تزامنا مع مشاركة بلادنا في أسبوع أبوظبي للاستدامة والقمة العالمية لطاقة المستقبل
موريتانيا من بين الدول (5) الخمس الرائدة في مجال الطاقة النظيفة على مستوى القارة
نسبة الطاقة النظيفة من الإنتاج الوطني الكهربائي وصلت حدود50 % سنة 2018.
تعزيز الاستقلال الذاتي عن طريق الأمن الطاقوي: هدف استراتيجي يتحقق
بداية، أيها القارئ الكريم، أتمنى لكم موفور الصحة والعافية، وأشكركم على إيمانكم ببلدكم، وعلى اهتمامكم بتقدمه وازدهاره والحرص على الاطلاع على مستجداته، وألتمس لديكم الصبر لمتابعة المعلومات التي سأذكرها تباعا بما في ذلك الأرقام والمعطيات التقنية.
أيها القارئ الكريم،
إن مجال الأمن الطاقوي والطاقات المتجددة هو أحد أهم المحددات الرئيسية للتحولات المستقبلية على مستوى الدول والتجمعات الإقليمية، وترتبط أهداف الأمن الطاقي عندنا بالمقدرات الكبيرة لبلادنا من الرياح وبفضل أحد أهم معدلات الإشعاع الشمسي في العالم الحاصل طيلة معظم أشهر السنة على امتداد ترابنا الوطني، بالإضافة لتدفق مياه النهر على مستوى حدودنا الجنوبية.
وكدليل على إعطاء المكانة اللائقة لهذه المقدرات في إستراتيجيات الطاقة في بلدنا، ضمنت موريتانيا منذ عام 2015 مكانتها في قائمة أهم 5 بلدان إفريقية من حيث نمو وتطوير الطاقة المتجددة وتحقيق أعلى مستويات المزج الطاقوي، بعد أن ظل استغلال هذه المقدرات الشمسية والهوائية يقبع لعقود في دائرة "اللا مفكر فيه" ربما لضعف التخطيط أو غياب الإرادة أو نتيجة للتكاليف الباهظة للموضوع.
ورغم أن مصدر الطاقة الآخر يبقى الحرارية، فسأركز على ما تم اتخاذه من خطوات لإدخال وتسريع وتيرة الطاقات المتجددة بكل أشكالها الشمسية والهوائية والكهرومائية
وسأتطرق لاحقا للغاز بوصفه أحد أنظف مصادر الطاقة لما يحظي به من اهتمام متزايد ضمن المنظومة المستقبلية لما بات يعرف بالأمن الطاقي.
ولتقييم وضعية الطاقة بأي بلد، يعتمد الخبراء جملة من المؤشرات يأتي على رأسها مؤشر نسبة الطاقة النظيفة من إجمالي الإنتاج الوطني.
وطبقا لهذا المؤشر، وبفضل التخطيط الموجه، فقد بلغت نسبة الطاقات النظيفة من الإنتاج الطاقوي حدود 50٪ في عام 2018، وسيتم الرفع من هذه النسبة مع الانتهاء من أشغال المحطة الهوائية لبولنوار بقدرة إنتاجية تصل إلى 100 ميغاوات، في حين كانت هذه النسبة تستهدف 20٪ في أفق عام 2020 حسب الإستراتيجيات الأولية لما قبل 10 سنوات من الآن.
ونظرا لتحقيق هذا الهدف، بل وتجاوزه بكفاءة ومهنية فقد تمت مراجعته صعودا ليصل إلى 60٪ في أفق سنة 2022 بالنظر للإنتاج المستقبلي لمحطة بولنوار ذات الـ100 ميغاوات، وإلى النتائج المرضية المُتَحَصَّل عليها من أداء محطة الطاقة الشمسية 50 ميغاوات على طريق المقاومة ودخولها حيز التشغيل في الثالث والعشرين نوفمبر 2016، والتي تعتبر أكبر محطة للطاقة الشمسية في إفريقيا الغربية، حيث تنتج 000 156 لوحة كهروضوئية مثبتةعلى مساحة 82 هكتار 00092 ميغاوات / ساعة في السنة تزيد أو تنقص حسب المناخ. وهو ما يغطي حاجيات أكثر من 000 100 أسرة من الاستهلاك الكهربائي.
ولعل أهم ما ميز تدشين هذه المنشأة هو استلامها وتشغيلها في حدود الآجال المحددة ودون تأخير (نوفمبر 2016)، ويشكل ذلك استجابة وتطبيقا لمعايير ونظم الحكامة الرشيدة والجودة في النتائج التي ما فتئ القطاع يعمل جاهدا على احترامها.
