استمر ساسة موريتانيا أمس في انشغالهم الكامل بتحليل واستجلاء أبعاد وخلفية البيان الذي فاجأهم به الرئيس محمد ولد عبد العزيز مساء الثلاثاء، وأعلن فيه عن احترامه للدستور، آمراً أنصاره بإيقاف الحراك الساعي لتعديله بغية السماح له بالبقاء في السلطة لولايات رئاسية أخرى.
وتزامن هذا الانشغال مع المطالبة الملحة بتحرير شباب المعارضة الذين اعتقل بعضهم أثناء وقفة احتجاجية على مساعي تعديل الدستور، والبعض الآخر خلال قيامهم بقلع عشرات اللافتات الداعية لبقاء الرئيس عزيز في الحكم والمعلقة منذ أشهر في غالبية أعمدة الكهرباء وسط العاصمة.
ولفت ﺣﺮﺍﻙ «ﻣﺤﺎﻝ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ» الشبابي المعارض في بيان وزعه أمس إلى «الاﻧﺘﺒﺎﻩ لاستمرار اعتقال رئيسه ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺎﻟﻲ ﻳﺴﻠﻢ ﻋﺜﻤﺎﻥ، مع تعرضه للمعاملة القاسية ولعزل ﻻ ﻣﺒﺮﺭ ﻟﻪ ﻫﻮ ﻭﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﺮﻓﺎﻕ ﺃﺣﻤﺪ ﺳﺎﻟﻢ ﺣﺒﻴﺐ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﻭﺍﻟﻤﺨﺘﺎﺭ ﺩﺍﺩي وﺃﻟﺐ ﻭﻟﺪ ﺧﻲ» .
وأكد «أن ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ المذكورين محرومون ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻳﺎﺭﺓ ﻭﻣﺤﺠﻮﺯﻭﻥ ﻓﻲ ﺯﻧﺰﺍﻧﺎﺕ ﺍﻧﻔﺮﺍﺩﻳﺔ ﻭﻳﺘﻌﺮﺿﻮﻥ ﻟﻀﻐﻮﻁ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﻭﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺴﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﻇﺮﻭﻑ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ».
«ﺈﻧﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﺮﺍﻙ ﻣﺤﺎﻝ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ، يضيف البيان، ﻧﺤﻤﻞ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﺕ ﺍﻷﻣﻨﻴﺔ ﻟﻨﻈﺎﻡ ﻣﺤﻤﺪ ﻭﻟﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﻣﺔ ﻋﻦ ﺳﻼﻣﺔ ﺍﻟﺮﻓﺎﻕ ﺍﻟﻤﻨﺎﺿﻠﻴﻦ ﻭﻧﻄﺎﻟﺐ ﺑﺈﻃﻼﻕ ﺳﺮﺍﺣﻬﻢ ﻓﻮﺭﺍً ﺩﻭﻥ ﻗﻴﺪ ﺃﻭ ﺷﺮﻁ، ﻛﻤﺎ ﻧﻄﺎﻟﺐ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﺣﺰﺍﺏ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺸﺒﺎﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺎﺕ ﺍﻟﺤﻘﻮﻗﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺪﻭﻧﻴﻦ ﺑﺘﺤﺮﻳﻚ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻭﺍﻟﻮﻗﻮﻑ إلى ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﺮﻓﺎﻕ ﻭﺍﻟﺘﺤﺮﻙ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﻀﻐﻂ ﻹﻃﻼﻕ ﺳﺮﺍﺣﻬﻢ دون تأخير».
وضمن ارتدادات بيان الرئيس، أكد الوزير السابق والمحامي محمد ولد أمين «أن الرئيس عزيز لا يملك مقاليد السلطة الصلبة، فقد سحب الجيش ثقته منه، منذ شهور طويلة، حين لم تقبل القيادات العسكرية محاولات التمديد».
وقال: «لقد كان عزيز هو بنفسه من حاول تعديل الدستور عبر البرلمان ونسق ذلك عبر أفراد عائلته».
وأضاف الوزير أمين: «كما سبق ونشرت خلال شهور طويلة، من يضيع وقته في ولد عبد العزيز لا يفهم في السياسة، وأعتقد أن الجنرال المنهك والمتجاوز، بعد هذه المحاولة الفاشلة، سيسعى نحو التكفير عن المحاولة السخيفة بحملة تودد لولد الغزواني، كما لا أستغرب أن يقوم نواب المؤامرة نفسها بتشكيل لجنة للتحقيق في موبقات عزيز كعربون نفاق وتملق لغزواني الرجل القوي في موريتانيا، انتهى عزيز فِي ستين داهية».
وكتب الإعلامي عبد الفتاح عبيدنا رئيس تحرير صحيفة «الأقصى»
معلقاً على بيان الرئيس: «بصراحة لست مقتنعاً بأن البيان طبيعي؛ فثمة شيء غامض، فما الذي استعجل الرئيس للتوضيح والحسم قبل رجوعه من السفر؟ وهل كان للتقارير الأمنية عن حراك التعديل المثير تأثير ذو بال فرض سرعة التحرك ؟!. أم أن الأمر برمته خارج عن إرادة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وعلى افتراض أنه بيان طبيعي ومنسوب فعلاً للرئيس نفسه، فلماذا لم يسجل صوتياً، ليكون فوق الريبة والجدل».
