النتائج النهائية منتظرة اليوم وسط إحباط عام والمشهد السياسي يتشكل بصورة أخرى
بينما ينتظر مساء اليوم الإثنين الإعلان عن نتائج الشوط الثاني للانتخابات النيابية والجهوية والبلدية التي نظمت يوم السبت، أكدت نتائج شبه نهائية نشرت أمس أن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا حقق فوزًا كاسحًا في جميع المقاعد التي شملها الاقتراع المعاد، بينما خسرت المعارضة رهانات الشوط الثاني.
وتمكن الحزب الحاكم خلال الشوط الثاني من تحقيق نصرين في موقعين هامين، أولهما رئاسة المجلس الجهوي للعاصمة الذي هزمت مرشحته فاطمة عبد المالك مرشح تحالف المعارضة القيادي الإسلامي البارز محمد جميل منصور، والثاني مقعد نائب وعمدة مدينة الزويرات التي فاز فيها العقيد متقاعد الشيخ ولد بايه الصديق الشخصي للرئيس ولد عبد العزيز بفارق ضئيل على قائمة حزب التجمع المحسوب على الإخوان.
واستهدف الشوط الثاني من الانتخابات، الذي جرى يوم السبت بمشاركة ضعيفة (في حدود 40%)، حسم 12 دائرة نيابية من أصل 175 دائرة تشتمل على 12 مقعدًا، وكذا حسم 111 دائرة بلدية من أصل 216، وحسم 9 مجالس جهوية من أصل 13 مجلسًا ومنها مجلس العاصمة ذو الأهمية البالغة.
وتمكن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم من حسم 67 مقعدًا نيابيًا لصالحه في الشوط الأول من الانتخابات التشريعية والبلدية، ينضاف لها 22 مقعدًا نيابيًا تمكن الحزب من حسمها في الشوط الثاني.
وبذلك يكون حزب الاتحاد قد حقق أغلبية مريحة في البرلمان عبر شوطي الانتخابات، حيث حصل على ما مجموعه 89 نائبًا من أصل 157، ينضاف لها 30 مقعدًا لأحزاب موالية ليصبح مجموع المقاعد الموالية للرئيس في البرلمان 119 مقعدًا، أما المعارضة بشقيها الطري والمتشدد فلم تتجاوز حصتها 38 مقعدًا فقط.
وسارع سيدي محمد ولد محم، رئيس الحزب الحاكم، ليعلن على حسابه في «تويتر» فوز حزبه في انتخابات الشوط الثاني، وقال: «22 نائبًا من أصل 22 وفي عشر دوائر انتخابية جرى التنافس عليها في الشوط الثاني تم حسمها جميعًا لصالح حزب الاتحاد من أجل الجمهورية».
وأضاف: «موعدنا مع نصر مؤزر جديد، هو في حقيقته ليس انتصار جهة على أخرى، فقد كان ميزان القوة الانتخابية معروفًا حتى قبل الانتخابات، وإنما هو نصر للشعب الموريتاني وديموقراطيته التي تترسخ وتتعزز مع الوقت، ولدولة المؤسسات التي هي سفين عبورنا باتجاه المستقبل».
وهاجم الرئيس الموريتاني من سماهم المتطرفين والعنصريين وذلك في تصريح أدلى به بعد تصويته، فقال: «الشعب الموريتاني بعث رسالة واضحة للمتطرفين، مفادها أن لا مكان لمخططاتهم الرامية إلى تدمير هذا البلد كما فعلوا في دول عربية عديدة، وكما أساؤوا إلى الإسلام بصورته السمحة الناصعة وألحقوا به من أذى في جميع أنحاء الكرة الأرضية».
وقال: «لقد وجهت هذه الانتخابات رسالة واضحة إلى هؤلاء المتطرفين، سواء الدينيين منهم أو دعاة العنصرية الذين يريدون تفكيك موريتانيا، وأكدت لهم بأن لا مكان لهم في هذا البلد»، حسب قوله.