البنى التحتية الهامة التي تم إنجازها
يعمل أسطول من 15 توربينات رياح، تبلغ طاقتها الإجمالية 31 ميغاوات، قرب نواكشوط تم إطلاقه سنة 2015 ضمن منظومة متكاملة لتوليد الكهرباء من قدرة الرياح.
وقبل انتهاء السنة المنصرمة 2018، أطلق القطاع المشروع الكبير لأنظمة الكهرباء على مستوى مناطق الشرق (النعمة، تمبدغة، عدل بكرو وأكثر من 40 بلدة واقعة على طول الخطوط)، الذي تم تدشينه غداة عيد الاستقلال الأخير.
وخلال عام 2017، تم إطلاق المشروع الكبير لكهربة مناطق النهر والتجمعات المحاذية لخطي روصو – كيهيدي وكهيدي – بوگي وبوگي - ألاك، والذي تمثل في إنجاز 340 كلم من الخطوط متوسطة الجهد و100 كلم من الخطوط منخفضة الجهد، ومكن من كهربة أكثر من 50 تجمعا سكنيا تم توصيلها بالكهرباء لأول مرة منذ الاستقلال، وكذا ربط العديد من المساحات الزراعية بالشبكة الكهربائية على مستوى منطقة النهر، الشيء الذي تلقفه المواطنون المستفيدون بكل فرح وحماس.
وعلى مستوى الإنتاج، فقد عمد القطاع إلى مضاعفة القدرة الإنتاجية الإجمالية للبلد 10 مرات خلال العشر سنوات الأخيرة بفضل بناء وتشغيل منظومة المحطات الكبرى كمحطة عرفات 2، سنة 2010، بقدرة 10.5 ميغاوات، ومحطة المرفأ، سنة 2012، بقدرة 36 ميغاوات، المحطة الشمسية (الشيخ زايد)، سنة 2013، بقدرة 15 ميغاوات، وتوسعة محطة نواذيبو، سنة 2013، بـ22 ميغاوات، وتقويةالمحطات داخل البلاد بقدرة إجمالية وصلت إلى 29 ميغاوات خلال الفترة 2010 - 2014.
وتحقيقا لأهداف القطاع في مجال إدخال الطاقات المتجددة والنظيفة، تم تهجين محطات بعض المدن الداخلية نهاية سنة 2016 بقدرة شمسية إجمالية بلغت 16,4 ميغاوات.
وحصلت بلادنا على حصتها البالغة 18 ميغاوات من المحطة الكهرومائية (Félou) بشكل دائم.
وفي ظل الآفاق الواعدة لاستخراج الغاز، من حقل السلحفاة الكبير آحميم، وما يتيحه ذلك من فرص التنمية والتصنيع، يتأكد حسن الاختيار الذي تمثل في بناء محطة نواكشوط الشمالية المزدوجة بقدرة إجمالية تصل إلى 180 ميغاوات.
وبالإضافة إلى ما ذكرنا آنفا، تم بناء ثلاثة محطات هجينة شمسية / حرارية جديدة في ثلاث مدن داخل البلاد وهي:
- مدينة كيفة بقدرة 6.5 ميغاوات.
- مدينة النعمة 5.7 ميغاوات.
- مدينة عدل بكرو 2.2 ميغاوات.
وبذل قطاع الكهرباء جهودا كبيرة على مستوى الوسط الريفي وتم بناء 28 محطة صغيرة منها 10 محطات هجينة حرارية - شمسية – هوائية وكذا إنجاز 50 منصة متعددة الخدمات مزودة بالطاقة الشمسية.
وهكذا تكون الزيادة الإجمالية على مستوى الإنتاج قد تجاوزت 421 ميغاوات كقدرة إضافية في الفترة ما بين 2010 و2018.
ولتتويج هذا المسار المظفر في التسيير المعقلن والموجه نحو النتائج، فقد تم تعزيز وتوسعة الشبكات القائمة سبيلا إلى تأمين تغطية أشمل للمراكز الحضرية والقروية عبر زيادة خطوط الشبكات، متوسطة ومنخفضة الجهد، لتصل معدلات الزيادة بشكل غير مسبوق إلى زيادة بنسبة 147%.
