة فيها خوفًا من أن يطالها القانون الذي ينص على حل الأحزاب التي لم تشارك في ثلاثة انتخابات متتالية.
ويرشح حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم 282 قائمة في هذه الانتخابات محتلاً المركز الأول في الترشيحات، وقد تلاه حزب التجمع الوطني للإصلاح (الإسلاميون) الذي قدم 173 قائمة في هذه الاستحقاقات.
وبينما ركز الرئيس الموريتاني حملة حزبه على ضرورة بقاء نظامه وعلى التخويف من أي تغيير، ركز الإسلاميون حملتهم على الدعوة لمكافحة التزوير لأنهم واثقون من نجاحهم إذا نظمت الانتخابات بشفافية كاملة، أما قوى المعارضة فقد لجأت إلى عقد تحالفات واسعة في جميع الدوائر لمنع الحزب الحاكم من النجاح والاستمرار في حكم البلاد.
ويجمع مراقبو الشأن الموريتاني على «أن الانتخابات النيابية والجهوية والبلدية التي ستشهدها موريتانيا فاتح سبتمبر/أيلول المقبل، انتخابات مفصلية في تاريخ البلد السياسي والاجتماعي».
ويؤكد المتابعون «أن مجمل النتائج المباشرة وغير المباشرة للانتخابات المقبلة، تعتبر مؤشرات دالة على الاتجاه الذي ستسلكه موريتانيا في مفترق طرق الأسئلة السياسية والاجتماعية المتعلقة بالانتقال السلمي للسلطة وطبيعة العقد الاجتماعي بين مكونات المجتمع، فضلًا عن مكانة التشكيلات السياسية ودورها المستقبلي».