الرئيس محمد ولد عبد العزيز قال لإذاعة فرنسا الدولية، قبل أيام ما يفيد مفهوم منطوقه أنه لن يذهب بعيدا، سيبدّل (لمراحْ) من القصر الرمادي إلي قصره في لكصر الفوگاني ليعود للقصر الرمادي عن طريق انتخابات جديدة بعد أن دخله أول مرة على ظهر دبابة.
عزيز يثق في الحزب وفي الرئيس المنتخب الجديد الذي سيختاره خليفة له، ويثق في شعبه العزيز..
ماغاب عن ذهن عزيز أن الغائب ليس شيخ أهله، وأنه ما إن يرحل حتى ينقلبوا عليه وهم لايزالون يسمعون قرع نعليه منصرفا عن القصر الرمادي.
سينساه شعبه "العزيز": كما نسي المختار والمصطفى وهيداله ومعاوية واعل وسيدي..
وسينقلب عليه (الحزب) و (ألْ ) التي يحسبها عهدية لم تعد كذلك فهو حزب لا عهد له -وما الحزب الجمهوري منا ببعيد-، كما أن مصحوب ألْ (الحاكم) ، أصبح نكرة حين فارقته ألْ، فهو حاكم سابق.
وسيَقلب له الرئيس الجديد ظهر المجن، فهو لم يعد رئيسا، و(بازب) التي كان يعتمد عليها لم يعد لها دور بعد تسليح الجيش وتطويره، كما أنه هو لم تعد له صفة رسمية تخوله حق التصرف في أي شيء.
سيقول الجميع بعد رحيله: ألا بُعداً لعزيز كا بَعُدَ أسلافه..
وسيدرك هو بعد رحيل العمر أنه كان يطارد خيط دخان...
يقول ألكسندر كويري: "لم تعد الحقائق هي الحقائق، بل صارت مجرد تأويلات تخدم إستراتيجيات معدة سلفا. لم يعد الإنسان يعشق أن يرى الأشياء كما هي، بل صار يهوى أن يرى الأشياء كما يتوهمها وأن يؤولها ويقرأها قراءة ذاتية".
من هنا يبدأ الساسة صناعة الكذب وإنتاج الوهم ليكون ضحيته الحاكم قبل الشعب، ينضاف إلى ذلك أن كرسي الحكم يرسل للجالس عليه نداءات خفية توهمه بأنه الوحيد المخول للحكم وبأنه منة من الله أرسلها لهذا الشعب المسكين لإنقاذه وأنه القائد المُلهَم في حين أنه ليس ملهما بل هَماً فقط يؤرق الشعب والوطن، يلقي الخطاب لا يلقي له بالا فيطير به عنه كل مطير مابين شارح ومُحَشٍ فتكثر الطرر والشروح والحواشي وتسير قوافل الشارحين إلى مقاطعات البلاد ومدنها وقراها فتتضافر نداءات الكرسي مع وسوسة المتملقين فيتوهم الحاكم أنه من التولى يوم الزحف تنازله أو تنحيه.
وحين يزاح الحاكم يدرك ولات حين مناص أن الأمر كان صرحا من خيال فهوى، مما أضحك الرئيس المختار ولد داداه وهو الذي قيل له أيام حكمه إنه باني الوطن وأمين الأمة وابنها البار:
بحق الكتاب وحق الوطن:: سنكتب ما قد محاه الزمن
دعانا الأمين لحزب حمى:: قديم العهود و وحيَ السما
بذلنا الجهود وكنا يدا :: وجئناك لما سمعنا الندا
وقيل له:
شكرا لماجدنا المختار سيدنا :: يخطو فينعشنا آنا ورا آن
أتى لمنطقة انواكشوط بائدة :: مسلوبة العيش في ضيق وأحزان
بالعزم عمرها نصحا وحضرها :: حقا فلا كاسل عنها ولا وان
فدتك نفسي من بان يرنحني :: بحسن وضع وأبراج وألوان
سقتك عاصمة الأوطان غادية :: بوابل من غمام الودق هتان
كم في نواحيك من نور العلوم وفي :: تلك المعاهد من حور وفتيان
وقيل له:
اتحرك تخمام المختار:: وانتَشاتْ الجمهوريه
واتل ينشيه من لغيار :: هي ماكانت منشيَّ
لول فيه استبدَ عقار :: تيرس لبعيد ء لودِيَ
واحديد الكديه والطيار :: والسفون إلّ ملگيَ
والسبتَ اگواربها كل انهار::دفّاعْ افذيك الناحيه
ء عاد الجَلبْ ءُعاد أمكطار :: والحوت ء ريحت لگليه
وانسات الباديه لخظار :: و انسَ لخظار الباديه
هون الحگ اغلبْ لعتبار :: ما عبّرت الرافد بيّ
عاش الشعب ء عاش المختار :: ء عاشت زاد الجمهورية
مما أضحك الرئيس المختار ولد داداه غِبّ الانقلاب أن بعض الأسماء التي كانت قبل أسابيع تسبح بحمده، سمعها عبر المذياع تصف عهده بعهد الظلم والرشوة والخيانة، فكانت رسالته للمنقلبين هي أن لايغتروا بذلك:
سِيدِي ذَاكْ الجَاكُمْ ::فَاتْ اگـبَلْكُمْ جَانَ
وَاسْوَ عَادْ اَمْعَاكُمْ :: وَاسْوَ عَادْ اَمْعَانَ
وكان المختار قبل الإطاحة به قد طبق الشريعة الإسلامية، فكانت برقيات التهنئة وملتمسات التأييد والمساندة تتهاطل على الإذاعة، ومن ظرافة العميد محمدن ولد سيدي إبراهم رحمه الله أن أحد الشعراء جاءه بطلعة في الثناء على تطبيق المختار للشريعة ، وبعدها بفترة قصيرة جاءه نفس الشاعر يحمل طلعة تؤيد الانقلاب، ولم تكن طلعته الأولى قد أذيعت لكثرة الوارد، فقال له محمدن بظرافة: انسبگو أي اطلع وهو ما أغضب الشاعر.