ومكنت الزيادة في خطوط الإمداد بالكهرباء من مضاعفة عدد الاسر والسكان المستفيدين من خدمة الكهرباء ليصل العدد الإجمالي للمشتركين المسجلين لدى الشركة الموريتانية للكهرباء إلى 688285 مشتركا بعد أن كان العدد لا يتجاوز 000 107 سنة 2010، (إحصائيات نوفمبر 2018).
وتضاعف عدد المدن المكهربة في البلاد بشكل ملموس حيث انتقل من 38 سنة 2010 إلى 157 مدينة مكهربة بداية سنة 2018، أي ما مثل زيادة غير مسبوقة بنسبة 400%.
كما أن نسبة التغطية الكهربائية في الوسط الحضري وصلت إلى نسبة 73% سنة 2018 بعد أن كانت لا تتجاوز 36% فقط سنة 2010.
وطيلة سنتي 2017 و2018، تركزت جهود القطاع على الأولويات الإستراتيجية مما انعكس إيجابا على مستوى تقدم تنفيذ المشاريع التالية
- بناء منظومة كهربائية وطنية بجهد عال قادرة على تزويد المناطق ذات المقدرات المعدنية والاستهلاك الكبير للطاقة،
- تطوير شبكات التوزيع متوسطة الجهد تمهيدا للاستغناء التدريجي عن المحطات الحرارية المعزولة؛
- ترقية وتكثيف شبكات التوزيع بنواكشوط ومراكز المقاطعات.
فضلا عن ذلك، فإن القطاع تابع الأعمال الرامية إلى تنفيذ مشاريع خطوط الجهد العالي 225 كيلوفولت التالية:
- نواكشوط - نواذيبو؛
- نواكشوط - الزويرات؛
- نواكشوط - السنغال؛
- نواكشوط – كيفة - مالي.
وكذلك المشاريع التالية:
أ. - ربط الشبكات مع شبكة منظمة استثمار نهر السنغال (خط 90 كيلوفولت: ألاكـ بوكي، خط 33 كيلوفولت: بوتليميتـ صنغرافة)،
ب. - (خط 33 كيلوفولت: سيليبابي ـ كيفة)،
ج. - مشروع آفطوط الشرقي (خط 90 كيلوفولت: سيليبابي ـ امبود، و300 كلم خطوط متوسطة الجهد في أفطوط)،
د. - الحلقة متوسطة الجهد كيهيدي ـ سيليبابي ـ امبود،
هـ. - المحطات الهجينة الهوائية على طول الساحل البحري.
وعلى مستوى مدينة نواكشوط، أطلق القطاع برنامجا طموحا لدعم نظام نقل وتفريغ الكهرباء، تمثل في بناء حلقة كهربائية بجهدkV 33 حول المدينة لمواكبة التمدد الفضائي لأحياء العاصمة والزيادة المضطردة في استهلاك الكهرباء تبعا للتطور الحاصل في مجال التصنيع.
وسيمكن المركز الوطني للتحكم CNC، الذي يتم إنجازه في نواكشوط من:
- تأمين التحكم والرقابة عن بعد لوحدات الإنتاج ومنظومة نقل وتوزيع الكهرباء،
- تحقيق تسيير عصري أمثل للمنظومة الكهربائية،
- تحسين كبير لجودة الخدمة العمومية.
كما عرفت الإنارة العمومية على مستوى نواكشوط وجل المدن في الداخل تطورا ملحوظا بفضل إدخال الألواح الشمسية ضمن منظومة الإنارة العمومية وأصبحت جل المحاور الطرقية منارة مما ساهم في تعزيز الأمن وتحسين ملامح المدن.
لقد لعبت متابعة ورقابة الأشغال فى هذه المشاريع دورا حاسما وشكلت برهانا آخر على روح الجدية في التخطيط وتنفيذ المشاريع رغم الصعوبات الجمة والبالغة التعقيد والتشعب التي عرفها القطاع قبل العشرية الأخيرة. هذه العشرية التي عرفت من التطور وإدخال التكنولوجيا لقطاع الطاقة ما لم تعرفه موريتانيا طيلة 50 سنة السابقة.
وكجزء من أهداف التنمية المستدامة، اتُّخِذَتْ خطوات لجمع السكان في مدن مثل الشامي أو بورات لتوفير فرص الحصول على التعليم والصحة ومياه الشرب وخدمات الكهرباء. وتتمثل إحدى أولويات الحكومة حاليا في إقامة حلول لا مركزية للوصول إلى الطاقة في مناطق معزولة، مثل إنشاء وحدات شمسية صغيرة مستقلة لأكثر من 100 تجمع قروي ذوي الكثافة السكانية فوق 500 أسرة.
