بدأ الجدل يحتدم في موريتانيا بصورة أقوى حول التناوب على الرئاسة مع اقتراب أجل إيداع الترشحات للانتخابات الرئاسية المقررة خلال السنة المقبلة والتي ستشهد انتخاب رئيس جديد غير الرئيس الحالي إذا لم تحدث مفاجأة بتعديل الدستور للسماح بترشحه.
وينشط الجدل والحدس والتكهن حول التناوب في صالونات السياسة ودهاليز شبكات التواصل، بينما يوجد الرئيس الموريتاني المنصرف محمد ولد عبد العزيز منسحبا في عطلة داخل الصحراء، قيل “إنها عطلة استجمام واستخارة وتفكير حول الترشح للرئاسة أو تحديد من سيخلف الرئيس عزيز في انتخابات يونيو 2019”.
وصرح الرئيس محمد ولد عبد العزيز في مناسبات عديدة بأنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة تماشيا مع أحكام الدستور التي لا تسمح له إلا بمأموريتين، وأكد أنه لا ينوي إجراء أي تعديل على تلك الأحكام محترما بذلك مقتضيات الدستور.
وضمن هذا الجدل المستعر، أفتى فقهاء موريتانيون في القانون الدستوري باستحالة تعديل الدستور الموريتاني لأنه يغلق الباب أمام البرلمان بحيث لا يمكنه المبادرة لتعديله.
وأكد الدكتور إدريس حرمه أستاذ القانون الدستوري والقاضي بمحكمة الحسابات في تدوينة له أمس الأربعاء “أنه لا يمكن لرئيس جمهورية في مأموريته الثانية أن يطمح لمأمورية ثالثة ما لم يتم تعديل الدستور لرفع هذه القيود الناتجة عن أول مراجعة للدستور سنة 2006 والتي وصفها الرئيس السابق المرحوم اعل ولد محمد فال بالأقفال الثلاثة لضمان التناوب الديمقراطي ولترك السلطة لرئيس جديد بعد مدة أقصاها عشر سنوات”.
وقال: “بالفعل، حدد الدستور النافذ مدة مأمورية رئيس الجمهورية بخمسة أعوام قابلة للتجديد مرة واحدة وحصّن الأحكام المتعلقة بها أي وضعها في منأى عن أي تعديل بموجب مقترح أو مشروع صادر عن السلطتين الوحيدتين المخولتين باتخاذ مبادرة مراجعة الدستور وهما البرلمان ورئيس الجمهورية، بل وألزم الأخير باعتباره حاميا للدستور ومجسدا للدولة بأن يقسم بالله العلي العظيم على ألا يتخذ أو يدعم بصفة مباشرة أو غير مباشرة أي مبادرة ترمي إلى تعديل الأحكام المتعلقة بمدة وعدد المأموريات”.
وبينما تقترب المعارضة من التوافق على مرشحها الوحيد، يحتدم الصراع بين جناحين مقربين من الرئيس عزيز أحدهما يقوده رئيس الوزراء السابق يحيا ولد حدمين والثاني يقوده رئيس البرلمان الشيخ ولد بايه.
وأوضح الإعلامي البارز أحمد محمد مصطفى في تدوينة تحليلية عن الموضوع “أن قناعته في موضوع المرشح “المستخلف”، ومنذ فترة، هي أن عقل الرئيس ولد عبد العزيز مع الفريق محمد ولد الغزواني (وزير الدفاع الحالي)، وأن قلبه مع العقيد الشيخ ولد باي (رئيس البرلمان)، وأن بقية الأسماء مجرد ديكور لإكمال صورة المرشحين للخلافة”.
وأضاف: “من نقاط القوة التي تدفع لاختيار الفريق غزواني، مستوى الثقة بين الرجلين، وسهولة تسويقه شعبيا وفي دوائر الدولة العميقة، بل حضوره الذاتي فيها، وتعدد عناصر قوته، وتوقع أداء الدور إن كان حماية”.
وزاد: “يعرقل مضي الرئيس عزيز في ترشيح غزواني وحسمه له، التأكد من عدم ارتهانه الكامل لكل الأجندة المرسومة له، وقوة حاضنته الشعبية والمالية، وإذا أضاف لها السلطة فسيضم في يديه كل عناصر القوة والتأثير، هذا مع خبرته في النظام وسهولة تفكيك ما يحاط به من مطبات وعقبات، ما يجعل الرهان على هذه المطبات التي أقيم بعضها- فعليا- رهان خاسر”.
وتابع: “أما العقيد المتقاعد الشيخ ولد باي، فمن الدوافع لاختياره، مستوى الارتهان المتوقع منه، ما يعني استمرار ولد عبد العزيز عمليا في الحكم، واستمرار “القوة الحاكمة” ذاتها، بمشاريعها المشتركة، ونظرتها للشأن العام”.
