الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين ورضي الله عن الصحابة أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد،
فتعيش بلادنا وضعا أمنيا مقلقا ضحاياه الرجال والنساء والصغار والكبار والبيوت والمتاجر تنشط فيه مجموعات مسلحة تقتحم البيوت وتعتدي على الأبرياء وتسلب الأموال وتصول وتجول.
والتكييف الشرعي لهذه المجموعات هو أنهم محاربون جزاؤهم أن يطبق فيهم قول الله عز وجل {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم}.
ونفس الجزاء يطبق على من يختطفون النساء ويغتصبوهن ولو طبق هذا الجزاء على هؤلاء المحاربين لأمنت البلاد واستراح العباد ولو طبقت بقية الحدود لانتشر الأمن ونام الناس وهم قريرو العيون.
في هذه الظروف التي لا يأمن الناس فيها على أنفسهم ولا على أموالهم تقدم لنا الحكومة هذا القانون الذي تزعم أنه يمنع العنف ضد النساء وهو قانون أجنبي غريب لا ينشر أمنا ولا يوفر طمأنينة لكنه قد يرضي بعض المنظمات الغربية الوقحة المنافقة التي لا تهتم بالعنف ضد المرأة السورية ولا العنف ضد المرأة الفلسطينية ولا العنف ضد المرأة الأفغانية أو الباكستانية أو العراقية أو المصرية أو البورمية أو المسلمة أينما كانت.
هذا القانون لا ينبغي أن يصدر عن برلمان في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ولا أن يقره نواب مسلمون موالون أو معارضون.
وأنا ضد هذا القانون للأسباب التالية:
أولا: لهذا الاسم: (العنف القائم على النوع) فالاسم وحده يكفي سوءا، ففكرة النوع هي فكرة (الهوية الجندرية) وفكرة الجندر تعني أن الخصائص الاجتماعية للرجل والمرأة خصائص مكتسبة متغيرة من خلال إعادة بناء العلاقات بين النساء والرجال وهي خاضعة للشعور والاختيار وهي فكرة في غاية السوء تبين مدى ما وصل إليه الممْسكون بأزمة المنظمات الدولية من الانحطاط، والبعد عن الفطرة والخروج على الشرع الذي يحرم مجرد تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات بالرجال من النساء والمتشبهين بالنساء من الرجال) رواه البخاري ومسلم.
ثانيا: في القانون مصطلح الشريك ومصطلحات الشريك والقرين تستخدم في اتفاقيات الأمم المتحدة لأن الأسرة التي يطمحون إلى أن تسود في بلاد المسلمين تشمل أي اثنين بينهما مساكنة رجل وامرأة بدون زواج ورجلين وامرأتين.
ثالثا: في القانون مخالفة سافرة للشرع:
فالقانون في المادة: (8) يقرر أن التحرش الجنسي مجرم في خمس حالات نص عليها القانون وكأنه في غير هذه الحالات مباح وهو الأمر المنسجم مع الثقافة الغربية لا الثقافة الإسلامية.
وفي المادة: (9) أن الأعزب إذا ارتكب جريمة الزنا يعاقب بمائة جلدة وكلمة أعزب لا تساوي كلمة البكر فالمحصن يرجم سواء أكان متزوجا أو مطلقا؟ والمواد المتعلقة بالحدود موجودة في القانون الجنائي الموريتاني بطريقة مقبولة وقد كتبت بإشراف من فقهائنا الأجلاء فلا معنى لمراجعة بعض مواد هذا القانون من غير استشارتهم.
والقانون في المادة: (9) يلغي عقوبة الرجم ويستبدلها بالجلد حتى الموت تقول هذه المادة: (إن الحكم بالإعدام جلدا حتى الموت سينطق به على مرتكب الزنا سواء كان متزوجا أو مطلقا)!!.
وتغيير أحكام الله بهذا الشكل ينحط إلى درجة الكفر .
وفي المادة: (11) يجرم القانون الضرب التأديبي الذي هو من حق الزوج تجاه الزوجة بالضوابط الشرعية والله عز وجل يقول {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا}.
والقانون في المادة: (16) يقول إنه يعاقب كل من فرض سلوكا أو تصرفا على زوجه أو زوجته ومعنى ذلك أن الزوجين يعيشان ولكل واحد منهما ما ارتضاه من سلوك ولك أن تتخيل مشمولات هذه المادة الكارثية.
والله عز وجل يقول {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم}.