ولا يزال يتعين بذل المزيد من الجهود في السنوات المقبلة، وخاصة من حيث كفاءة الطاقة وتخزينها والتحكم في شبكات توزيعها لتحقيق هدف التغطية الكاملة والمستدامة لاحتياجات البلاد من الكهرباء اعتمادًا على الموارد المحلية النظيفة وغير المكلفة مثل الرياح (مشروع محطة 100 ميغاوات ببولنوار) والشمس وغيرها من المنشآت والمقدرات التي تمت الاستفادة منها حديثا ضمن رؤية مستقبلية وإرادة صادقة من فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز وبتخطيط عقلاني واقعي وطموح من القطاع المكلف بالطاقة بهدف توفير الكهرباء والمساهمة في قيادة التحول العالمي نحو طاقات المستقبل وتعزيز المكتسبات المحرزة في مجال الأمن الطاقوي.
الغاز: أحد أهم رافعات التنمية المستقبلية لبلدنا
على الرغم من الرغبة القوية في تطوير الطاقة المتجددة، إلا أن إستراتيجية الطاقة في موريتانيا يمكنها مستقبلا أن تعتمد إلى حد كبير على استغلال النفط والغاز. لقد قطعت بلادنا أشواطا متقدمة سبيلا إلى دخول دائرة الدول المصدرة للغاز بالتعاون مع شركات بريتيش بتروليوم البريطانية وكوسموس أنيرجي الأمريكية. ومثل يوم 21 ديسمبر من سنة 2018 محطة هامة حيث تم التوقيع على القرار النهائي لبدء الاستثمار الفعلي في المشروع ويعني ذلك من بين أمور أخرى البدء الفعلي في تنفيذ الأشغال الخاصة بمنصات الاستخراج والتخزين، وإبرام العقود التجارية الخاصة بتسويق الغاز.
وفضلا عما ستجنيه موريتانيا من العوائد المالية المباشرة للمشروع، فإن مكاسب بلدنا تكون أكبر وأهم عبر وضع الاستراتيجيات الهادفة إلى تغطية كامل الاحتياجات من غاز البوتان وكذا تسخير الغاز كمصدر شبه نظيف لتوليد الطاقة الكهربائية سبيلا إلى تحقيق الثورة الصناعية المستقبلية التي تتطلع بلادنا إلى تحقيقها في السنوات القادمة.
وسيشكل توفير الغاز كمصدر نظيف للطاقة المتدفقة والقوية رافعة مهمة للنهوض أكثر بقطاع المعادن والسير به قدما نحو الصناعات التحويلية، كما ستشكل وفرة الغاز المنزلي البوتان حلا ناجعا من أجل المحافظة على البيئة والغابات والاستمرار في تطوير الغطاء النباتي والمناطق الرعوية الضرورية للتنمية الحيوانية وللزراعة. وفي هذا المجال، تواصل الحكومة دعم الطبقات الهشة ذات الدخل المتوسط وتخصص مبلغ 4 مليارات أوقية قديمة من ميزانية القطاع لدعم أسعار الغاز المنزلي.
ومن أجل ضمان تنفيذ هذه السياسات الإنمائية الشاملة ضمن منظومة تحترم البيئة فإنه يلزم التكوين والتدريب لتطوير الكفاءات، والتركيز على العنصر الأهم الذي هو العنصر البشري، وخير دليل على جدية الحكومة في هذا المسعى، ما أكد عليه فخامة رئيس الجمهورية في خطابه الأخير حول التعليم والحث على الأخذ بمجاميع وآليات الرقي والنماء والازدهار الفردي والجماعي التي لا تتأتى إلا من خلاله.
حول القمة العالمية لطاقة المستقبل
تُعدّ "القمة العالمية لطاقة المستقبل"، التي تُعقد في أبوظبي سنوياً، الحدث العالمي المخصص للطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة. وتشكّل القمة منصة تجمع مطوري المشاريع والموزّعين والمستثمرين والمشترين بهدف استكشاف الحلول الجديدة للتحديات المتنامية في مجال تأمين الطاقة على مستوى العالم.
وتعقد القمة العالمية لطاقة المستقبل مؤتمرها السنوي، الذي يجمع الرؤساء والقادة الحكوميين وخبراء الأعمال لمناقشة القضايا المرتبطة بالاستدامة. وتشمل مواضيع هذا العام "مدن المستقبل" و"الرقمية وانتشار التكنولوجيا" و" التقنيات الصاعدة".