من سيكون رئيس موريتانيا المقبل في انتخابات 2019 التي أصبحت على الأبواب؟ هل هو الرئيس الحالي أم هو رفيق سلاحه الجنرال غزواني وزير الدفاع، أم هو شخص آخر سيخرج من تجاويف الغيب؟
تساؤل على كل لسان، وانشغال كبير يشمل الجميع مع اقتراب موعد تقديم الترشحات في انتخابات 2019 المقرر دستوريا منتصف إبريل نيسان المقبل؛ فهو أمر يشغل الموريتانيين موالاة ومعارضة لعدم وضوح موقف الرئيس ولد عبد العزيز من الترشح: فهل سيعدل الدستور وهذا أمر سهل متاح له عبر البرلمان رغم مخاطره، ليتمكن من البقاء في السلطة أم أنه سيرشح مقربا منه كنفسه لتولي الرئاسة في هذا المنعطف الحساس؟، وما هو موقف الجيش من هذا أم هذا كله يتم باسم الجيش أم أن الجيش لا موقف له في هذا الشأن؟
وهذا التناوب يشغل بدرجة كبيرة شركاء موريتانيا التقليديين وعلى رأسهم فرنسا التي لها يدها في تحديد حكام مستعمرتها السابقة، ويشغل كذلك جوار موريتانيا وبخاصة المغرب والجزائر بسبب انعكاس ذلك على المصالح المشتركة وعلى قضية الصحراء بخاصة، ويهم السنغال التي لها جاليتها ومصالحها الكبرى في موريتانيا.
وقد أخذ الرئيس محمد ولد عبد العزيز أخذ عدته كاملة ولبس لأمة الحرب لخوض ينتظر أن يكون عصيبا لانتخابات الرئاسة المقبلة حيث وحد أنصاره في حزب الاتحاد، وحصل على أغلبية برلمانية مريحة (122 نائبا من أصل 157) في الانتخابات الأخيرة، كما أنه لم يحسم بشكل قاطع جدا مسألة ترشحه حتى يبقى أنصاره موحدين على أمل بقائه في الحكم.
ويدخل ضمن الإبقاء على خيط الأمل، تأكيدات وزير الثقافة الناطق الرسمي باسم الحكومة ورئيس الحزب الحاكم سيدي محمد ولد محم الذي أكد في تصريح له الخميس الماضي “أن الأغلبية حددت مرشحها وستعلن عنه في الوقت المناسب قبل منتصف إبريل القادم”، مبرزا “أنها متمسكة بفخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز”.
وآخر ما نقل عن الرئيس محمد ولد عبد العزيز بخصوص ترشحه هو ما صرح به مؤخرا الرئيس مسعود ولد بلخير الذي أكد “أنه ناقش مع الرئيس عزيز موضوع الانتخابات المقبلة وأكد له أنه لا ينوي الترشح لمأمورية ثالثة”.
وأكد ولد بلخير وهو رئيس حزب التحالف من معارضة الوسط “أنه إذا كان تعديل الدستور متاحا في بعض الحالات فإنه غير ممكن في حالات أخرى مثل تعديله للسماح بترشح الرئيس لمأمورية ثالثة، وفي حالة ما إذا وقع ذلك فإنه سيكون أمرا غير دستوري وغير مقبول”.
ويرى متابع لهذا الملف مقرب من السفارات الغربية في نواكشوط “أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز ينتظر موقف الدول الغربية وبخاصة فرنسا من ترشحه، فإن تأكد أن هذه الدول ستقبل بترشحه بطريقة مدسترة نظرا لأهمية الوضعية الأمنية في الساحل عندها وبالنظر لروائح الغاز التي هي على وشك الهبوب، فإنه سيترشح وكل شيء مرتب لذلك، وإن كانت هذه الدول غير قابلة لذلك فإنه سيتفاهم معها حول الشخص الأنسب وهو بدون تردد واحد من ثلاثة أشخاص: الجنرال غزواني، العقيد الشيخ ولد بايه رئيس البرلمان، مولاي ولد محمد الأغظف رئيس الوزراء الأسبق”.