وقال: «لعل هذا البيان مقدمة لإمكانية التأسيس لنظام برلماني ولو بصورة تدريجية، فالحكم الرئاسي الأحادي بات محصوراً محاصراً مضايقاً في الزاوية».
وتحت عنوان «لا شكر على مراوغة»، كتب السفير والإعلامي باباه سيدي عبد الله: «البيان الصادر اليوم (15 يناير 2019) عن رئاسة الجمهورية الإسلامية الموريتانية مجرد مشهد بائس من مسرحية تافهة، فحتى يلج الجمل في سَمّ الخياط، لن أقتنع بأن المبادرة البرلمانية لتعديل الدستور وُلدتْ في غير حِجر الرئيس، وحتى يؤمَ البابا بنديكت السادس عشر صلاة الجمعة في مسجد قباء لن أقتنع بزهد محمد ولد عبد العزيز في السلطة؛ واحتمال أن ينهض باقلٌ من قبره ويُعيّن غداً أستاذاً زائراً في جامعة هارفارد وعضواً في المجلس العلمي لوكالة ناسا، أكثر وروداً من احتمال هبّة عزيز بمحض إرادته، انتصاراً للديمقراطية والتناوب السلمي على السلطة».
«لقد أرغم الرئيسُ، يضيف باباه سيدي عبد الله، على تعديل السيناريو وتبديل من الممثلين لم يكن مبدّلاً في الأصل، وتغيير صالة عرض المسرحية الهزلية من البرلمان إلى فضاء محدود طُلب منه تحويل الفشل إلى انتصار».
وأضاف: «لماذا لم يوقف عزيز، منذ اليوم الأول، مهزلة الدورات الرئاسية وهي لا تزال تزلفاً لفظياً وملصقات على أعمدة في العاصمة؟
ولماذا لم يوقفها وقد تطورت إلى مبادرات تُساق إليها القبائل والموظفون بترهيب من النظام وأركانه ؟ ولماذا ركز النظام وإعلامه مؤخراً على إيهام الموريتانيين بأن طوفاناً من الكراهية وريحاً صرصراً عاتيةً من التطرف ستقتلعهم والبلدَ من جذوره يوم يترك عزيز السلطة؟ لقد سقط سيناريو الحرب العرقية المفتعلة، وانتقلت صحوة الرفض من مجلس الشيوخ إلى الجمعية الوطنية، وبات لزاماً التفتيش عن ملهاة أخرى لكسب الوقت وتجميع الفلول».
وأضاف السفير باباه: «قبل فترة كتبتُ أن عزيز يبحث عن ضمانات لمخرج لا خسائر فيه، وتعلمون جميعاً أن لديه ما يخسره صبيحة اليوم المعلوم من منتصف السنة الجارية؛ فبعض مقربيه العاملين بتجربة (ما حكَّ جلدَك مثلُ ظفرك)، وماكيافيلية (لا تقفز وتتركنا) نبهوه إلى أن الحاشية الحكومية والسياسية، كلما دنا موعد الوداع سوف تتبرأ منه، ولها في ذلك سوابق مشهودة، وقد بدأت تطفو منها على السطح تصرفات للذكر فيها مثل حظ الأنثيين».
وقال: «الجيش الذي ليس فقط ألوية في مكاتب مكيفة، يرقب المشهد ويوجه رسائل ثابتة الفحوى: «لن تكون يا عزيز أعز علينا من موريتانيا، فلا تجازف بجعلنا نحسم الخيار على الملأ، ولا يزال عزيز يبحث عن مخرج دون خسائر، ولا يزال بعضهم يوهمه بأن المراوغة هي أقصر السبل، وأن من المراوغة الإيعاز بتنظيم استقبال جماهيري شكراً للرئيس على أنه سيترك السلطة؛ لقد تحول التمسُّك إلى تبخُّر».
أما القيادي الإسلامي، محمد جميل منصور، فقد كتب: «رغم قناعتي التامة أنه لا سبيل دستورياً وقانونياً لتعديل المواد المحصنة في الدستور والمحددة للمأموريات الرئاسية باثنتين فقط، ومع إدراكي أن الموقف العادي والطبيعي هو احترام الدستور خصوصاً من المسؤول الأول في الدولة، ومع أن المبادرات الجهوية والعريضة البرلمانية المتوقعة كانت كلها خروجاً صريحاً على الدستور والقيم، وبالتالي تستحق النقد لا التزكية، والعقاب لا الترحيب، ومع اختلافي مع مضامين رئيسية في بيان رئاسة الجمهورية، رغم كل هذا ومع كل هذا، فإني أشكر لرئيس الجمهورية موقفه المعلن للالتزام بالدستور والرافض لتعديله في مواده المحصنة؛ نعم، نحن في زمان يشكر فيه على الواجب ويثمن الطبيعي والعادي، ونأمل أن يكون هذا القوس قد أغلق وأن تصمت الأصوات النشاز وأن يكف المحركون لها».
القدس العربي