ووسط الإحباط الذي عم أوساط المعارضة من أداء لجنة الانتخابات المشرفة على الاقتراع، دون رئيس لجنة الانتخابات محمد فال بلال قائلًا: «من تقاليد الانتخابات في موريتانيا والبلدان المماثلة أنَّ من فاز فإنما يفوز بنفسه وشعبيته، وأن من خسر فإنما يخسر بسبب لجنة الانتخابات؛ الله يلطف».
وبالتوازي مع النتائج التي تجري غربلتها، بدأ المدونون المعارضون يصبون غضبهم على مرشحي الحزب الحاكم، حيث كتب المدون البرز محمد المنى: «ظن كثيرون بعد استفتاء التعديل الدستوري في أغسطس/آب 2017، أن آلة التزوير ملّت وكلّت وشبعت بما فيه الكفاية من مهمتها الروتينية المملة والمتواصلة منذ بلديات 1987، وأن القائمين عليها أعلنوا توبتهم النصوح وبلا عودة إلى الغش وشهادة الزور، لكن الشوط الأول من انتخابات «الفاتح» أظهر أن الآلة متطورة ومتكيفة مع جميع المواقف والمراحل، لذلك قعدت بالكثيرين (موالين ومعارضين) همتهم عن الذهاب للتصويت في اقتراع الشوط الثاني، بيد أن الآلة تفوقت على نفسها مجددًا في هذه المرة كذلك، ليتردد من جديد ذلك السؤال السيئ، الذي يعد أخطر فيروس يدمر الجهاز المناعي للديمقراطيات الناشئة: ما الداعي للاقتراع وتنظيم انتخابات تأكل الوقت والمال والجهد، طالما أن النتائج معروفة ومحسومة سلفاً؟!
واختار المدون محمد الأمين سيدي مولود، الذي دخل البرلمان مدعومًا بنشطاء التدوين، توجيه تهنئة للشعب الموريتاني قائلًا: «أهنئ الشعب على تجاوز مطبات انتخابات لم تكن «الدولة» فيها محايدة مع الأسف، وكان المال السياسي والحشد العشائري والأسري حاضرًا بقوة، ومع ذلك مرت دون أي حوادث تذكر، وهذا مؤشر نضج ووعي مريح على الأقل في بعده السلمي».
«كررنا، يضيف المدون، ونكرر إدانة تحويل الدولة إلى جهاز لخدمة حزب أو كشكول معين، وتورط الجنرالات وكل القطاعات الوزارية في أمور لا علاقة لها بمهامهم، ومع ذلك رأيتم كيف طار لب النظام حتى نزل بأعلى هرم فيه وبكل الثقل اللاقانوني كاستخدام وسائل الدولة وهيبتها، كما حصلت خروقات معتبرة خاصة في الداخل».
وأضاف: «لقد كان بإمكان المعارضة أن تحقق أكثر مما حققت رغم الحصار من طرف النظام، ومن طرف الدولة مع الأسف، فمعارضة لا يستطيع أي مدير الانتساب لها، ولا يستطيع أي رجل أعمال مساعدتها علنًا، ويحاصرها الإعلام العمومي الممول من مال الشعب، وتتحالف عليها القوى المالية والسلطوية والقبلية التقليدية كلها تقريبًا؛ ويلاحق نقابيوها وطلابها ونشطاء شبابها بالقمع والتشويه، ورغم كل هذا حققت مكاسب معتبرة، بل جيدة؛ خاصة أن أغلب أحزابها تقاطع الحملات والانتخابات منذ فترة، وهو خطأ وقعنا فيه جميعًا تقريبًا».
وقال النائب سدي مولود: «أتمنى أن يكون ما حصل درسًا لنا جميعًا في ضرورة تجاوز الأزمة التي طالت، وأن يؤدي إلى حوار وطني شامل لا صوري ولا تزويري مثل ما قيم به من قبل، وأن يمهد لتحول حقيقي من خلال تهيئة الأرضية للانتخابات الرئاسية بشكل يرضي الجميع؛ فالفرص لا تتكرر كثيرًا، وعلى من يمسكون زمام السلطة إدراك ذلك قبل غيرهم»
القدس العربي