«القدس العربي»: يستغرب الموريتانيون التأخر الكبير في قيام رئيسهم محمد ولد عبد العزيز بتشكيل حكومة ما بعد انتخابات أيلول/سبتمبر الماضي، حيث جرت التقاليد الديمقراطية باستقالة حكومة ما قبل الانتخابات لتُستبدل بها حكومة تعكس تركيبة ممثلي الشعب في البرلمان المنتخب.
ويعود الاستغراب في أن هذا التأخر لأنه لا مسوغ له ما دام الرئيس محمد ولد عبد العزيز مطلق التصرف في التعيينات، ولا مشارك له في ذلك، كما أكدته الأحداث مند توليه الحكم عام 2008 في انقلابه العسكري الذي أطاح فيه بسلفه المنتخب.
وذهبت التحليلات كل مذهب في تحليل أسباب التأخر في تعيين الحكومة الذي بات الحديث الأوحد في الصالونات والموضوع الأبرز في إدراجات وتغريدات المدونين.
فمن قائل بأن تأخر تسمية الحكومة يعود في الأساس لانتظار استكمال الإعلان الرسمي النهائي عن نتائج الانتخابات من طرف المجلس الدستوري، ومن قائل بأن التأخر يعود لأهمية الحكومة المقبلة في التحضير لانتخابات 2019 التي باتت على الأبواب.
ويجمع مراقبون على أن إكراهات التحضير لخلافة الرئيس لنفسه أو بغيره ممن سيختاره، هي السبب الأساسي في التأخر الحاصل في تسمية الحكومة؛ فإذا لم يغير الرئيس محمد ولد عبد العزيز الدستور برًا بقسمه ووفاء بتعهداته، وهو أمر تتشكك فيه معارضته، فإن الدستور ينص على مغادرته السلطة في يونيو / حزيران 2019، وهو ما يجعل التحضيرات جارية حاليًا لاختيار خليفته.
وسيكون الرئيس وفقًا لهذا الاعتبار مضطرًا للتريث كثيرًا في اختيار أعضاء حكومته حتى لا يثير سخط هذه الجهة أو تلك، وليضمن السير بأغلبية أنصاره نحو تحقيق هدفه في البقاء في الحكم، بحيث يؤمن نفسه باستخلاف شخص مؤتمن يحمي له ظهره ويضمن له العودة لكرسي الحكم عام 2024.
ويعتقد مراقبون لهذا الشأن «أن انتخاب العقيد الشيخ ولد بايه الصديق الشخصي للرئيس عزيز على رأس الجمعية الوطنية، هو الخطوة الأولى في التحضير لعملية الاستخلاف، حيث ينص الدستور الموريتاني على أن رئيس الجمعية الوطنية هو الذي يتولى النيابة عن الرئيس في حالة غيابه وفي حال شغور منصبه لهذا السبب أو ذاك.
وبعد أن رتب الرئيس مواقع مؤيديه الأقربين في البرلمان، ينتظر أن يعين عما قريب، رئيسًا للوزراء يكلف بتشكيل حكومة جديدة. ويواجه الرئيس في هذه الحالة معضلة اختيار رئيس الوزراء حيث يصعب عليه، بالمنطق العادي، أن يجدد الثقة في رئيس الوزراء الحالي يحي ولد حدمين، لما شهدته حكومته من هزات وانتقادات في السنتين الأخيرتين، كما يصعب عليه استبعاد ولد حدمين لكونه رجلاً قويًا بموقعه الاجتماعي والقبلي في مناطق الشرق الموريتاني التي يعول عليها في الاستحقاقات الرئاسية المقبلة.
وبما أن الرئيس ولد عبد العزيز عين رجلًا من المجموعة العربية على رأس البرلمان، وهو المنصب الذي دأب على إسناده لشخص منحدر من مجموعة الحراطين (الزنوج المستعربين)، فالذي يتوقعه المراقبون هو تعيين أحد الحراطين رئيسًا للوزراء.
ويتداول حاليًا على نطاق واسع احتمال تعيين محمد سالم مرزوق، المستشار بالرئاسة حاليًا، رئيسًا لوزراء الحكومة المنتظرة.
غير أن الأمر الوحيد المتفق عليه حتى الآن هو أن على الرئيس أن يلزم الحذر في تعييناته، حتى لا يثير سخط مجموعات المناطق الشرقية ذات الوفرة العددية الانتخابية.
وفي تحليل للتطورات السياسية في موريتانيا، ركزت أسبوعية «القلم» أعرق الصحف الموريتانية المستقلة، في تحليلها أمس، على استكناه واستنطاق ما لديها من معلومات لتحديد الخليفة المحتمل للرئيس ولد عبد العزيز. وذهبت الصحيفة إلى «أن الأنظار في خلافة الرئيس عزيز تتجه للجنرال محمد ولد الغزواني، رفيق درب الرئيس عزيز وشريكه في انقلاب 2008 وسنده فيما مر به من هزات وأحداث».
وأضافت: «يتوفر الجنرال غزواني على عدة عوامل تؤهله لتولي الرئاسة عام 2019، بينها انتماؤه المشرف للمؤسسة العسكرية، وقبوله لدى المعارضة ولدى سفارات الدول الغربية، غير أن الرئيس عزيز قد لا يثق في هذا وقد يستخرج عسكريًا آخر لتولي هذه المهمة».