تواصلت أمس في موريتانيا، عبر جهات وقنوات عدة، احتجاجات رافضة لمخطط تعديل الدستور الذي يسعى نواب موالون للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لعرضه على البرلمان يوم الإثنين المقبل من أجل فك المواد الدستورية التي تمنع ولد عبد العزيز من الترشح لولايات رئاسية أخرى ليبقى حاكماً للبلاد.
واعتقلت قوات الأمن، مساء الأحد، حسبما أكد مدونون معارضون، الشابين محمد عالي يسلم عثمان، وأحمد سالم حبيب الرحمن، الناشطين في حركة «محال تغيير الدستور» أثناء وقفة احتجاجية نظمها نشطاء الحركة أمام مقر البرلمان احتجاجاً على مخطط تعديل الدستور الذي بات الشغل الشاغل للجميع.
كما اعتقل، أثناء وقفة احتجاجية أخرى، كل من الناشطين البو ولد خيه الأنصاري، والمختار ولد دادي، وهما من شباب حزب التغيير الموريتاني المعارض.
وحمل المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة الذي يضم أحزاباً وشخصيات نقابات المعارضة، في بيان وزعه أمس، «رئيس الدولة شخصياً مسؤولية استمرار ما سماه «محاولات وأد المسار الديمقراطي»، بوصفه، حسب المنتدى المعارض، المسؤول عن حماية الدستور، ولكونه المتحكم في جماعته المقربة التي تحاول زعزعة النظام الدستوري».
«إننا، تضيف المعارضة، نؤكد عزمنا الصارم على التصدي لكل المحاولات الرامية إلى الانقلاب على الشرعية والوقوف في وجه تطلعات شعبنا إلى بناء نظام ديمقراطي في ظل دولة القانون والمساواة والمواطنة، ونحن ندعو جميع الموريتانيين الغيورين على مستقبل البلاد إلى الوقوف صفاً واحداً إلى جانب الشرعية الدستورية والعمل على خلق الظروف الملائمة لتحقيق تناوب حقيقي على السلطة».
وأضافت: «كلما اقتربنا من الاستحقاق الحاسم المتمثل في رئاسيات 2019، وكلما تأكدت الحاجة إلى إعداده بصورة مسؤولة وفي جو سياسي ملائم، ظهرت من داخل السلطة إرادة واضحة في عرقلة مساره والتشويش عليه، بل وإجهاضه؛ فبعد «المبادرات» الداعية إلى المأمورية الثالثة وإلى التمسك برئيس الدولة الحالي، التي شجعتها السلطة، ونظمها أركانها، وروجت لها في وسائل الإعلام الرسمية، تأتي اليوم «مبادرة» الانقلاب على الشرعية من خلال إقدام نواب مقربين من رأس النظام، يأتمرون بأوامره وينتهون بنواهيه، على محاولة تغيير المواد المحصنة من دستور البلاد». وزادت: «إن الدعوة اليوم إلى انتهاك حرمة الدستور هي في الحقيقة دعوة إلى الفتنة يجب أن يردع أصحابها وأن يحاسبوا طبقاً للدستور وللقوانين، ذلك أن تفعيل القوانين المجرمة للمساس بالدستور وبزعزعة النظام الدستوري لا يمكن أن تكون أقل أهمية وإلحاحاً من تفعيل القانون المجرم للكراهية، وبخاصة أن رئيس الدولة نفسه قد صرح مراراً بأن الحديث عن الولاية الثالثة يشكل اعتداء على الأمن والاستقرار ستتصدى له الدولة بكل قوة وحزم».«إن هذه التصرفات المجرمة قانونياً والمدانة سياسياً وأخلاقياً، يضيف المنتدى المعارض، تعبر عن نية مبيتة للتلاعب بمستقبل البلد، وتحويل الرهان الأسمى حول مصلحة الأمة وأمنها واستقرارها إلى رهان حول مصالح شخص أو جماعة ضيقة طالما ارتهنت البلد وتفردت بحكمه واستأثرت بخيراته».
وتابعت المعارضة احتجها تقول: «إن موريتانيا بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تكاتف جهود جميع قواها الحية وجميع أبنائها المخلصين من أجل فرض تناوب حقيقي وديمقراطي على السلطة، يعيد المسلسل الديمقراطي إلى الطريق الصحيح، ويسد الباب أمام مخاطر الانزلاق نحو الفتنة وعدم الاستقرار».
