دخلت موريتانيا أمس، بشكل أقوى من الأسبوع الماضي، معركة الترشحات للانتخابات الرئاسية المقررة منتصف السنة الجارية، بعد أن سربت أوساط مقربة من الرئيس محمد ولد عبد العزيز خبراً عن ترشيحه لرفيق سلاحه الجنرال محمد ولد الغزواني للرئاسة باسم أغلبيته الحاكمة حالياً.
فبعد حيرة طويلة، وشح كبير في المعلومات، أكد سياسيون ونواب داعمون للرئيس محمد ولد عبد العزيز أمس «أن الرئيس أخبرهم خلال استقبال خصصه لهم الإثنين بترشيحه للجنرال غزواني وزير الدفاع الحالي وبدعمه له، وأن هذا الترشيح سيعلن عنه رسمياً في القريب العاجل في مهرجان للحزب الحاكم».
واندفع المدونون خلف أخبار الترشيحات بالكتابة وبالتحليل ضمن موجة أكد فيها بعضهم «أن موريتانيا على وشك الانتقال من الاستبداد العسكري إلى الديمقراطية العسكرية».
وتحدث المدون جمال ولد البشير، أمس، عن «استياء يعم أفراد قبيلة الرئيس عزيز إزاء ترشيح عزيز لرفيق دربه».
وأكد «أن أقرباء الرئيس أوضحوا أن عليهم بذل الغالي والنفيس قبل أن يعلن الرئيس رسمياً ترشيح غزواني لثنيه عن ذلك، وأن عليهم التحرك داخل الساحة وخلق تيار داخل الموالاة رافض لترشيح غزواني بل ورافض لترشيح أي عسكري، وممارسة الضغط لترشيح رئيس مدني مقرب منهم يتحكمون فيه وهم من سيقترحونه على عزيز، وأن نجاح غزواني وتنصيبه رئيساً سيخرج الأمور من أيديهم وستضيع مصالحهم، وأن عزيز ستصدمه يوماً هذه الحقيقة المرة».
وضمن موجة التفاعل مع حمى الترشحات، أكد محمد مختار الشنقيطي «أن موريتانيا بدأت تنتقل من الاستبداد العسكري إلى «الديمقراطية العسكرية»، فكل المؤشرات تدل على أن عزيزاً سيخرج من الرئاسة رغم حرصه على البقاء فيها، وأن الرئيس القادم سيكون الجنرال محمد الغزواني، نظراً لضعف المعارضة المدنية في اللحظة الحاضرة، وشتات صفها».
«ويستطيع الغزواني، يضيف الشنقيطي، أن يكون بداية جدية للانتقال إلى الدولة الدستورية، إذا تحرر من ظل عزيز، وحرص على الإجماع السياسي، وأدرك ضرورة التغيير، وفي كل الأحوال فإن مجرد اضطرار عزيز للرحيل صاغراً، وعجزه عن تغيير الدستور لتمديد رئاسته، مكسبٌ مهم للتطور السياسي في موريتانيا، وتقريبٌ لها من الانتقال إلى الحكم المدني الدستوري».
وكتب الحسن مولاي أعل، مدير إذاعة التنوير، معلقاً على حمى الترشحات: «في انتظار اتضاح الصورة أكثر، فيما يتعلق بالقائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية الوشيكة وخلفياتهم على مستوى المشهد الوطني من كل زواياه (أغلبية ومعارضة، عسكرية ومدنية)، فإن المصداقية والجدية اللتين يتطلبهما استحقاق التناوب الموعود، ليكون سلساً، سلمياً، جديراً بالثقة؛ تفرضان اتخاذ عدد من التدابير التوافقية الضرورية لضمان الشفافية بمختلف اشتراطاتها».
«وفي مقدمة ذلك، يقول المدون، إعادة ترميم اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، بحيث تتجدد فيها ثقة الأطراف، وإطلاق الإحصاء ذي الطابع الانتخابي، في آجال وظروف كافية لتجديد اللائحة، وإجراءات صارمة تضمن حياد الدولة: إدارة وأموالاً ووسائل ناعمة أو خشنة، واستدعاء أعداد كافية من المراقبين الدوليين، من الهيئات والجهات الجديرة بالثقة، ولزام وسائل الإعلام العمومية بنهج المهنية والحياد الكامل حيال برامج المرشحين، ووضع ضوابط صارمة لسير الحملة، تمنع إهدار المال، وتصون الأخلاق العامة»، «ذلك، يضيف مولاي أعل، هو ميدان المعركة الحقيقي، فبه ننتصر جميعاً، وبدونه، لا قدر الله، نفشل!!».
وأكد الدكتور أبو العباس ابرهام، «أن استراتيجِيّته لرئاسيات 2019، تقوم على أن إمكانيّة المعارضة الوحيدة لكسب الانتخابات هي وجود، أو خَلْق، عدم يقين وعدم إجماع في صفوف الموالاة، كما حدَثَ 2007 (نظرياً فازت المعارضة بانتخابات 2007، باحتِساب أصوات مسعود ولد بو لخيْر المعارِض)».
وأضاف: «يبدو أنّ هنالك على الأقلِّ مُرشّحين للنظام: الجنرال غزواني ومولاي ولد محمد الأغظف، ومن الأرجح أنّ عدّة مطالبين بالعرش سيبزُغون في قادم الأشهُر، نظرياً نحن بصدد انفجارٍ للأغلبيّة؛ لقد استطاعت أغلبيّة مُنفجِرة في 2006-2010 استعادة وحدتِها، ولكن فقط بصعوبة كبيرة وبعد حرب أهليّة ماحقة أدّت إلى انقلاب عسكري».
«أعتقِدُ أنّه صعبٌ على المعارضة، يضيف أبو العباس، أنْ تُقدِّمَ مُرشّحاً إجماعياً نظراً لتوارِيخ التباغض والانخرام وعدم الإخلاص (ناهيك عن عدم القدرة على تعبئة كلّ جمهور المعارضة في خياراتها الحزبيّة، حتّى وإنْ أخلَصَت) في هذه المعارضة، فهي تُعاني من نفسِ مشكلة الأغلبيّة، ولكن الرئاسيات ستكون ثنائية إما/أو، كما يقول عنوان كيركغور، وفي هذا النّوع من الاحتدامات يوجد رأيٌ عام، وسيكون صعباً على طرَفٍ مصابٍ بالفالِج ويعاني من حرب أهليّة داخليّة أنْ يكسَب النزال».
وقال: «أعتقِدُ أنّ معارضة مموّلة وقادِرة على القيام بصفقات اجتماعيّة وبمشروع عقد اجتماعي مع القوى التقليدية والثائرة قادِرة على أنْ تكون مفاجأة؛ على العموم هذه آخر فرصة للمعارضة التاريخيّة، لسوء الحَظ ضاع وقتٌ كثير، كالعادة، ومن الصّعب استدراك ما فات».
«القدس العربي»