انشغل الموريتانيون عن السياسة وعن إرهاصات تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات بفاجعة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إستنبول، حسبما تؤكده آخر المعلومات.
فلا حديث في الصالونات وفي الأسواق وفي سيارات النقل الحضري إلا عن جمال ومقتل جمال ومصير جمال ومحاسبة قتلة جمال، فقد أصبحت هذه الفاجعة وما يلفها من غموض محل اهتمام الناس هنا في أقصى نقطة مما يسمى الوطن العربي، حيث يتداول الجميع أخبارها عبر «واتساب» وعبر منصات التواصل الأخرى.
والملاحظ أن الكثيرين هنا في أعلى درجات التضامن مع جمال خاشقجي، وفي أشد الحقد على الحكومة السعودية وعلى محمد بن سلمان بالذات، الذي يحمله المنشغلون بهذه القضية مسؤولية اغتيال خاشقجي.
وبلغ اهتمام الموريتانيين بمقتل جمال حدًا جعل الكثيرين يثبتون صوره على بروفيلات صفحاتهم على «فيسبوك» و»واتساب».
وفِي الأسواق يتبادل صغار التجار أخبار جمال حسبما لاحظه مندوب «القدس العربي» أمس خلال جولة تبضع في سوق الخضراوات المغربي وسط العاصمة نواكشوط.
بائعة خضار سبعينية بادرت المندوب وهي لا تعرفه، سائلة: أخي، هل عندك أخبار عن الصحافي السعودي الذي قتله بن سلمان في تركيا؟
قبل أن يجيب المندوب أحدق من حوله الباعة رجالاً ونساء وشبانًا، وانطلق الحوار والنقاش، البعض يبحث عن أخبار جمال، والبعض الآخر يعطي آخر المعلومات عن جمال.
في خضم الحوارات تناثرت المعلومات: جمال مقطع في صندوق بمنزل القنصل السعودي في تركيا؛ لا.. لا لا، يقول آخر: جمال خطفوه إلى الرياض ليتولى بن سلمان قتله بيده.
تدخل آخر: يا جماعة اتقوا الله.. هذه حكومة الحرمين لا تقتل؛ رد عليه شاب يبدو أنه مطلع: حكومة الحرمين تحبس أكثر من مئة عالم، هذه حكومة إسرائيل وأمريكا، يجب أن نسمي الأشياء بأسمائها. وتدخل ستيني آخر ليسأل: وماذا قالت حكومتنا؟؟ وأردف: نرجو أن تسكت حكومتنا هذه المرة أو تندد بهذه الفعلة التي لا تغتفر.
ربما لم يسمع أهل السوق ذلك الوقت أن الحكومة دعت في بيان رسمي أمس «إلى توفير ما يلزم لمهنية وشفافية التحقيق المشترك الجاري (في قضية جمال) ومنحه الوقت الكافي لكشف الحقيقة».
واستنكرت الحكومة الموريتانية في بيانها ما سمته «حملة الادعاءات المغرضة التي لا تخدم لا شفافية التحقيق الجاري ولا مصداقيته»، داعية للتروي والتريث بدل التسرع في الحكم واعتماد الشائعات».
وفي سياق هذا الانشغال، أعرب اتحاد الناشرين وتجمع الصحافة في موريتانيا أمس عن «تنديده الشديد بما تعرض له الصحافي السعودي والكاتب الكبير جمال خاشقجي»، مؤكدين «أن ما حدث اعتداء على كل الصحافيين، وعلى الحقيقة، وعلى الكلمة الحرة».
ودعا الاتحاد والتجمع اللذان يضمان غالبية الأوساط الإعلامية الموريتانية «الجهة المسؤولة عن اختفاء جمال إلى الكشف عن مصيره فورًا»، معلنين عن «تضامنهما مع أسرته وأصدقائه، مع الشد على أيديهم، والوقوف معهم حتى تظهر الحقيقة، ويستعيد جمال حريته، وينزل العقاب اللازم بكل من كان له ضلع في هذه القضية الخطيرة».
وطالب الاتحاد والتجمع «الصحافيين في أنحاء العالم، بل كل الأحرار، والحقوقيين بالالتفاف حول قضية جمال خاشقجي، وجعلها محور الاهتمام حتى تأخذ العدالة مجراها، والحقيقة مسارها».
نواكشوط- «القدس العربي»