والله عز وجل يقول {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهى مسئولة عنهم".
والقانون يقول في المادة: (19) إنه يعاقب كل زوج يمنع أو يقيد شريكه عن ممارسته لحرياته العامة. ولك أن تتخيل هذه الحريات العامة التي لا يجوز للزوج ولا للزوجة التدخل فيها وللعلم فإن الحريات العامة كما هي مبينة في الدستور الموريتاني هي: "حرية التنقل والإقامة في جميع أجزاء تراب الجمهورية وحرية دخول التراب الوطني وحرية الخروج منه وحرية الاجتماع".
والقانون في المادة: (21) يجرم تزويج الولي للمرأة التي لم تبلغ السن القانونية المحددة والعقوبة في ذلك السجن من ستة أشهر إلى خمس سنوات!!
والله عز وجل يقول في السورة التي يحفظها الأطفال {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} فالآية تتحدث عن بنت طلقت وهي لم تبلغ السن التي تحيض فيها النساء.
فهل النساء اللائي لم يحضن هن من بلغن ثمانية عشرة سنة!!
وقد كان قانون مدونة الأحوال الشخصية يبيح للولي أن يزوج من لم تبلغ السن القانونية إذا رأى في ذلك مصلحة.
وزواج من لم تبلغ مما علمت إباحته من الدين بالضرورة، فإنكاره جهل محض، وخروج على الشرع، وتحدٍّ لثوابت الدين، وتنكُّرٍ لعادات وتقاليد المجتمع.
المادة: (37) تطالب الطبيب أن يبلغ إذا لاحظ أثناء تأدية عمله مؤشرات على اعتداءات جنسية، وهذه دعوة للقذف تعريضا أو تصريحا.
القانون في المادة: (38) يفترض صدق شهادة أي امرأة وقعت ضحية اعتداء جنسي حتى يثبت العكس. وهذه المادة مخافة للشرع والعقل ومبادئ القانون ففي الصحيحين "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه" وهو من أحاديث الأربعين النووية التي يحفظها الصغار.
ورحم الله البوصيري الذي قال:
والدعاوى إن لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء
ثانيا: في القانون غموض ربما كان مقصودا: ففي المادة: (13) إنه يعاقب كل زوج عرض زوجته إلى ممارسات غير إنسانية وهل هناك من يستطيع أن يشرح الممارسات الإنسانية والممارسات غير الإنسانية؟
وفي القانون في المادة: 56 تكلف مؤسسات التعليم والتكوين بنشر المعلومات والأساليب التي تسهل كشف الاعتداءات الجنسية على النساء.
وهذه من الدعوات الغربية التي تهدف إلى نشر الفجور فيكون من المواد الدراسية مادة يدرسها الطلاب يستطيعون بدراستها القدرة على كشف الاعتداءات الجنسية!!!
وباختصار: فإن هذا القانون يغير الشرع ويلغي عقوبة الرجم، ويجرم ما علمت إباحته من الدين بالضرورة مثل التزويج قبل السن التي يحددها المموِّلون ويستخدم مصطلحات فسقة الشذوذ، ويشرع الدياثة، ويفتح الباب واسعا أمام تعامل منظمات الممولين مع النساء المسلمات، ويوجب القذف وهو من الموبقات السبع .
هذا القانون قرر تصديق الدعوى بلا دليل وهو أمر مخالف للشرع والعقل.
يضاف إلى ذلك أن القانون يهيئ لتسونامي من الاعتداءات الجنسية ذلك أن تطبيق هذا القانون بما فيه من خطة عمل مداها ثلاث سنوات وموارد بشرية ومالية وما ينص عليه من محاكم للبت في الاعتداءات الجنسية ضد النساء ووحدات شرطة وخبراء نفسيين ومنظمات ترفع دعاوى الاعتداءات الجنسية ومجتمع مجند للإبلاغ ومراكز استقبال وخطوط خضراء للتبليغ. ومناهج تربوية تسهل كشف الاعتداءات الجنسية وحملات إعلامية وتكوينية.
هذه الاستعدادات الضخمة تحتاج إلى كم هائل من الاعتداءات الجنسية قد لا تكون بلادنا بسكانها المحدودين ومجرميها المحدودين قادرة على تشغيل هذه الآلة العملاقة وإقناع الممولين، وفي سبيل ذلك ربما يضطر من يقفون خلف هذا القانون إلى توظيف عدد من المجرمين للقيام بالكم المطلوب من الاعتداءات الجنسية أو فتح الباب أمام مجرمي القارات الخمس لتشغيل هذه الآلة العملاقة.
