«القدس العربي»: يحتدم في موريتانيا حاليا جدل حامي الوطيس حول مآلات التهديدات التي وجهها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في مؤتمره الصحافي الأخير لحزب «تواصل» الإسلامي، ثاني قوة في البرلمان الموريتاني الجديد.
ولم يخف الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز تضايقه من حزب «تواصل» الإسلامي، بل ومن الإسلاميين عموما، حيث وصفهم بأنهم «قوة تدميرية أخطر من إسرائيل، وبأن إسرائيل أكثر إنسانية منهم».
وأكد محمد جميل منصور الرئيس السابق لحزب «تواصل» في تعليق له على تهديدات الرئيس لحزبهم «لقد كان حزبنا أبرز منافس للحزب الحاكم في الانتخابات الأخيرة لذا هاجمه الرئيس وأكد انزعاجه منه».
وأضاف «حزب «تواصل» لا يهتم بتصريحات وتهديدات الرئيس له لأن الموريتانيين يعرفون هذا الحزب ومرجعيته ورجاله وبرنامجه».
وأكد ولد منصور «أن الرئيس يسعى من خلال تهديداته لحزبنا إلى لفت نظر الرأي العام المحلي والدولي عن سياساته الفاشلة، كما يسعى لخلق أجواء تساعده على خرق الدستور من جديد، وهو ما لن نقبله نحن ولن يقبله الشعب الموريتاني». وأوضح ولد منصور «أن حزب «تواصل» سينشط ضمن منتدى الديمقراطية لتأسيس جبهة وطنية كبرى مضادة لجبهة الأغلبية في انتخابات 2019».
وضمن عشرات التدوينات التي تغص بها صفحات الفيسبوك الموريتانية حول حل «تواصل»، استبعد المدون البارز الأستاذ الجامعي أبو العباس برهام في تدوينة له أمس، التوجه لحل حزب «تواصل» الذي دعا له نشطاء الموالاة، ومن أبرزهم إسحاق الكنتي الأمين العام المساعد للحكومة، الذي كتب مقالا مطولا عن حزب «تواصل» تحت عنوان «الحل في الحل».
وأضاف أبو العباس «لم تظهَر لي إلى حدِّ الآن مؤشِّرات بحلِّ حِزب «تواصل» المتداول، ويبدو أنّ هنالك مسبِّقات موضوعيّة وداخلية (صعود السيسيّة كحالة حُكم في وضع القلاقل، التشجيع السعودي – الإماراتي، ظهور خطاب اتهامي للحزب في أوساط النظام)، غير أنّها ما زالت تبدو لي في مجال الخطابة والتعبئة، وعلى العكس أعتقد أنّ حلّ هذا الحزب سيكون، لو حصل، حماقة استراتيجيّة، كما أعتقد أيضاً أنّ التجربة العموميّة ستخسَر به، بدل أن تكسبَ منه».
وقال «في العهد الطائعي (نسبة للرئيس الأسبق ولد الطائع)، كانت الاستراتيجية «الدّيمقراطيّة» هي منع الإسلامويين من المشاركة السياسيّة والسماح للمعارضة التاريخية بمشاركة محدودة، وفي العهد العزيزي قُلِبت المعادلة فمُنِعت المعارضة التاريخية من المشاركة وسُمِح لحزب «تواصل» بالمشاركة الحُرّة، وفي العهد العزيزي أُنهِي تمويل المعارضة وروقِبَ ممولوها ومُكِّسوا بحيث دخلت انتخابات 2018 خالية الوفاض، أمّا حزب «تواصل» فقد حافظ على تمويل جيّد في العهد العزيزي، وقد صارت موريتانيا في هذا العهد مكاناً نشطاً لمؤتمرات الإسلامويين بما فيه المؤتمر الجهادي في 2010».
وتابع أبو العباس تحليله قائلا «من خلال تعصيب وهيكلة الدِّين يُساهِمُ حزب «تواصل» في دمقرطة قطاعات كانت دمقرطتها ستكون صعبة بدونِه، فيتمّ تكوينها في العملية السياسيّة وتدريبُها على حلّ المعضِلات بالصناديق، صحيح أنّها تستخدِم هذه الآلية الحداثية في التعبئة الجهادية (أي التصويت ضدّ غير الصالِحين أو الكُفّار، ناهيك عن عملية الأسلفة المتناميّة)، ولكن هذا لا يختلِف عن دمقرطة العشائر التي تقوم بها السياسيات الأعيانية للدولة الحديثة، سواء الاستعمارية أو ما بعد الاستعماريّة، بما فيها استخدام الدين الرسمي في عملية بناء المواطنة؛ وعليه فإنّ إعادة عدم تشريع هذا الحزب سيُنتِجُ فراغاً في الاتفاق على قواعِد اللعبة وقد تكون لها نتائج وخيمة».
وحول الهدف من حل «تواصل «يقول أبو العباس «إذا كان الهدف من حلّ الحزب هو الالتفاف على تمويلِه وقوّتِه فهذا تعليل سخيف؛ أوّلاً جُزء من قوّة هذا الحِزب هو الطواقِم البشرية وقيّم التضحيّة والتطوّع، وبهذه يمكن الالتفات على التمويل بنسبة كبيرة، وجُزء من تمويل حزب «تواصل» يعود إلى ديناميكيات محليّة: مساهمات تجار التجزئة وعوائد المغتربين، الذين وُظِّفوا بعلاقات هذا الحزب الإخوانيّة، ويأتي جُزء منه حتّى من النظام».
«يظهر من ردود القادة التواصليين، يضيف أبو العباس، أنّ زعيم حِزبِه الحالي استراتيجي وإنْ لم يكن كاريزمياً، فيما القادة الآخرون كاريزميون وإنْ لم يكونوا استراتيجيين، في هذه اللحظات يحسن الاستماع للعقل ونبذ البهرجة الخاوية. من الجلي أنّ التجربة المصرية لم تُستلهَم، جزء من هذا هو أنّها لم تُصوّر أصلاً».