وممن تناول إشكالية التناوب على الرئاسة في موريتانيا الصحافي الفرنسي البارز المختص في شؤون الساحل نيكولا بو رئيس تحرير موقع “لموندافريك” الآني، الذي أكد في تحليل له الأحد “أن تعيين الجنرال غزواني أسمى ضباط المؤسسة العسكرية آخر أكتوبر الماضي وزيرا للدفاع يشير إلى إعادة توزيع للأدوار في ظرفية سياسية متوترة”.
وأضاف الكاتب “الجنرال غزواني يتوفر على أكثر من مؤهل لتولي خلافة ولد عبد العزيز المرفوض داخليا وغير المعتبر خارجيا أولها أنه يحظى بتقدير كبير داخل المؤسسة العسكرية والثاني أنه يحتفظ بعلاقات طيبة مع فرنسا والولايات المتحدة والمغرب، وهو ما يضبط توازن توجهات الرئيس الحالي المائلة نحو الجزائر والسعودية”.
تسعى المعارضة الموريتانية، حسب مصدر مقرب منها، لحسم الخلاف بين اتجاهين فيها أحدهما اتجاه مخاتلة النظام ويدعو لترشيح شخص من أعوان الرئيس لطمأنته ولتفجير جماعة الرئيس من الداخل، والثاني يدعو لترشيح شخص نظيف مجمع عليه يضمن التغيير الشامل.
وأكد محمد الأمين بيه القيادي في حزب اتحاد قوى التقدم المعارض في توضيحات لـ”القدس العربي” الأحد “أن أحزاب المعارضة حددت يوم السبت المقبل موعدا للقاء مخصص لحسم الترشح للانتخابات المقبلة، بعد استكمال كل حزب لمشاوراته الداخلية”.
ويرى ولد بيه “أن الأقرب حاليا لدى المعارضة هو الاتفاق على شخص من خارج قادتها ولكل حزب في ذلك خياراته التي سيجري التوفيق بينها”.
وتتردد منذ يومين أسماء عدد من الشخصيات المقدمة لموقع مرشح المعارضة الموحد ببنها الشيخ سيد أحمد بابامين وهو ضابط كتقاعد ووزير سابق وسفير، ومنها محمد محمود ولد محمد صالح وهو خبير قانوني دولي وشخصية لها وزنها الهام.
وأوضح ولد بيه “أن الرأي العام الوطني ينتظر من المعارضة أمرا واحدا هو الاتفاق على مرشح واحد يضمن التغيير الهادئ، وهو يرى أن الفشل في توحيد المرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، انتحار سياسي للمعارضة وتفريط في استقرار البلد والحفاظ على منجزاته الديموقراطية المحققة بشق الأنفس”.
ويجمع متابعو هذا الشأن على أن موقف إسلاميي حزب التجمع (يحسبون على الإخوان)، هو الحاسم في هذه القضية بالنظر للقوة الانتخابية لهذا التيار التي ظهرت جلية في الانتخابات الأخيرة، كما يرى أكثر المراقبين بأن مرشح الإسلاميين ليس شخصا آخر سوى الجنرال محمد ولد الغزواني وزير الدفاع الحالي.
ومن المستبعد أن يتقدم الإسلاميون بمرشح خاص بهم في الانتخابات المقبلة نظرا لاستهدافهم في الداخل والخارج ولذا فموقفهم الواضح هو السير مع موقف المعارضة والقبول بأي مرشح غير الرئيس الحالي شريطة ألا يكون ترشحه إعادة إنتاج للنظام الحالي أيضا.
وبينما يشتعل هذا الانشغال هنا وهناك، يوجد الرأي العام الموريتاني في حالة انتظار وترقب ونفاد صبر مشدودا بين الأمل في تغيير يضمن للبلد مستقبلا أفضل وتخوف من تتناوب عاصف قد يدخل البلد في متاهات أخرى أكثر خطورة لا يتحملها شعب أنهكه الجفاف والفقر وسوء التدبير.
“القدس العربي”