وفي السياق نفسه، احتج حزب تكتل القوى الديمقراطية، على لسان نائب رئيسه محمد محمود ولد أمات، أمس، على المساعي الجارية الهادفة إلى تعديل الدستور. وأكد ولد أمات «أن التكتل يحمل محمد ولد عبد العزيز المسؤولية عما ستؤول إليه الأوضاع جراء ما يقوم به البعض من تصرفات هدامة».
وقال في تغريدة نشرها أمس: «يؤكد التكتل مع الخيرين في الداخل والخارج أن هذه المحاولات ستؤدي إلى نهاية كارثية لحكم كان كارثياً، وكنا نريد له نهاية تصون المصلحة الوطنية وأراد هو عكس ذلك».
وحذر القيادي الإسلامي البارز، محمد جميل منصور، من خطورة ما يسعى له بعض نواب الموالاة؛ وقال في تدوينة له أمس: «جمع التوقيعات لعريضة قصد تعديل الدستور في مواده التي لا يجوز تعديلها هو عمل مجرم ومحرم، والمواقف في شأن ذلك تلزمها القوة والصرام، فهو مجرم ومحرم بنص الدستور، فلننظر عند حديثه عن مبادرة البرلمانيين لتعديل الدستور استثنى ما لا يجوز الشروع في تعديله، ولا ينتبه بعضهم أن المادة التي أعطت البرلمانيين حق المبادرة باقتراح التعديل هي نفسها التي حظرت استهداف المحرمات، ومنها التداول السلمي المترجم في مأموريتين فقط للرئيس، فإلغاؤها غير متاح بالمبادرة البرلمانية مطلقاً».
وأضاف: «هذا العمل مجرم ومحرم لأن الدستور حصن المأموريتين من كل اتجاه ولن يجد محترفو التأويل مهما أحيوا من كلام المعتزلة أو استصحبوا من أطروحات مدارس التأويل الفلسفية الحديثة، مدخلاً غير الانقلاب، وهو مجرم ومحرم لأنه يحرم موريتانيا وشعبها في أول فرصة للتناوب، أياً كان مستواه وحجمه، ويقتل أملاً ديمقراطياً قد يترتب على هذا التناوب، كما أن هذا العمل مجرم ومحرم لأنه يؤدي بأجواء الاستقرار ويفتح الباب، بإغلاقه باب التناوب السلمي، أمام الطموحات والمغامرات التي خسرت بسببها البلاد عقوداً من عمرها».
وأضاف، «هذا العمل مجرم ومحرم لأنه تخلف وظلامية وتشجيع على ما لا يفيد ولا ينفع، ولأنه مبالغة في التزلف وإساءة لصفة النيابة عن الشعب وتمثيل الناس، ومجرم ومحرم لأن عاقبته وخيمة على البلد وسمعته ومكانته وصورته ومصالحه وسلمه وعافيته، وعلى النظام حتى ولو لم يدرك ذلك بعض مؤيديه، وهو مجرم ومحرم لأنه مجرم ومحرم؛ رحم الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ورضي عنه، كان لا يترك والياً فوق أربع سنين، فإن كان عدلاً مله الناس، وإن كان جائراً كفى من جوره».
وضمن هذا الحراك المعارض لتعديل الدستور، اتجه المحامون المعارضون للتعديل نحو مناقشة جوانبه القانونية والدستورية، حيث نشر المحامي الشهير محمد ألمامي ولد مولاي علي، أمس، تكييفاً قانونياً للشروع في تعديل المواد المحصنة في الدستور، أكد فيه «أن الفقرة 3 من المادة 2 جديدة من الدستور تنص على أنه: (تعدّ الانقلابات وغيرها من أشكال تغيير السلطة المنافي للدستور جرائم لا تقبل التقادم، ويعاقب أصحابها والمتمالئون معهم، سواء كانوا أشخاصاً طبيعيين أو اعتباريين بموجب القانون)، فهذه المادة تجرم كل أشكال تغيير السلطة المنافي للدستور».
وأضاف: «الخلاصة أن ممارسة الإجراءات العملية لتعديل المواد المحصنة من الدستور المتعلقة بمبدأ التناوب السلمي على السلطة والمبدأ الملازم له المحدد لمأموريات رئيس الجمهورية، يعتبر شكلاً من أشكال تغيير السلطة المنافي للدستور، وهو بذلك جريمة لا تقبل التقادم، ومعاقبة بالأشغال الشاقة المؤبدة».
نواكشوط – «القدس العربي»