وبذلك يكون هذا القانون وسيلة لنشر الاعتداءات الجنسية أو جلب مجرمي الاعتداءات الجنسية من بلاد أخرى.
رابعا: هذا القانون اللقيط أجنبي غريب على دين هذه البلاد وثقافة أهلها: والمفترض أن تصدر القوانينُ لحلِّ المشكلات المعيشة في البلاد، وليس لحل المشكلات المعيشة فيما وراء البحار، ومن المفترض في بلدٍ مسلمٍ مصدرُ التشريع فيه الشريعةُ الإسلامية أن ننطلق في حل المشكلات التي يعاني منها البلد من الشريعة الإسلامية.
في المادة: (7) من هذا القانون: "الاغتصاب كل فعل أدى إلى اختراق للفرج أو الفم مهما كانت طبيعته، مرتكب على شخص دون رضاه بعنف أو إكراه أو تهديد أو مفاجأة. "ولا أدري أي ِشيطان أوحى بهذا التعريف؟ وفي أي مصدر قانوني كتب الشيطان هذا التعريف؟".
والقانون يقول في المادة: (18): "يعاقب أي زوج منع زوجته من الميراث"!! وهذه مادة حمقاء نقلت من مجتمعات أخرى لتطبق في مجتمع مسلم يصعب عليه أن يفهم – مجرد فهم – دلالة هذه المادة.
ومع كل هذه الملاحظات فالقانون – كالخمر - فيه منافع للناس، فيفترض أن يوفر القانون وظائف لعدد من المواطنين فهناك طبقا للمادة: (65) مراكز استقبال للنساء ضحايا الاعتداءات الجنسية هذه المراكز مموله من عدة شركاء - وهذه من المنافع - ولا بد أن يكون في طاقمها مساعد اجتماعي وطبيب ومحام وأخصائي في علم النفس.
وفي المادة: (24) أنه سينشأ على مستوى كل محكمة جنائية وكل غرفة جنح قسم خاص للبت في الجنح والجرائم الجنسية ضد النساء ومع أنني لست مطلعا على تشكيل المحاكم ولكني أتوقع أن يوجد ذلك وظائف جديدة؟.
وفي المادة: (25) والمادة: (27) أشار القانون إلى وظيفة قاضي الاعتداءات الجنسية.
وفي المادة: (45) لا تجري الجلسات المتعلقة بالاعتداءات الجنسية ضد النساء بشكل صحيح إلا بحضور خبير في علم النفس يعهد إليه بمساعدة المدعية وتنوير المحكمة حول سلوكها إذا اقتضى الأمر ذلك. ومعنى ذلك أن أمام الخبراء في علم النفس وظائف تنتظرهم. وربما يفتح في الجامعات تخصص جديد باسم (علم نفس الاعتداءات الجنسية)!!.
وفي المادة: (59) تنشئ الحكومة داخل الشرطة الوطنية وحدات مختصة في الوقاية من الاعتداءات الجنسية ضد النساء..
وأتوقع أن الأمر لن يخلو من وظائف وامتيازات؟ أليست هذه كلها منافع؟
وم يخل القانون – مع كل تلك الملاحظات - من طرائف:
ففي المادة: (33) يمكن للقاضي أن يمنع المشتبه من الاقتراب من منزل الشخص المحمي!! ومكان عمله أو أي مكان آخر يرتاده في العادة ويمكنه أن يحدد الوسائل الضرورية للتحقق بصورة مباشرة من عدم التقيد بهذه الأحكام! يحدد القاضي المسافة الدنيا بين الشخص المحمي وبين المدعى عليه!! هل يعرف المترجمون لهذا القانون من يخاطبون؟
وفي المادة: (39) يتم اللجوء إلى دليل الإثبات بالحمض النووي في مجال مكافحة الاعتداءات الجنسية ضد النساء.
إن أفضل طريقة للتعامل مع هذا القانون هو طريقة كعب بن مالك رضي الله عنه في التعامل مع رسالة ملك غسان روى البخاري في صحيحه عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه قال وهو يروي قصة الثلاثة الذين خلفوا: "فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشأم ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان فإذا فيه: أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالْحَق بنا نُواسِك. فقلت لما قرأتها وهذا أيضا من البلاء فتيمَّمْت بها التنور فسجرته بها".
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.