العبارة الأكثر تردداً في خطاب ولد عبد العزيز هي « المجرمون السياسيون »، واصفاً بها مجموعة من الأشخاص قال إنهم « يعدون على أصابع اليد الواحدة »، واتهمهم بأنهم يحملون « خطاباً خارجياً »، ولديهم « أفكار سيئة ومدمرة »، كل ذلك دون أن يكشف هوية هؤلاء الأشخاص الذين هيمنوا على خطابه.
حتى أن ولد عبد العزيز اعتبر أن المسيرة التي جرى التحضير لها منذ أكثر من شهر، كانت « رسالة قوية » موجهة إلى هؤلاء الأشخاص، الذين قال إنهم يتلقون الأوامر من الخارج.
غابت المأمورية
وسط إجراءات أمنية مشددة، بدأت منذ ساعات الصباح الأولى، الاستعدادات لتنظيم المسيرة، توافد الموريتانيون من مختلف مناطق العاصمة، وكان عمال الوزارات والإدارات والشركات يتجمهرون في أماكن محددة مع الحرص على إثبات حضورهم لأرباب العمل، مع حضور سياسي قوي لأحزاب الأغلبية الرئاسية الحاكمة، وأعضاء الحكومة.
حتى المدن والمناطق الداخلية حاولت إبراز نفسها في مسيرة اليوم، فرفعت لافتات تتحدث باسم هذه المدن والمناطق تطالب جميعها برفض خطاب الكراهية وتعزيز الوحدة الوطنية.
وحدات الشرطة وأمن الطرق، فرضت طوقا حول الطرق المؤدية إلى مسارات المسيرة، ومنعت غير المارة من العبور باتجاه ساحة المطار حيث نصبت المنصة الرسمية.
رفع عدد من المشاركين في المسيرة الأعلام الموريتانية، بينما رفع آخرون شعارات أحزابهم السياسية أو لافتات تتحدث باسم المناطق التي ينحدرون منها، تعلن رفضها لما سموه « خطاب الكراهية ».
فيما لم يتم رفع لافتات تطالب الرئيس بالمأمورية الثالثة، ودرجت بعض الأوساط مؤخرا على استغلال التظاهرات السياسية لمطالبة الرئيس بالبقاء في السلطة لمأمورية ثالثة، بعد انتهاء ولايته الصيف المقبل، كما شهدت الأسابيع الأخيرة مبادرات لبعض الأطر تطالب الرئيس بالبقاء في السلطة.
كما أنه من اللافت أن ولد عبد العزيز في خطابه تجاهل المأمورية الثالثة.
سقوط المنصة
الإقبال الكبير على المسيرة رافقته حالة من الفوضى العارمة، فلم يلتزم الناس بمواقعهم ولم يتمكن المنظمون من السيطرة على الوضع، وظلت الجموع تصر على التقدم تجاه المنصة الرسمية.
حالة الفوضى أعاقت تقدم الرئيس في أكثر من مرة نحو المنصة الرسمية، فيما كان الرجل يتوقف وسط الجموع يتحدث إلى الناس ويستلم منهم بعض الملفات والرسائل.
من أجل وصول الرئيس إلى المنصة تدخل الحرس الرئاسي، ولكن قبل صعوده إلى المنصة مباشرة اندلعت حالة من الفوضى تسببت في انهيار الأعمدة الرافعة للمنصة الرسمية، عندما كان على متنها عدد من أعضاء الحكومة.
أدى الحادث إلى إصابة الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، محمد ولد كمبو، قبل أن يتم نقله إلى المستشفى العسكري لتلقي العلاج، لتؤكد مصادر عائلية لاحقا أن إصابته كانت « طفيفة »، إذ أصيب في برضوض في أنحاء من جسمه.
صوت سيارات الإسعاف وحالة التدافع التي أعقبت انهيار المنصة الرسمية، أحدث بعض الفوضى وأثار الرعب في نفوس بعض المشاركين، قبل أن يتدخل الأمن ويسيطر على الوضع.
الفيسبوك والكراهية
خلال المهرجان الخطابي في ختام المسيرة تحدث ولد عبد العزيز عن جملة من القضايا من أبرزها مواقع التواصل الاجتماعي وضرورة محاربة خطاب الكراهية المنتشر فيها.
لقد كان الرئيس صريحاً في حديثه وقال إنه لن يحد من الحرية التي هي مكسب للشعب الموريتاني، ولكنه في المقابل لن يقبل باستغلال وسائل التواصل الاجتماعي للمساس بأمن واستقرار البلاد، وبالتالي سيتم « سدها » أمام الراغبين في إثارة النعرات.
وأضاف أن « أي شخص تخول له ن
فسه أن يحاول زعزعة هذا البلد،
ستتابعه الدولة وسيحاكمه الشعب الموريتاني، مهما كانت مكانته أو علاقاته أو اتصالاته أو أمواله، سيتابعه الجيش الموريتاني الذي هو جيش الشعب وليس جيش الرئيس ».
وخصص ولد عبد العزيز فقرات عديدة من خطابه للحديث عن من وصفهم بأنهم « مجرمون سياسيون »، قال إنهم يهددون أمن واستقرار البلاد.
الوصية الأخيرة
في نهاية خطابه قال ولد عبد العزيز إن « وصيته الأخيرة » للموريتانيين هي « التركيز على التعليم » لأنه هو السبيل الأفضل لبناء الدول وتجاوز المشاكل.
كانت هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الرجل عن « وصيته »، وهو يستعد لمغادرة الحكم بعد أقل من ستة أشهر، ولكنه في المقابل كان يتحدث عن المستقبل حين أشار إلى « الازدهار » الذي ينتظر موريتانيا مع بداية إنتاج الغاز عام 2021.
لم يركز ولد عبد العزيز كثيراً في خطابه على « استمرار النظام والنهج »، وهي فكرة ظلت حاضرة بقوة في جميع خطاباته السابقة، ما جعل من خطابه أقرب إلى « الوداع ».
صحراء ميديا