في حكم هيدالة كانت تعقد أسبوعيا حلقة صباحية في الإذاعة بعنوان "حفلة الأسبوع" ينعشها الأديبان بوكي ولد اعليات وساليمو ولد إعيدو وكوكبة من الفنانين، وكانت مخصصة لمدح ولد هيدالة والتطوع والتقشف وتطلاع الگاف:
ماهِ معقولَ حك اگبالْ :: يتقشف رئيس الدولَ
ءُ بعض الناس ايبذرْ فاموال :: الدوله ماهِ معقولَ
والأغاني تصدح:
يحدْ اتسوّلْ تجّولْ :: عن كيف الرجالَ حالَ
راعِ محمد خونَ ولْ :: هيدالَ كيف الرجالَ
والهياكل ضمان تهذيب الجماهير ونداء الرابع والعشرين من إبريل لأعمال التطوع الذي انطلق من تقاطع الرابع والعشرين المعروف الآن:
عند امنين اسمعناه:: يالرئيس الشهير
نداءك لبيناه :: ء جيناهْ اسغير اكبير
الهياكل ضمان تهذيب الجماهير..
أبدى العدالة بين الناس هيداله :: لما تيقن أن العدل أجدَى له
هاذي التراحيب لا أحصي لها عددا :: هيدالَ تهدى لكم والوفد تهدى له
أدال من كل طاغوت فلا دالا :: حكم الفتى الماجد الميمون هيدالا
تم الانقلاب على ولد هيدالة وأودع السجن ولم يبك عليه أحد، يقول في مذكراته: "في سجني كنت أستمع إلى الإذاعة فاستغربت التهم التي تكال لي، وأغرب من ذلك أنني سمعت ممن عمل في مناصب سامية في الإدارة الإقليمية يقول أنني كنت أظن أنني كل شيء ولا أهتم بمعاوني ولا بالمواطنين وقد ساءتني هذه الحملات جدا"
جاء معاوية في 12 من دجمبر 1984:
دجنبر مرحى فالرؤى تلد الرؤى ::مجنحة تحنو إليك و تعبر
طلعت طلوع الفجر و الليل نائم :: و سرت مسار البدر يعلو و يكبر
و إنّ رجالا قرّبوك لفتية :: ستذكرهم أيامنا حين نفخر
"أبا أحمد" فجّرت نبع دجنبر::فأرويت ظامي المجد و المجد مربع
"أبا أحمد" حرّرت شعبا مكبلا::فأضحى على سامي العلا يتربّع
"أبا أحمد" مرحى فعش متفرّدا::على قنن التاريخ تسمو و ترفع
ألا أيها الآتي مع الفجر ومضة :: تبدد عنه الغيهب المتبلدا
على القدر الموعود كان دجمبر :: و كنت لأ عياد الكرامة موعدا
تهوّم في الآفاق أعراس بهجة :: بها ادرع الشعب البشائر و ارتدى
معاوي عدل ياسر ..
لكتاب فاخبارو ذل ..
الخير جان بامجيكم
وعاشت أذنه على مدى 21 سنة وخيل له من سحرها أنها تسعى و أوحى إليه شياطين الإنس زخرف القول غرورا حتى صدق ما قالوا وحين انقلب عليه رفاقه، قال بالحرف الواحد للهادي الحناشي في الرد على اتهام مصفقي الأمس لنظامه بالفاسد قال:
هذا النظام الفاسد كما يقولون، ضمن حرية تعددية لجميع الأحزاب يمارسون أعمالهم وجميع المواطنين ونحن نقوم بحملات من أجل المعرفة للجميع ومن أجل محاربة الأمية، ومن أجل محاربة الفقر، وغير معقول هذا الكلام لايصدقه أي موريتاني ولا أي مراقب لما يجري في موريتانيا..
كان معاوية رغم حصافته وما يشاع عن ذكائه مصدقا لهذه الأوهام التي كانت تلقى في روعه من المطبلين منذ خطاب النعمة التاريخي وحتى الإطاحة به والدليل أنه عددها بعد الإطاحة به كدفاع عن حكمه.
إياكَ أن تغتر باندفاعنا :: إياك حاذر منه أن يشجعك
أرض النفاق هذه ما سلّمت :: لك المقاليدَ سوى لتصرعك
لا تأمن الكفَ التي قد صفقت :: فهي حرية ٌ غدا أن تصفعك
بعدا لشعب أنت لا تدري به :: من كان ضدك، ومن كان معك