وقال: “من المصاعب التي تعرقل اختيار الرئيس للعقيد باي، صعوبة تسويقه للرأي العام، وضعف شعبيته في صفوف الأغلبية قبل صفوف المعارضة، ما يجعل ترشيحه مجازفة غير مضمونة العواقب (فمن وصل البرلمان بصعوبة، وفي الشوط الثاني، وفي دائرة من أقل الدوائر ناخبين، سيكون من المجازفة الرهان عليه في انتخابات رئاسية يتوقع أن يكون مستوى التنافس فيها حديا، وأن تستخدم فيها مختلف المؤثرات جهوية، وعرقية، ومن هذه المصاعب، ميوله نحو الصراع، وهو ما أثر ويؤثر على علاقاته في صفوف أركان الدولة العميقة بما فيها المؤسسة العسكرية، والشك في قدرته على أداء الدور المطلوب حماية أو حفاظا على الكرسي، بل ربما يزيد الطين بلة، ويكون جزءا من تعقيد الموضوع”.
وخلص المدون للتأكيد على “أنه في كل الأحوال يتوقع أن تحمل الأسابيع القادمة انجلاء أكثر للصورة، مع احتمال أن يكون الثاني من مارس موعدا للكشف عنها بشكل كامل، وفي كل الأحوال يبدو من الراجح أن ينتصر عقل الرئيس على قلبه”.
وذهبت صحيفة “السفير” الموريتانية المستقلة في تحليل لها عن الموضوع إلى التأكيد بأنه “أصبح جليا أن تجنيد بعض أطر الولايات ودفعها لتنظيم حملات داعية لخرق الدستور للإبقاء على الرئيس محمد ولد عبد العزيز، بحجة استكمال المشاريع التنموية وضرورة احترام رأي غالبية الشعب الموريتاني، ليست سوى محاولات للتأثير على قرار الرئيس بترشيح صديق دربه الفريق محمد ولد الغزواني”.
وأضافت: “مع أن الرئيس نفسه آثر الصمت والترقب فيما سيتمخض عنه ذاك الحراك، إلا أنه بات محرجاً من ردة فعل الشارع بعد أولى خرجات دعاة المأمورية الثالثة، وهو ما دفع به لإعطاء تعليماته بضرورة التريث، بل والإيعاز لبعض وسائل الإعلام بأن قرار استخلاف ولد غزواني لا رجعة فيه وهو الوحيد الذي يمكنه أن يكون مرشحاً للأغلبية دون منازع”.
تضيف الصحيفة: “وإذا كان ولد غزواني يحظى باحترام كبير داخل الأوساط السياسية في موريتانيا بما في ذلك المعارضة الراديكالية، إلا أنه يلقى عداء خفياً من شخصيات داخل النظام ومن داخل القصر كذلك، وهي من تسعى جاهدة لإخراجه من المشهد رغم وجود خلافات بينها تسببت في ظهور أجنحة متًفقة على ضرورة إبعاد غزواني لما قد يشكله من خطر على مصالحها، غير أن كل جناح يحاول الدفع بمرشح جديد ويحاول إقناع الرئيس وإن بطرق غير مباشرة بتبنيه قبل انعقاد مؤتمر الحزب”.
وتابعت: “لم يعد يخفى على المراقبين حجم الخلافات التي وصلت حد العداء بين رئيس البرلمان الشيخ ولد بايًه والوزير الأول الأسبق يحي ولد حدمين خصوصا وأن الأول هو من عجّل بإقالة ولد حدمين غير أن الأخير نجح في الإبقاء على نفسه وإن بحقيبة معنوية تمكنه من رد الفعل وضرب الخصوم من تحت الحزام، وإن بعدو الأمس الوزير مولاي ولد محمد الأغظف الذي يحاول جناح “يحي” الجديد الدفع به كخليفة للرئيس محمد ولد عبد العزيز نكاية بمرشح رئيس البرلمان، بينما يريد ولد بايًه أن ترسو السفينة على صديقه المُقرًب سيدي محمد ولد محمد، وهو خيار يسعى ولد بايه جاهداً للدفع به مستغلاً وجود الرئيس في ضيافته هنالك في صحاري تيرس (شمال موريتانيا).
وكانت خلاصة الصحيفة هي “أن الأمور باتت واضحة على الأقل في الواجهة المدنية للنظام، صراع لأجل “إبعاد” غزواني عن القصر، في حين يتأرجحُ خيار المعارضة بين شخصيات كانت جزءاً من النظام نفسه وربما خياراً مطروحاً لمن يسمون الأغلبية الرئاسية، لكن ما لم يتضح حتى الآن هو الخيار “الفيصل” أي من ستتبناه المؤسسة العسكرية والأمنية والمحيط الإقليمي والشركاء الدوليين؟”.
عبد الله مولود
نواكشوط- “القدس العربي”